الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

١ ديسمبر

كتبت هذه الخاطرة في الأول من شهر ديسمبر.

هو اليوم الذي يسبق اليوم الوطني الإماراتي.

جرت العادة خلال السنتين الماضيتين بأن أعيش هذه الاحتفالات بروح وطنية، مبتهجة وفرحة.

عدا أن هذه المرة مختلفة تمامًا عن سابقتها من السنين؛ هي السنة النقيضة لجميع مشاعر الابتهاج والوطنية والفرحة.

وقبل أن أسهب بالأسباب بخاطري أن أحكي لك أيها القارئ بأن دعيت لحفل زواج جماعي خصص لعائلة الهاشمي، العائلة العريقة من الدوحة الشريفة، حضر الوفود من الشخصيات المهمة جدًا وعلى رأسهم شيوخ الإمارات حفظهم الله، رأيت من بعيد حفاوة الاستقبال، شاهدت عيون فخورة بقادتها وقيادتها. من بعيد ولأول مرة رأيت الشيخ محمد بن زايد وشبله خالد، حضروا مهنئين مباركين لهذا الزواج ولهذه الأسرة الكريمة، جميع الحضور كانوا لهم نصيب من هذه الفرحة التي عمَّت الأرجاء برؤيتهم ويحق لهم بذلك كمواطنين إماراتيين.

أما بالنسبة لأسبابي فهي حكمة الله التي تأتي دائمًا محملة بالخير والبركة وإن لم استطع مشاهدتها بعد، ومن أسبابها أيضًا رفع مستوى الطموح الذي عزمت الوصول إليه ولم أنله إلى هذه الساعة، حاولت ومازلت أحاول ولا أعلم إن كنت سأصل أم لا؛ و أعني هنا في الموطن الجديد الذي فضّلته على الموطن الذي ولدت فيه.

أحنُّ كثيرًا لذكريات الطفولة، المراهقة التي عشتها في الدمام، ولا أنسى الفترة الذهبية من عملي في الرياض العاصمة، لكن سبحان الله هي أقدار الله وحكمته في كل شيء بأن أتزوج في الإمارات وأرزق منها طفلين، الأول هو نسخة شبيهة مني والثاني يشبه أمي التي أشعر باستياء بسببها بأني لم أكن الابن البار الذي يبرها كما تستحق أن تعيش هي على كفوف الراحة والدلال.. إلى هذه اللحظة، هذه المشاعر خانقة وتضيق كاهلي لأن علاقتي بأمي ليست مجرد علاقة أم وأصغر أبنائها " آخر العنقود " ولكن لأن علاقتنا هي علاقة صداقة بنيت على تضحياتها وصبر عظيم جدًا ومهما حاولت جاهدًا بأن أرد بعض من جميلها لما استطعت، ولكني وكما يقال النية مطية، وفي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات " ومع ذلك أكرر بشكل مستمر بأن محاولاتي والأسباب الدنيوية التي أبذلها هي حسنات أخروية وأما من حيث النتيجة الدنيوية فهي قدر الله يظهرها لي متى ما أرادت حكمته، ومهما تأخرت إلا أنها ستأتي بخير كثير بإذنه سبحانه ولو لم أكن استحقّ هذه النتيجة ولا الوصول لكنها ببركة أمي الصالحة، المباركة والطيبة ودعواتها الصادقة والمستمرة لي ستتحقق ولو بعد حين.


نمط الحياة في الإمارات يمتاز بالجودة العالية خصوصًا من ناحية البنية التحتية، التعليم والصحة إلا أنه من الناحية الوظيفية فهي بجانب كونها بيئة تنافسية جدًا لكن يطغى عليها المحسوبيات والواسطات عوضًا عن الكفاءات؛ وبسبب عدم امتلاكي لجودة العلاقات فحتمًا كان التحدي أصعب وتجربتي الوظيفية لم تكن ناجحة ولذلك شاء الله بأن أُدفع إلى الخوض في التجارة دفعًا ولو لم تكن أقوى خصالي التي تأسست عليها أو مارستها مسبقًا ومع ذلك لازلت أتعلم الكثير.. وها أنذا أمتلك مشروعين اثنين أحدهما يسير بنجاح بفضل الله والآخر للتو في بداياته والطريق حتمًا ليس بالسهل وأسأل الله التوفيق.


خلاصة القول..
مهما ادّعى الإنسان نبوغه وذكاءه، مهاراته، علاقاته ومهما عمل واجتهد إلا إنه في نهاية المطاف يسير وفق أقدار الله وحكمته، لذلك لا يضيق صدرك ولا تبتئس واعمل بقول الشاعر:

إن ضاقت الحال في عيش تكابده

واستفحل الهم وانتابتك أتراح

فافزع إلى الله في ذكر تردده

إن القلوب بذكر الله ترتاح

كم من كروب ظننا الانفراج لها

حتى رأينا جليل الهم ينزاح

فاصبر لربك لا تيأس فرحمته

للخلق ظل وللأيام إصباح

كل باب وإن طالت مغالقه

فإن الصلاة على المصطفى مفتاح

الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

حقائق جليَّة عن معشر الكتُّاب

 نحن معشر الكتُّاب.. مبدعون، متألقون، سواء مع وجود الذكاء الاصطناعي أو عدمه.
نستطيع أن نكتب وفي دواخلنا ما نبطنه، الجميع يقرأ ظاهر النص بطريقة اعتيادية لكن نبطنها بحيلة ماكرة. ألا تقول العرب: المعنى في بطن الشاعر؟!
وهل يستطيع ذكاء اصطناعي أن يبطن ما يظهره؟ مستحيل.
المعنى ليس في ظاهر النص، بل في باطنه وقلَّ من يمكنه قراءة باطنه أو تفكيك رموزه!
لهذا السبب من ترتبط بكاتب حذق ونبيه، ستجد صعوبة في قراءة ما بين السطور.

أكثر ما يزعجنا هو المبالغة في الإطراء رغم أننا بسجيَّتنا نحب الإطراء.
نعم، نحن الكتُّاب نحب أن نسمعها بصدق لا بتزلّف.
فشتَّان بين قولك: النص رائع وأحسنت، وبين لمست في كلماتك غضب عندما كتبت كذا وأحسست بالدفء عندما أردت التعبير بكذا، وابتهجت أساريري عند قولك كذا..
ما لم تمتلك مهارة الإطراء كهذه؛ فاقترح عليك بأن تكتفي بهذه العبارة: هذا نصٌ فريد كصاحبه.

الكتابة عند الكاتب الماهر ليس مجرد نص جامد فحسب.
هي مهارة تجعلنا نقدِّم كلمة أو نؤخر جملة بهدف إيصال المعنى وهكذا دواليك..
مهارة نخوض في غمارها تحديات، تضحيات وتجارب ثم نكتب عنها ببساطة.
والكتابة في هذه الحالة ما هي إلا ثمن التذكرة التي بسببها نعيش التجربة؛ بحلوها ومرها.
تكلفة التذكرة قد تكون باهظة، موجعة، مريرة وأحيانًا النقيض منها تمامًا.
في عقلنا ندرك كم هي روعة البدايات، لاسيما عندما تبدأ الأفكار بخلق نص بديع من العدم.
ثم تأتي النهايات التي لا نعلم كنهها، ولكن ندفع ثمنها طوعًا أو كرهًا.
في الحقيقة، الكتابة متعة صارخة في أعماقنا، نداعب بها الكلمات كما نداعب الأنثى الجامحة!
خاصةً عندما يكون النص قد كُتب من الأعماق.. الأعماق الذي نخشى المرور عليه.

ألم يقولوا: بأن عقول الرجال تحت أقلامهم.
في الواقع يغرينا نحن الكتُّاب بأن نُعرف كعقلاء، مفكرين، أدباء وكتُّاب نخبويين ومثقفين.
ولعلنا في هذه الحالة نكتب كهدف إضافي نتوَّج به أمام الملأ.
وبطبيعة الحال، الجميع يكتب بما يسدُّ احتياجاته؛ ولذا عندما قال أحدهم لبرناند شو مغترًا بنفسه: أنا أفضل منك، فأنت تكتب من أجل المال، وأنا أكتب من أجل الشرف! زعم بكلماته هذه أنه أقام حجته لحين ردَّ عليه شو بأربع كلمات: كل يبحث عمَّا ينقصه!

نكتب عن الفضيلة، القومية، العروبة، العشق.. تظل في نهاية المطاف كلمات ضمن سطور لحين اكتمالها كنص، ولن يعلم القارئ الساذج مدى إيمان الكاتب بها!
ولهذا يقال عنَّا باستمرار: أنهم يقولون ما لا يفعلون.
حالة واحدة فقط قد نعلم صدق الكاتب في كتابته وهي القشعريرة التي تصيبك أثناء القراءة؛ نعم عزيزي القارئ النبيه، فالكلمات أرواح نشعر بها، نطمئن لها ساعة ونبكي بها ساعة أخرى.
أليس هذا ما يفعله الكاتب الماهر؟!


الثلاثاء، 2 سبتمبر 2025

أحببتك أكثر مما ينبغي

 لطالما تساءلت مع نفسي عن مدى الاختلاف الذي سألحظه في حال قرأت رواية عاطفية لكن بعمرين مختلفين؛ وليكن الفارق عشر سنوات فقط!
ما هي المشاعر التي ستنتابني لحظتها؟
ما هو دور الوعي والنضج في تمحيص أحداث الرواية؟
وغيرها من التساؤلات.
وفعلت ذلك.

أعيد الآن قراءة رواية أحببتك أكثر مما ينبغي للكاتبة أثير النشمي.
عن العلاقة المربكة بين عزيز وجمان، عن الأحداث التي تُروى لكن من زاوية جمان فحسب.
أثناء قراءتي لها شعرت بتفاصيل الأحداث كما قرأتها للمرة الأولى.
ما بين تعاطف، جحود، أنانية، صبر وتضحيات.. وغيرها.
لكن تحليلي للمواقف أصبح أكثر اتزانًا من ذي قبل.
ما الذي يدفع الإنسان العاقل للتخلي عن كبريائه في مقابل وهم الحب، كما فعلت جمانة؟!
أيضًا سردية تجسيد دور الضحية كنت أتعاطف معها بشكل أو بآخر، عدا أني أمقتها الآن؛ الحياة كفيلة بتعليمنا هذا الدرس القاسي شئنا أم أبينا. 
ولكن.. والحق يقال.
ما بين السطور وجدت الحكمة في بعض المواقف.

أحدها عندما قالت بلسان عزيز: " القدر يبعث بإشارات إلينا، إشارات مبهمة، مبطنة ومخفية.. لذا علينا أن نكون يقظين طوال الوقت وألا تتجاوزنا الإشارات التي تمر بسرعة كالنيازك؛ لأنها لن تعاود المرور بنا إن تجاوزتنا بدون أن ننتبه إليها "
أي معرفة تتطلب منَّا فهم هذه الإشارات؟ أو أنها تأتي وليدة اللحظة في توقيت حاسم عبر تغريدة عشوائية أو أغنية غير مختارة ضمن الأغاني التي تأتي تباعًا بعد الانتهاء من الأغنية المسموعة، أو لعلها سلسلة من الأحداث المتكررة ولكن نغفل عنها مثل عدم توفيق أو فشلٍ في علاقة ما؟! 
بالنسبة لي فهم واستيعاب إشارات القدر أصبح يؤرقني كموضوع فلسفي وليس مجرد نص ضمن رواية رومانسية!
ومما يدل على صعوبة الفهم هي العبثية التي استكملت بها جمانة النص:
" كنت أجفف دموعي حينما وقعت عيناي على لوحة إعلانات مرتفعة ومضاءة، كتب عليها..
You may go Alone with the right road and he may take the left one, but after all, the two roads could meet at the same point! .. شعرت وكأنها رسالة القدر إليَّ يا عزيز، كأنها الإشارة التي حدثتني عنها والتي تؤمن بها، غمرتني السكينة، شعرت وكأن أعصابي تمددت، وبأن مساماتي الصغيرة تفتحت وعاودت التنفس" انعطفت عن الطريق وعادت إليه!
فهمها لإشارة القدر جعلتها تستكمل المخاطرة ووعورة العلاقة التي كانت ومازالت متشبثة بها! 
فهل إشارة القدر أنصفتها وقتذاك؟! الأمر مربك جدًا بالنسبة لي، ومع ذلك أؤمن بأن إشارات القدر ينبغي أن نقف عندها ونعمل بها دون أن تمر علينا مرور الكرام.

الحكمة الثانية، هي في الحب الذي يجعلنا نتكبَّد ألم تغيير من نحب، إصلاحه رغم عيوبه وأخطاءه.
وهنا أتساءل: ما الحد الذي نصبح عنده عاجزين عن إصلاح من نحب؟ بمعنى أدق، كم عدد المحاولات التي يجب أن نتوقف عندها في حال كان إصلاح من نحب هو أمر يفوق طاقتنا أو ربما لا نجدي له حلًا أو سبيلًا؟
لدي قناعة راسخة بأن الحب يغيّرنا، يجعلنا منساقين للمحبوب في اهتماماته وطريقة تفكيره، وأسلوب حديثه؛ ولذا يقال: " بأن العشُّاق يتشابهون، في ذروة الحب يتشابهون، يتحدثون بالطريقة ذاتها، ينظرون إلى الأمور من خلال المنظار نفسه "
الحب أيضًا يجعلنا نصبر، بل نتجرَّع مرارة الإصلاح بحسب علاقتنا مع المحبوب كيفًا وكمًا، كيفًا فهي الطاقة التي تدفعنا للتغيير لأجله، من باب الطبع من التطبّع! أو ربما حبنا يجعلنا نتنازل وأن نتغيَّر برضا تام وليس بإملاءات وشروط استكمال العلاقة، وكمًا هي في المحاولات التي نستميت بها في سبيل التغيير والمحافظة على من نحب، لا يوجد حب دون تضحية وتنازلات ووجع؛ الحب هو رهان نراهن عليه في المحبوب لأجل سعادتنا ومحافظتنا عليه وبناء أهداف وغايات عظيمة في المستقبل.
من يحب يجب عليه أن يدفع ثمن هذا الحب، ولولا ذلك الثمن لكانت العلاقة هشة، ضعيفة لا تمتلك أساس متين للاستمرارية، مثلما قالت جمانة: " أعرف بأن هذا هو جزء من مشكلتي معك، أخشى الابتعاد عنك، أخشى الحياة من دونك، حاولت الابتعاد لكنني لم أتمكن من ذلك.. نار قربك أخف وطأة من نار بعدك يا عزيز، قلبي يستعر بعيدًا عنك ويتلظى بجوارك! أي حب موحل هذا الذي علقت به! ".
دون التضحية ودون الحب فالعلاقة وإن بدت في الظاهر قوية إلا أنها ستنكسر لاحقًا أو سيبحث أحدهما عن بديل يؤمن بالحب، بالتغيير وبالإصلاح الذي يستحقه المحبوب؛ مثلما فعل عزيز فعلته التي لا تغفر وغفرت له!

الحكمة الثالثة، الحب نصيب والاستمرار فيه قرار.
لا نعلم متى نحب ومع من نحب إلا في حالة ازدحام الأفكار.
وحده صوت القلب ينطق بالكلمة في حين يخفت صوت العقل.
لا معايير، لا مقاييس هكذا يدق باب قلبك فجأة.
بالمناسبة.
لقد أخطأت؛ هذا ليس بحب، هذا هو الإعجاب.
الحب هو المرحلة العميقة والصعبة والذي يمر ضمن مراحل متدرجة للوصول إلى هذا المعنى.
لا يمكن أن تحب من أول مرة، وعبارة الحب من أول نظرة، ليست إلا مبرر لتجاوز هذه المراحل والوصول إلى الحب بكل سذاجة ويسر؛ الحب هو انعكاس لشخصياتنا التي نريد تجسيدها واحتياج لرغباتنا التي نريد تحقيقها.
كيف لها أن تحب عزيز وتغفل عن حب زياد لها؟!
" لا أعرف كيف يجذبني نقيضي إلى هذا الحد بينما شبيهي ناعم رقيق إنسان إلى أقصى درجة! " هكذا تقول هي عن زياد!

لم انتهِ من الرواية بعد.
لياقتي الذهنية أو بتعبير أدق في القراءة ليست كما كانت من قبل.
لعلي في يومٍ من الأيام أكملها أو تكون هذه بدايتها وخاتمتها. 


الاثنين، 1 سبتمبر 2025

الله لا يلعب بالنرد

 " الله لا يلعب بالنرد " عبارة قالها أينشتاين ليجسِّد فكرة أن الكون لا تحكمه الصدفة ولا الفوضى.
هذه العبارة جاءت ردًا على ميكانيكا الكم والتي تقول بأن سلوك الجسيمات دون الذرية لا يمكن التنبؤ بها بدقة؛ فقط بالاحتمالات.
هذه السطور أردت بها توضيح السيناريو الأسوأ الذي نفكر به في أوقاتنا الصعبة، عن الشعور الذي يراودنا في أحلك الظروف؛ عن تخلي الله عنَّا!

عبارة قد لا نقولها باللسان لكن ضمن أحاديث العقل، ولعلها تترسَّخ في عقلنا أكثر وتتشبَّث بطريقة مزعجة ومؤذية في حال شاهدنا بعض ممن ابتعدوا عن الله بسبب أو لآخر وتجده ناجحًا في حياته، وأنت الذي تتخبط في أمور دنياك وتحاول أن تحافظ على دينك لأنك ببساطة قد تربَّيت عليها منذ الصغر وتمارسها كروتين يومي وحياتي، وتشعر بالخلل متى ما توقف عنها، وأعني الصلاة والأخلاق وغيرها، ثم تأتيك هذه الفكرة التي تلح عليك ما جدوى هذا كله؟!

ومن تجربتي الشخصية محاولة طرد مثل هذه الأفكار غالبًا تكون كحل مؤقت فحسب، ما يجب عليك فعله هو أن تواجهها بضراوة، بحجج قوية ومقنعة. لا يوجد حل آخر.

الحجة الأولى:
الله لا يحتاجك؛ العبادة التي تؤديها والمصابرة التي تمارسها في أفعالك أجرها لك، والرهان يا عزيزي قد يبدو ثمينًا للغاية، من الناحية الأبدية والسرمدية: إما إلى الجنة أو النار.
الحجة الثانية:
عبادة الله بيقين هو أولى هذه الحلول، اعترف بنقصك وتكلَّم معه بعفوية وشاركه مخاوفك وشكَّك، هو أعلم بك من غيرك، يعلم ما في صدرك، حاول فقط بأن تدعو الله بيقين وأنت منكسر وأن الله سيدبِّر لك الأمر ويفرِّج همَّك؛ هي مسألة وقت.
الحجة الثالثة:
حكمة الله في كل شيء، من ناحية تأخير المطلوب أو حدوث المصاب؛ الله يختبر مدى قوة صبرك، وثقتك به، فإما أن تنجح في هذا الاختبار أو تفشل. لا خيار ثالث.
الحجة الرابعة والأخيرة:
جميع الحلول تنعدم متى ما يئست عن الله، قد تستمتع في البداية بفكرة التخلي عن خالقك وموجدك وتشعر بانتصار وربما تيسير لأمورك لكنها النهاية التي تودي بك إلى الهاوية والكارثة، ستصيبك اختبارات جديدة لكن ستواجهها بنفسك ودون معيَّة الله وتوفيقه، ستجد صعوبة في مجابهتها دون أن تنظر إلى السماء بانتظار الفرج، ستعيش حياتك بعبثية مطلقة، بعشوائية وفوضى عارمة، ستسمي الأسماء بغير مسمياتها الحقيقية. ستقول الحظ بدل القدر، ستقول هذا بجهدي وعقلي بدل أن تقول هذا بتوفيق الله بأن يسَّر لي الأسباب، وحالة من الإنكار الوجودي الذي يليق بك كإنسان ناكر للجميل والمعروف وتزعم بأنك تستطيع النجاح بمفردك وبمعزل عن كل أسباب الله ولعلك تنجح أو تفشل لكن ستكون خسارتك عظيمة جدًا، ما قيمة استثمار ثمانون سنة من حياتك كحد أقصى في مقابل حياة أبدية لا نهاية لها أبدًا؟!

الخلاصة..
أنا لست بأفضل حالًا منك عزيزي القارئ، لدي مخاوفي وشكوكي أيضًا؛ الأمر كله بأني أحاول إنقاذ ما يمكنني إنقاذه من كابوس اليأس، من سطوة الحياة التي لا ترحم، من نفسي والشيطان والناس.. بالله وحده الذي لا يلعب بالنرد.

الجمعة، 15 أغسطس 2025

إلى الأسد حمزة

ولدي الغالي، البكر الذي تباهيت باسمه كثيراً وجعلته كنيةً لي.
اعلم ياولدي بأني أحبك، وهذا الحب بُني على مسؤوليات وتنازلات عظيمة؛ عن سعيي الحثيث بأن تعيش حياة كريمة تناسبك، تلبي طموحاتك وتطلعاتك، عن القرارات المصيرية التي اتخذتها لأجلك؛ أنت وأخوانك.
فاذكرني بخير وأدعو لي بالخير، فمن محاسن ديننا الحنيف قول جدك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم "وولد صالح يدعو له ".
فالله الله بتقوى الله، واستحضر نياتك الصالحة على الدوام، وامتثل لأوامر الله ورسوله الكريم، وطع أمك جنتك ونارك، وسر على نهج أهلك وسلفك الأخيار.
واعلم بأن الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فتزوّد من ممرّك لمقرّك، وعش عزيز كريم النفس، طيّب القلب مع الأخيار، وعامل معاملة الندّ مع العامة والأشرار, ولا تعش حياة السفلة، ولا تكن غايتك من الدنيا السبهللة.

واقصد المال الحلال، واسأل الله منه الكثير الوفير، واعمل على ذلك بالتوكّل على الله والأخذ بالأسباب، وساعد المحتاج وتصدّق على الفقراء؛ فالمال ياحمزة قوّة، به تعز ودونه تذل.
ولتكن كبير أهلك، وعظيمًا عند قومك.. ارعى مصالحهم ولبِّي احتياجاتهم؛ فسيِّد القوم خادمهم.

واعمل دوماً بذكاء لا باجتهاد، وليكن طموحك عنان السماء، ولا ترض بالقليل إلا في بداياتك ثم اطلب الكثير في أثناء ذلك.

وصاحب الأذكياء الفطناء النجباء، من يعينوك على تحقيق مرادك وأهدافك الدنيوية، وصاحب الصالحين لا الطالحين من يقرّبوك إلى الله أكثر والوصول إلى غاياتك الأخروية؛ واعلم بأن دنياك لا تستقيم إلا بآخرتك وإلا خسرت الدنيا والآخرة معاً، نسأل الله السلامة.

واطلب العلم باستمرار، مثل علم الأنساب فإنه يجعلك في محط التقدير والاحترام.
واحفظ الشعر وافهم معانيه العميقة من شعر الجاهلية إلى الإسلامية، من شعر عنترة إلى ديوان جدك الإمام الحداد.
وتذكّر دائمًا وأبدًا.. بأنك حمزة ابن عبدالرحمن؛ سميتك بنّية صالحة ومقصد واضح صالح بأن تصبح مثل عمّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأخوه من الرضاعة، الشجاع من لا يخشى الناس، المهاب على الدوام، الناصر لدين الله، أسد الله ورسوله؛ حمزة ابن عبدالمطلب
.

فهذه يا ولدي كلمات أوصيها لك.. احفظها في سرِّك واعمل بها في علانيتك وعلِّمها لأخوانك ثم لأولادك من بعدك.
فلا اعلم إن كنت قادرًا على تلقينها لك في كبرك وعند نضجك ووعيك أم أنها ستستقر معي في القبر؛ فإما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
ولا تنسَ بأن تدعو لي على الدوام؛ أنت وأخوانك وعيالك..

السبت، 2 أغسطس 2025

اضرب ولا تُضرب

عودة مجددًا للخواطر العبثية والسوداوية..
وعلى غير المعتاد، استيقظت مبكرًا ووجدت نفسي مختنق، وبالمعنى الحرفي لتوصيف الشعور بالكاد أتنفس.
وعوضًا عن المشي الخفيف الذي يساعدني على لملمة أفكاري؛ وجدت نفسي أذهب إلى النادي الرياضي.
عاقبت نفسي هناك، جلدتها جلدًا إن صح التعبير.
كنت اعتقد بأن هذا الجهد الاستثنائي سيساهم في تخفيف الاختناق لكنه لم يفعل!
الشيء الوحيد الذي أزاح هذا الاختناق برمته واستطعت بعدها إلى إجراء عمليات الشهيق والزفير بشكله المعتاد هو؛ البكاء.
نعم. لم يكن بكاءً عاديًا كانت وسيلة انهيار، وانهرت بالكامل.
في الحقيقة منذ فترة طويلة لم أشعر بهذه الخفة.
لم أكن اعلم إلا الآن بأن الدموع وزنها أثقل من وزن الأثقال!

لدي اعتقاد مؤخرًا بأن الحياة ستجلدنا شئنا أم أبينا.
لن تكون سهلة علينا بالمطلق.
وستمضي الأيام بعدها وسندرك بأنها مضت بخيرها وشرها.
المهم في هذا كله؛ كيف نتعامل مع الجلد؟!
وفي طريقة التعامل باعتقادي هناك خيارين اثنين لا ثالث لهما:
إما أن تكون ضاربًا أو مضروبًا، وفي كلا الخيارين أنت مسؤول عن هذا الاختيار ولا أحد سيهتم بك.
هذا هو الواقع برمته، لن تجد من يواسيك أو يحتويك أو يحتضنك في حال كان الإخفاق والضرب حليفك وقرارك؛ الجميع يطالبك بأن تكون الرجل الخارق وإلا فقدت ذاتك وشخصيتك وكرامتك.
وسواء ضَربت أو ضُربت الأمر سيان لأنه قرار وينبغي أن تدفع ثمنه عاجلًا أم  آجلًا.

خلاصة القول..
انهض أيها الضعيف "الرخمة" من عقلية المظلوم في هذه الحياة واضرب بقوة واجلد بغضب لكل من يستهين بك.
لكل من لا يضع لك حد أو تقدير.
أنت خليفة الله في أرضه، أنت مطالب بتحسين عقليتك ونفسك ونفسيتك وشكلك باستمرار.
إياك ثم إياك ثم إياك أن ترضى على نفسك بأن تعيش على الهامش.
جدتي رحمها الله بطيبتها وحنيتها كانت تقول لي: "كن مظلومًا يا مان في هذه الحياة ولا تكن ظالمًا" هكذا كانت تناديني بـ "مان" كدلع ولا أعلم إن كانت تقصد بالرجل بالمعنى الإنجليزي أو ربما بـ (Man Up) بمعنى استرجل.
لكم أود إخبار جدتي الآن بأن الحياة غير منصفة أبدًا والمظلوم في هذه الحياة هو حقير، ضعيف، هزيل .. إلخ.
وأن تكون ظالمًا خيرًا من أن تكون مظلومًا لاعتبارات دنيوية لا دينية لكن المهم في مطلق الأحوال لا ترضى على نفسك الظلم والإساءة؛ حاول جاهدًا بألا تكون ظالمًا أو مظلومًا.


حاول أن تبكي بهدوء، أن تنهار بخفة، أن تصيح بصمت.
لكن قم بعدها واضرب بقوة فإن العاقبة واحدة.





الأحد، 20 يوليو 2025

٣٥ عام

 أبلغ الآن الخامسة والثلاثون.
٢٠ يوليو من كل سنة؛ أجد نفسي بالضرورة أكتب شيئًا ما.
حتى ولو لم أجد فكرة اكتبها، اجتهد أيَّما اجتهاد لكتابة شيء ما، لوضع بصمة ما.
أليست الكتابة فعل خلود؟!

كنت قد اعتدت الكتابة من فترة لأخرى لسنوات عدة عدا أني توقفت عنها لأسباب كثيرة، ولا أعني هنا الكتابة الإبداعية وإنما الخواطر التي لا يقرأها سواي؛ الخواطر التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
أو ربما يقرأها لاحقًا من بعدي لكن بوعي وإدراك حمزة وحامد؛ ملائكتي الآن وطفلاي الصغيران.
في الحقيقة لم أكن أتصور يومًا بأن أتوقف عن الكتابة وها أنا أفعل، رغم اعتقادي بأنها أفضل وسيلة للتعبير كإحدى تقنيات العلاج السلوكي التي تعتمد على فلسفة مواجهة الألم والقلق؛ فهي متنفس وحل نستطيع من خلاله تفكيك العقد والأفكار العشوائية التي تجتاحنا، وهي أيضًا كما شبهها الروائي نبيل الملحم بقوله: " الكتابة هي الفعل الأقرب إلى الاستحمام، فعل إزاء شوائب الجسد، هل تستطيع أنت أن تتوقف عن الاستحمام؟ "

والخاطرة اليوم ولا أعلم إن كانت هناك خاطرة تليها أو ربما في السنة القادمة ولكن هي عن الخامسة والثلاثين.
العمر الذي يصل فيه العقل البشري إلى ذروته الإدراكية كما تشير الدراسات الحديثة، ولا أعلم في الحقيقة عن مدى صحة الدراسة وما إن تمت وفق معايير دقيقة أو مجرد تطبيب للمشاعر باسم الدراسات.

هي أيضًا مرحلة النصف بين البداية والنهاية؛ البداية المربكة حال بلوغنا الثلاثين والنهاية التي ترشدنا للأربعين.. فإما حينها مراهقة عبثية متأخرة أو نضج ووعي عاقل وراشد.

والحقيقة في داخلي أني لطالما كرهت أنصاف الحلول مؤمنًا بقول العبقري جبران خليل جبران وهو يقول مستطردًا وبحكمة بالغة باعتقادي قد كتبها وقد بلغ الأربعين من عمره:

" لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتَّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت.

إذا رضيت فعبِّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبِّر عن رفضك،

لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها وهو ابتسامة أجَّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك.

النصف هو أن تصل وأن لا تصل، أن تعمل وأن لا تعمل، أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت، النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه.

نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة، النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان "

قال جبران قولته الخالدة ووضعنا في مأزق النصف والمنتصف ورحل.


كانت طموحاتي عالية جدًا فيما مضى؛ فيما يختص بالكتابة والتأليف.

كنت أداعب عقلي بالقراءة فالكتابة كما يداعب الإنسان التافه نفسه بتوافه الأمور.

لاحقًا توقفت.. وتوقف معها كل شيء.

واستمريت دون أكتب لفترة طويلة.

أشعر الآن وكأني فقدت لوهلة شيئًا ثمينًا لم استمر عليه.

حتى جاءت الإشارة، العلامة التي دفعتني للعودة إلى الكتابة؛ وهو العمر الذي كنت اعتقده بأنه ليس إلا مجرد رقم، والواقع بأنه فعلًا ليس رقمًا فحسب؛ فكم من بلغ الأربعين لكنه سفيه، وآخر في العشرين وهو في قمة النضج، العمر دلالة على تراكم الخبرات والاستفادة من الدروس القاسية.


هذه الخاطرة كانت في حينها مناسبة جيدة للكتابة مجددًا.. في عقلي كانت المقدمة سلسة والبداية واضحة ولكن وجدت نفسي أكتب عن شيء مختلف تمامًا؛ عن العزلة الفكرية، الخاطرة السابقة.

وجدت نفسي أكتب دون هوادة.

أكتب كما لو أنها آخر مرة.

وفي الواقع.

الكتابة هي حالة من تفريغ المشاعر المكبوتة.

أو ربما حالة وجدانية تجبرنا على التعري وكشف ما هو مخفي ومستور من منظورنا ككتاب.

والممتع في الأمر بأني شعرت بالراحة بعدما انتهيت منها.

وكأن حملًا ثقيلًا على ظهري قد زال أو ربما نشوة قد بلغتها!

وفي كلا الحالتين.. تظل الكتابة أفضل وسيلة للتنفيس أو القذف.