الاثنين، 27 نوفمبر 2017

البداهة والسذاجة

لا يختلف اثنان بأننا أمام مرحلة متسارعة الوتيرة في طلب المعلومة وأخذها .. وأصبح المحتوى فيما بعد هو رهان الكاتب من حيث أيّ المحتوى هو الأكثر رغبة للقاريء؟ وأيهما أكثر مردودا ماديا أو اجتماعيا أو الأكثر حظوة؟ وذلك بطبيعة الحال لا يتم إلا من خلال وسائل وتقنيات مدروسة عبر دراسة و فهم السلوك البشري والمجتمع الثقافي ، وأصبحت الكتابة بعيدة كل البعد عن محرك الكتابة الفعلي وهو استحضار الهم والرغبة في التأثير .. عندما نعود سنوات للخلف ندرك حجم الهم وحجم الأفكار المؤثرة تقابلها التحديات والتي قد نتفق أو نختلف معها ولكنها في نهاية المطاف ربما تكون سبب رئيسي لمقتل الكاتب أو وسيلة لتعذيبه كجزء لا يتجزء من شجاعة الكاتب على التضحية بنفسه في سبيل إحياء فكرة عاش ومات من أجلها!

الكتابة من حيث الفعل هي سماوية عن طريق الملائكة وأصبحت فيما بعد أرضية بداية من طريقة التعبير عن طريق الحجر والصخر إلى يومنا هذا ،، مستويات الفكر وتناول الأحداث الفكرية تقل مع مرور الوقت رغم الانفتاح والحرية ويعود ذلك لسبب ثورة التكنيولوجيا الآثمة! لا نستطيع الجزم والحكم عليها بحكم قاطع بكونها آثمة ولكن المتربص والعارف بالأحوال القادمة من خلال قراءة التاريخ أو الخوض في أحاديث علامات الساعة يجدها كذلك، ورد في صياغ الحديث " ظهور القلم " وتأتي بمعنى انتشاره بشكل أوسع من ذي قبل ؛ ولا نكاد نقرأ تلك العلامات حتى نقرأ بالمقابل مهزلة بل مهازل في الكتابة ؛ بداية من الغلاف الساذج وصورة الكاتب الساذجة إلى ضعف وركاكة المحتوى بل وسوء انتقاء المفردات فضلا عن الأخطاء الإملائية. ما يحصل اليوم هو تراكمات سابقة وبذلك يكون مؤشر خطر على منحى مناقض سيحصل في المستقبل.
 
لا أنتمي للسوداوية أو على أقل تقدير أحاول أن أبتعد عنها قدر المستطاع ورغم المحاولات والاجتهادات في تحسين الوضع من خلال المبادرات إلا أن القراءة وحدها لا تكفي مطلقا. يحكي الفيلسوف الوجودي العظيم نيتشه في كتابه الجميل هكذا تكلم زرادشت ويقول غاضبا بل ثائرا على القرّاء " إنني أبغض كل قارئ كسول ، لأنه أناني ، لأن من يقرأ لا يخدم القراءة بشيء " تلك النبرة القوية بتصوري تعيد فينا بالضرورة حس الإنسانية وإعادة توظيف مفهوم الإنسان ليس بفلسفة نيتشه الإنسان الأعلى بل بفلسفة أرقى تتمحور حول خليفة الله في الأرض.

جودة فائدة القراءة لا تتم من خلال المقالات أبدا ، ومن يجد فيها المعلومات التي غالبا مايتشدق بها فهو ساذج بالضرورة. المقالات تتيح لك المعلومات لا وجهات النظر المغايرة أو زوايا الفكر الناتجة من الخبرات الحياتية بمجمل تفاصيلها ؛ رواية أدبية كمذكرات قبو للروائي والفيلسوف الروسي دوستويفسكي مثلا تغنيك عن عشرات بل مئات المقالات عن علم النفس والحديث عن النوازع والدواخل البشرية .. أجد نفسي متعصبا وربما غضوبا تجاه من لا يقرأ الكتب عموما ولكن مع ذلك لا نستطيع التقليل أبدا من فائدة المقالات رغم أن الذي بين يديك الآن ماهي إلا مقالة ولكن أريد بهذا الكلام أن أصف تفوق الكتاب وعقل الكاتب عن الاستعانة بمقالات تتجه إلى منحى بديهي لا يضيف للقارئ النبيه أي زاوية فكر قد ترشدك إلى غايات فلسفية عظيمة أو فكرة مشروع استثماري مربح وبالتالي
 طريقتك لقراءة الكتاب قد تكون إضافة قوية تساهم في تطوير طريقة تفكيرك أو ربما خسارة وقت لاسيما إن كنت باحثا عن معلومة قد تجدها بالمقالات أو مواقع التواصل الإجتماعية.

نهاية السطر: في حقيقة الأمر مايهم هو أن تبدأ القراءة وأنت تحمل في داخلك نيّة ظاهرة ومبطنة لأن تقرأ قراءة شخص متربص وناقد لما بين السطور واحذر دوما أن تتفق مع عقل الكاتب لأن ذلك مايجعلك واعيا ومثقفا لا أن تقرأ لأكبر عدد من مقالات أو معلومات ك "هل تعلم "!

الخميس، 23 نوفمبر 2017

مع المستشار

ضمن لقاء عابر في إحدى المناسبات الشخصية ؛ عرّف بنفسه قائلا: "معك المستشار.."
لم أتردد لحظتها بأن تصدر مني ضحكة عفوية جعلتني في موقف حرج قليلا إلا أنني تداركت الوضع عندما أعدت توازن الكفة بلمس جانبه المفقود وصغت تالي العبارات متجها إلى الحديث عن خبراته الحياتية والعملية وما أبرزها وما أصعبها! 

نميل نحن البشر من حيث السلوك إلى تضخيم فعل الأنا لاسيما عندما نريد أن نعبّر عن نقص و احتياج ما غالبا ، نعتقد أننا بذلك الفعل أننا نمارس التسويق بكثرة الحديث عن أنفسنا أو باستعارة ألقاب بالكيفية التي يجب أن تكون وغالب الظن بأن الفئة المستهدفة هم السذج ، وحدهم من تنطلي عليهم تلك الحيل الساذجة عندما يغتر أحدهم بتلك المسميات الضخمة والكبيرة.
لا نستطيع أن نحكم حكما قاطعا بالقبول أو الرفض لذلك اللقب إلا بعد أن نرى ممارسات النجاح الشخصية وسبل التمكين للآخرين طاغية عوضا عن التشدّق بلقب المستشار ، وحقيقة الأمر بأن كثرة المتداولين للقب أفقدته روحه الحية ..

لا يقاس النجاح بعدد سنين الخبرة وإنما بحجم التجارب والتحديات التي اجتيزت بنجاح فشتان مابين خبرة سنة مكررة عشر سنوات أو عشر سنوات بتجارب مختلفة ومتنوعة.

التداول بمسميات مثل خبير أو مستشار أو أيّ مسمى يستدعي الأنا المتضخمة لا تجعل منك شخصا أكثر تميزا في حين أني لا أكاد أجد أحد الملهمين من الكتّاب أو الناجحين جدا بتخصصات معينّة وقد أطلق على نفسه تلك الألقاب ؛ الناس تتداول تلك بالنيابة عنك.
ربما أتوجس كثيرا عند سماع تلك الألقاب ولكن الواقع الحالي هو من أرغمني على ذلك التوجس بمظهر مبتذل وسلوكيات أكثر تصنعا وتكلفا ؛ مدربي لغة التنمية البشرية وما أكثرهم ، الممارسات السفسطائية من خلال الدورات الساذجة والتي لا تقدم محتوى إضافي وإنما اقتباسات وتكرار لما قيل مسبقا والمقدمة من قبل الخبراء مع الاستعانة بفنون التسويق لتحقيق ربح إضافي ولاسيما إن كانت الشهادة حاضرة ، انتشار الكتّاب مع صور استعراضية في غلاف الكتاب ليكون المنظر أقرب إلى لوحة فنيّة من عمل مبدع ؛ المسميات لا تسمن ولا تغني من جوع.


والحق يقال بأني أجد نفسي غير منصفا عندما استخدم لغة التعميم و أضيق الخناق على المتحدثين البارعين الذين لهم الفضل في العديد من الإسهامات الفكرية والمتنوعة بمختلف التخصصات والذين بطبيعة الحال لم يجدوا الكتابة ملاذا آمنا أو طبيعة حيوية تناسب تطلعاتهم ورؤاهم كما أفعل الآن!

على نفس السياق وفي حين أن الجدل مازال مستمرا عند المتخصصين بل والمتعصبين بمجال التسويق وتكوين العلامة التجارية في توضيح الفرق بين مسمى (Personal Branding) و (Self Marketing) من حيث أيّ العبارتين هي أجدر بأن توصف كفعل ممنهج يجعل من الشخص ذا قيمة مميزة؟ وهذا يقودنا إلى الخوض في الدهاليز وسبر الأغوار علّنا بذلك ننهي أزمة مفتعلة تطرأ عند أبسط الفعاليات المشتركة بينهم، ولكنهم في نهاية المطاف أجمعوا بأن ذلك لا يتأتى إلا من خلال التفرّد بالمحتوى أو إضافة وجهة نظر مغايرة عن الآخرين تجعلك متفردا عن أقرانك والأهم من ذلك كله أن التفرّد والتميّز لا يكون أبدا بتسمية نفسك "المستشار".


 نهاية السطر ..
سيدي/سيدتي : كثرة الحديث عن الذات وعن الإنجازات لا تجعلك أبدا في القمة ، لم يسلك شخص جعل النجاح له مسلكا إلا وكانت عادة الاستماع والاستمتاع أكثر من الكلام.