يحدث كثيراً أن تصاب بانتكاسة تفقدك بوصلة حياتك، تبعثر أوراقك، تحطم أهدافك وأنت في محاولات متكررة لاستعادة روح قد بهت ضوؤها.
أنت لست الرجل الحديدي أو الرجال الخارق؛ أنت إنسان نفس وعقل.
طريق العودة يبدأ بالصفاء والاصطفاء في ترتيب يومياتك، في علاقتك مع الله والتوكل عليه واليقين به دون سواه؛ والتوفيق أولاً وآخراً من وإلى الله.
من يخبرك بأنك أنت بذاتك صانع قراراتك فأعلم أنه محتال، دجال لا يفقه من الحياة الشيء الكثير سوى أن يكون عبداً للمال أو على أغلب الظن أنه قد ورث ماله عن أبيه دون أي عناء منه.
لم أعتد على هكذا بوح.
ليس من خوف التأطير ضمن إطار السلبية أبداً لكن من واقع ما الذي سأجنيه جرّاء كتابتي هذه سوى التفكير من زاوية منتكسة، منكسرة يبتهج بها البائسين، المحطمة قلوبهم ولا عزاء لمن وجدوا الحياة ملاذاً، من طال أملهم نحو حياة دنيوية خالصة؛ يقول علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه : أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى وطول الأمل، أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة، ولهذا أدرك السلف رحمهم الله حقيقة طول الأمل بقولهم: من طال أمله ساء عمله.
تلك الزاوية من التفكير مشؤومة، معيوبة وإن تضمنت فيها قصر الأمل والتفكر بالآخرة من حيث عدم وجود الرضا بقضاء الله وقدره شريطة العمل بالأسباب، تخذلك الحياة ولا تتحقق لك النجاحات لحكمة أرادها الله أو ربما بذنب صغير متراكم أو كبير لا يغتفر!
أن تعيش وفق قناعة حتمية بأنك لست إلا عابر سبيل لآخرة دائمة مستدامة هو استثمارك الحقيقي؛ ولا تكذب أبداً ولا مطلقاً بشأن نيّتك في هذه الحياة.
وما بين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " الناس أربعة رجل آتاه الله علماً ومالاً فهو يعمل في ماله بعلمه، فيقول آخر لو آتاني الله مثل ما آتاه عملت مثل عمله فهما في الأجر سواء، ورجل أتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله بجهله، فيقول آخر لو آتاني الله مثل ما آتاه عملت مثل عمله فهما في الوزر سواء " وبين قول الإمام الحداد رضي الله عنه في ذلك : ويشترط لصدق النيّة أن لا يكذّبها العمل؛ فمن يطلب العلم مثلاً ويزعم أن نيّته في تحصيله أن يعمل ويعلّم، فإن لم يفعل ذلك عند التمكّن منه فنيتّه غير صادقة، وكمن يطلب الدنيا ويزعم أنّه إنّما يطلبها لأجل الاستغناء عن الناس، والتصدّق على المحتاجين، وصلة الأقربين فإن لم يفعل ذلك عند القدرة فلا أثر لنيّته؛ يأتي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " نيّة المؤمن خير من عمله " بشرط أن يكون صادقاً، مخلصاً في نيّته ومسعاه.
عبثية هذا السرد تماماً هو مثل عبثية اتّباع الهوى وطول الأمل بين أن تطمح لمنصب وجاه بين الناس وبين أن تستثمر لآخرتك في الدنيا وقلّما تجد من يؤازرك على ذلك من القول الصالح والفعل الصادق لله وحده؛ وإن عشت منتكساً بين الناس لكن راضياً بقضاء الله صرت ممن قال فيهم الحلاج: