الخميس، 23 نوفمبر 2017

مع المستشار

ضمن لقاء عابر في إحدى المناسبات الشخصية ؛ عرّف بنفسه قائلا: "معك المستشار.."
لم أتردد لحظتها بأن تصدر مني ضحكة عفوية جعلتني في موقف حرج قليلا إلا أنني تداركت الوضع عندما أعدت توازن الكفة بلمس جانبه المفقود وصغت تالي العبارات متجها إلى الحديث عن خبراته الحياتية والعملية وما أبرزها وما أصعبها! 

نميل نحن البشر من حيث السلوك إلى تضخيم فعل الأنا لاسيما عندما نريد أن نعبّر عن نقص و احتياج ما غالبا ، نعتقد أننا بذلك الفعل أننا نمارس التسويق بكثرة الحديث عن أنفسنا أو باستعارة ألقاب بالكيفية التي يجب أن تكون وغالب الظن بأن الفئة المستهدفة هم السذج ، وحدهم من تنطلي عليهم تلك الحيل الساذجة عندما يغتر أحدهم بتلك المسميات الضخمة والكبيرة.
لا نستطيع أن نحكم حكما قاطعا بالقبول أو الرفض لذلك اللقب إلا بعد أن نرى ممارسات النجاح الشخصية وسبل التمكين للآخرين طاغية عوضا عن التشدّق بلقب المستشار ، وحقيقة الأمر بأن كثرة المتداولين للقب أفقدته روحه الحية ..

لا يقاس النجاح بعدد سنين الخبرة وإنما بحجم التجارب والتحديات التي اجتيزت بنجاح فشتان مابين خبرة سنة مكررة عشر سنوات أو عشر سنوات بتجارب مختلفة ومتنوعة.

التداول بمسميات مثل خبير أو مستشار أو أيّ مسمى يستدعي الأنا المتضخمة لا تجعل منك شخصا أكثر تميزا في حين أني لا أكاد أجد أحد الملهمين من الكتّاب أو الناجحين جدا بتخصصات معينّة وقد أطلق على نفسه تلك الألقاب ؛ الناس تتداول تلك بالنيابة عنك.
ربما أتوجس كثيرا عند سماع تلك الألقاب ولكن الواقع الحالي هو من أرغمني على ذلك التوجس بمظهر مبتذل وسلوكيات أكثر تصنعا وتكلفا ؛ مدربي لغة التنمية البشرية وما أكثرهم ، الممارسات السفسطائية من خلال الدورات الساذجة والتي لا تقدم محتوى إضافي وإنما اقتباسات وتكرار لما قيل مسبقا والمقدمة من قبل الخبراء مع الاستعانة بفنون التسويق لتحقيق ربح إضافي ولاسيما إن كانت الشهادة حاضرة ، انتشار الكتّاب مع صور استعراضية في غلاف الكتاب ليكون المنظر أقرب إلى لوحة فنيّة من عمل مبدع ؛ المسميات لا تسمن ولا تغني من جوع.


والحق يقال بأني أجد نفسي غير منصفا عندما استخدم لغة التعميم و أضيق الخناق على المتحدثين البارعين الذين لهم الفضل في العديد من الإسهامات الفكرية والمتنوعة بمختلف التخصصات والذين بطبيعة الحال لم يجدوا الكتابة ملاذا آمنا أو طبيعة حيوية تناسب تطلعاتهم ورؤاهم كما أفعل الآن!

على نفس السياق وفي حين أن الجدل مازال مستمرا عند المتخصصين بل والمتعصبين بمجال التسويق وتكوين العلامة التجارية في توضيح الفرق بين مسمى (Personal Branding) و (Self Marketing) من حيث أيّ العبارتين هي أجدر بأن توصف كفعل ممنهج يجعل من الشخص ذا قيمة مميزة؟ وهذا يقودنا إلى الخوض في الدهاليز وسبر الأغوار علّنا بذلك ننهي أزمة مفتعلة تطرأ عند أبسط الفعاليات المشتركة بينهم، ولكنهم في نهاية المطاف أجمعوا بأن ذلك لا يتأتى إلا من خلال التفرّد بالمحتوى أو إضافة وجهة نظر مغايرة عن الآخرين تجعلك متفردا عن أقرانك والأهم من ذلك كله أن التفرّد والتميّز لا يكون أبدا بتسمية نفسك "المستشار".


 نهاية السطر ..
سيدي/سيدتي : كثرة الحديث عن الذات وعن الإنجازات لا تجعلك أبدا في القمة ، لم يسلك شخص جعل النجاح له مسلكا إلا وكانت عادة الاستماع والاستمتاع أكثر من الكلام. 

ليست هناك تعليقات: