الجمعة، 26 أغسطس 2022

مشروع مقاومة

كنتُ في إحدى اللقاءات حاضراً لكن بصمت.
كنتُ قد عزمت على المشاركة لكن أبيت في آخر لحظة.
كان الحديث يتناول عن سبب تفاقم حالات الطلاق.
هذا كان عنوان اللقاء.

بدأ أحد الحضور كلامه بإحصاءات: عدد حالات الطلاق في السعودية لعام 2010 بلغت 9233 حالة بينما في عام 2022 ارتفعت بنسبة 60% وتجاوزت عدد الحالات لتصبح 7 حالات طلاق لكل ساعة! أو مقابل كل 10 حالات زواج 3 حالات طلاق!
هذه الأرقام تبدو مخيفة لمن يرغب بالزواج، مرعبة لمن ينوي أن يستقر ويؤسس أسرة.
وأخذ اللقاء يأخذ مساراً جدلياً ما بين مؤيد ومعارض.
والجميع دون مبالغة، ارتدوا قبعة الحكيم وأخذوا يدلون بدلوهم وكأن الحكمة وحدها تخرج من فيهم.
وباعتقادي الأمر أسهل من هذا كله!
من منطلق الشرع والعقل.

الزواج هو ميثاق غليظ لفردين، وارتباط لأسرتين بالتعبير العام.
وكلا الزوج والزوجة هما حصيلة بيئة متغيرة ومختلفة.
ومدى إيجاد الأرضيات المشتركة بينهما تستند على تراكمات تربوية ونفسية وخبرات حياتية وليس من الحكمة أن يمارس أحدهما سلطة أو قوة بهدف التغيير.
محاولات التغيير تتطلّب وقت.
تحتاج إلى صبر.
إلى فهم الآخر من زاوية مختلفة تماماً عن زاوية تفكيره.
عن الوعي الذي يساعدنا على الصراحة والبوح عمّا في أعماقنا.
عن الوضوح التام دون خجل أو ارتياب.
عن الطمأنينة التي تشعرنا بالراحة عند طلب المساعدة في التغيير إلى الأفضل؛ في محاولة صريحة لتفكيك العقد والمشاكل بالاستماع والاحتواء، في المحاولة الأولى والمحاولات المتكررة بأساليب مختلفة.
التغيير يتم بناء على رغبة داخلية، على حس بالمسؤولية، على حب ناتج بتنازلات منطقية لكن الأهم من هذا كله هو الأساس وهو التربية.

إحدى الحِكم التي نُشرت عن باب العلم عن الحكيم علي بن أبي طالب رضي الله عنه مقولته: "لا تربوا أبناءكم على زمانكم فقد ولدوا لزمان غير زمانكم" فالتربية تخضع لمعيارين اثنين: ثابت ومتغيّر؛ فأما الثابت فهو القيم الأصيلة والأخلاق النبوية، وأما المتغير فهو آلية التفاعل مع مقتضيات العصر والزمان وعبر الممارسات السلوكية والمناهج التربوية ولا يمكن بمطلق الأحوال تربية الأبناء اليوم بنفس تربية الأمس، ولذلك وضع سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام معيار مفاضلة في الاختيار: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" والدين هنا هي المظلة الشاملة للتربية والأخلاق.

في ربع المنجيات من كتاب إحياء علوم الدين يقول حجة الإسلام أبي حامد الغزالي وفي الخبر إن لكل أمة عجلاً وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم. وهذا هو واقع اليوم والمستقبل إذ نعيش أبشع مراحل الرأسمالية وبها تتغير الأنفس والأخلاق والناس متفاوتة ما بين الثراء والفقر؛ ونمط المعيشة بدلاً من أن تستقيم على الفرد الواحد وهو الزوج في حين أن الزوجة تمارس وظيفتها في البيت والتربية تغيّرت الظروف وتوزّعت المسؤوليات على الزوج والزوجة في لقمة العيش ومهام البيت، وبدلاً من أن تكون المهام الخارجية مقتصرة على الزوج والمهام الداخلية على الزوجة أصبح كلاهما مسؤولان عن المهام الداخلية والخارجية ضمن بيئة عمل محترمة، محتوية للموهبة يستطيع فيها الإنسان أن يعمل بنفسية جيدة وبإبداع؛ وكل هذا في سبيل أن تحيا الأسرة حياة كريمة متعففة، وتضمن الحد الأدنى من جودة الحياة للأسرة والأطفال.

اختيار الزيجة ما هي إلا أقدار من الله دون أدنى شك ضمن مفهوم القسمة والنصيب.
ويبقى الاختيار هو فعل نابع من وعي وقرار.
والإنسان بطبيعة الحال: "مخيّر فيما يعلم، مسيّر فيما يجهل" ومن منطلق المفاضلة والتنازلات تستقيم الأولويات شريطة أن تكون مبنية على قناعة وحب وإدراك.
راهنوا دوماً على التربية.
من تعتقدون بأن الآخر هو شريك حياة.
الشريك القادر على تقدير الأولويات وتقديم التضحيات.
لمشروع حياة زوجية سعيدة؛ لمشروع مقاومة ضد الفتن والحرام والإلحاد.
فلا المال يدوم ولا الجمال يبقى.
واطلبوا العون أولاً وآخراً من الله.