كتبت هذه الخاطرة في الأول من شهر ديسمبر.
هو اليوم الذي يسبق اليوم الوطني الإماراتي.
جرت العادة خلال السنتين الماضيتين بأن أعيش هذه الاحتفالات بروح وطنية، مبتهجة وفرحة.
عدا أن هذه المرة مختلفة تمامًا عن سابقتها من السنين؛ هي السنة النقيضة لجميع مشاعر الابتهاج والوطنية والفرحة.
وقبل أن أسهب بالأسباب بخاطري أن أحكي لك أيها القارئ بأن دعيت لحفل زواج جماعي خصص لعائلة الهاشمي، العائلة العريقة من الدوحة الشريفة، حضر الوفود من الشخصيات المهمة جدًا وعلى رأسهم شيوخ الإمارات حفظهم الله، رأيت من بعيد حفاوة الاستقبال، شاهدت عيون فخورة بقادتها وقيادتها. من بعيد ولأول مرة رأيت الشيخ محمد بن زايد وشبله خالد، حضروا مهنئين مباركين لهذا الزواج ولهذه الأسرة الكريمة، جميع الحضور كانوا لهم نصيب من هذه الفرحة التي عمَّت الأرجاء برؤيتهم ويحق لهم بذلك كمواطنين إماراتيين.
أما بالنسبة لأسبابي فهي حكمة الله التي تأتي دائمًا محملة بالخير والبركة وإن لم استطع مشاهدتها بعد، ومن أسبابها أيضًا رفع مستوى الطموح الذي عزمت الوصول إليه ولم أنله إلى هذه الساعة، حاولت ومازلت أحاول ولا أعلم إن كنت سأصل أم لا؛ و أعني هنا في الموطن الجديد الذي فضّلته على الموطن الذي ولدت فيه.
أحنُّ كثيرًا لذكريات الطفولة، المراهقة التي عشتها في الدمام، ولا أنسى الفترة الذهبية من عملي في الرياض العاصمة، لكن سبحان الله هي أقدار الله وحكمته في كل شيء بأن أتزوج في الإمارات وأرزق منها طفلين، الأول هو نسخة شبيهة مني والثاني يشبه أمي التي أشعر باستياء بسببها بأني لم أكن الابن البار الذي يبرها كما تستحق أن تعيش هي على كفوف الراحة والدلال.. إلى هذه اللحظة، هذه المشاعر خانقة وتضيق كاهلي لأن علاقتي بأمي ليست مجرد علاقة أم وأصغر أبنائها " آخر العنقود " ولكن لأن علاقتنا هي علاقة صداقة بنيت على تضحياتها وصبر عظيم جدًا ومهما حاولت جاهدًا بأن أرد بعض من جميلها لما استطعت، ولكني وكما يقال النية مطية، وفي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات " ومع ذلك أكرر بشكل مستمر بأن محاولاتي والأسباب الدنيوية التي أبذلها هي حسنات أخروية وأما من حيث النتيجة الدنيوية فهي قدر الله يظهرها لي متى ما أرادت حكمته، ومهما تأخرت إلا أنها ستأتي بخير كثير بإذنه سبحانه ولو لم أكن استحقّ هذه النتيجة ولا الوصول لكنها ببركة أمي الصالحة، المباركة والطيبة ودعواتها الصادقة والمستمرة لي ستتحقق ولو بعد حين.
نمط الحياة في الإمارات يمتاز بالجودة العالية خصوصًا من ناحية البنية التحتية، التعليم والصحة إلا أنه من الناحية الوظيفية فهي بجانب كونها بيئة تنافسية جدًا لكن يطغى عليها المحسوبيات والواسطات عوضًا عن الكفاءات؛ وبسبب عدم امتلاكي لجودة العلاقات فحتمًا كان التحدي أصعب وتجربتي الوظيفية لم تكن ناجحة ولذلك شاء الله بأن أُدفع إلى الخوض في التجارة دفعًا ولو لم تكن أقوى خصالي التي تأسست عليها أو مارستها مسبقًا ومع ذلك لازلت أتعلم الكثير.. وها أنذا أمتلك مشروعين اثنين أحدهما يسير بنجاح بفضل الله والآخر للتو في بداياته والطريق حتمًا ليس بالسهل وأسأل الله التوفيق.
خلاصة القول..
مهما ادّعى الإنسان نبوغه وذكاءه، مهاراته، علاقاته ومهما عمل واجتهد إلا إنه في نهاية المطاف يسير وفق أقدار الله وحكمته، لذلك لا يضيق صدرك ولا تبتئس واعمل بقول الشاعر:
إن ضاقت الحال في عيش تكابده
واستفحل الهم وانتابتك أتراح
فافزع إلى الله في ذكر تردده
إن القلوب بذكر الله ترتاح
كم من كروب ظننا الانفراج لها
حتى رأينا جليل الهم ينزاح
فاصبر لربك لا تيأس فرحمته
للخلق ظل وللأيام إصباح
كل باب وإن طالت مغالقه
فإن الصلاة على المصطفى مفتاح