السبت، 25 يناير 2020

حيث أجد نفسي

الكتابة هي وسيلة فعالة للتخلي عن الهموم والأوهام العالقة في الشق الأيسر من الدماغ.
أسلوب مغري للتخلص من العوائق والمنغصات.
توظيف المفردات بشكلها الجيد وكتابة حبكة جيدة تتطلب عبقرية ملازمة من الكاتب.
المحصلة النهائية هي ثمرة يجدها في حياته أو مماته أو الاثنين معا.

فان غوخ الرسام استطاع أن يرسم مئات الرسمات وأحصيت عددها ما يقارب 900 رسمة والتي عكست أعماق فلسفته السوداوية ولم يستطع في وجوده أن يبع منها إلا واحدة!
عدا ذلك انتشرت في متاحف عدة وبيعت في مزادات مختلفة دون أن يتوج بشيء ما .. لم يحتفى فان غوخ إلا بعد وفاته.
هذا الخذلان لم يسقطه طريحا في الفراش أو أن تتضخم لديه الأفكار المأساوية لفشله والتساؤل المطروح : لماذا لم تنشر أعمالي؟
لم يجد الجواب بطبيعة الحال وأرسل رسالة إلى أخيه يقول فيها :
وداعا يا ثيو .. سأغادر نحو الربيع.
انتحر فان غوخ.

الكاتب في كتاباته والرسام في رسوماته والفنان في فنونه بقدر مايستمتع بأدائه إلا أن النفس البشرية في الجهة الأخرى تحتاج إلى هذا النوع من التحفيز والتشجيع، انعدام ذلك يولد خيبة أمل حتمية قد لا يستشعرها في لحظتها ولكنها سلسلة من التراكمات والتساؤلات المطروحة حيث لا إجابة.
الإحباط الفعلي لا يكمن فقط في عدم تقدير العمل وإنما من انتشار أعمال أخرى ساذجة تصف بالدونية ولكنها تنتشر وتتداول من جمهور سذج وعقلية أكثر سذاجة من العمل الساذج.


أستطيع الآن أن أكتب كما أشاء واصفا كتاباتي بأنها جيدة نسبيا ولا ترتقي إلى كتابات تولويستوي أو إحسان عبدالقدوس أو أي عبقري آخر، وعلى الرغم من ذلك تنتابني حالة الرضاء الشكلي من تقييمي لنفسي دون أن أعود إلى أحد، ويأتي التساؤل الأهم : هل يستطيع المبدع أن يقيّم نفسه؟!
ربما الأمر لا يتعلق بجودة الكتابة بقدر مايتعلق بكيفية تسويق الكاتب لنفسه، بمعنى آخر ماهي الوسائل المتاحة لنشر الكتابات إلى أكبر عدد من القراء ونيل المديح المصطنع والمجاملات الكذّابة لكتابة ما.

المضحك فعلا هو بأنني مختص لهذا النوع من التسويق الرقمي إلا أنني لا أحبّذ اتّباع هذا النهج الرخيص وإن كانت نتيجته إيجابية دون أدنى شك.

إلى الزائر الجديد المتعطش لروح النص وقدسية الأثر والمؤمن بفلسفة الخلود لما بعد الموت إليك هذه الخاطرة.
وأما المخلصين من الزوار أولائك الذين لا يتجاوزوا أصابع اليد الواحدة .. كنتم سعادتي المطلقة؛ أحبكم كثيرا.

الثلاثاء، 21 يناير 2020

ليلة مختلفة

كانت ليلة غير اعتيادية لسكان الأرض أجمع.
اتفقت البشرية وقتها أن تعلن الهدنة للخلافات الشائكة والحروب الأهلية والنزاعات السياسية والتدخلات العسكرية وكل حدث يعكر صفو تلك الليلة وهذا مختص بالجماعات أي- الحكومات، وفيما يختص بالأفراد فلا ينبغي في ليلتها أن تثار فتنة محتملة أو نشوب اختلاف عقيم لا يفضي إلى شيء.
ليلة يفرق فيها كل فعل حكيم، وكان فعلي محبطا.

كانت الساعة تشارف على انتصاب عقارب الساعة إلى الثانية عشر تماما، معلنة بقدوم رأس سنة ميلادية جديدة حيث الجميع على أفضل حال.
الناس فيها على ثلاثة أصناف : مابين مهنئ أو مستقبل تهنئة أو لا يعنيه الأمر مطلقا ويلعن في سره كل مباهج الحياة وهذا ديدني مع عيد الكفار!

استقبلت رسالة خطية بداخل ظرف محكم وله رائحة مميزة أقرب إلى بودرة الأطفال وقد كتبت بخط متعرج :
"أشعر بغربة موحشة، بوطن ضائع كنت قد استوطنته. لم أفهمك جيدا، أعتذر لك عن كل شيء.. سامحني كما تفعل دوما. أشتاق إليك كثيرا وأعدك بأني سأكون كما تريد أن أكون.. أنا ملكك فلتعاقبني كيفما أردت"
لم يكن الأمر يستدعي نباهة عالية حتى أعرف مرسلها ليس من محتواها وإنما من رائحة الأطفال.
كان ردي بسيطا جدا وكأن الكلمات قد فقدت طريقها إليك : انتهى كل شيء يا نونتي!

لم تنتهي الحكاية هنا..
لا تعلمين ما أصابني بعد تلك الليلة وتلك الرسالة.
فقدت بوصلة الحياة منذ أن بعدت عنك.
أصبت بإعياء شديد حينها طرحتني في الفراش كجثة هامدة.
شعرت بالتبلد، كل شيء يدعو للبؤس.
وددت أن أكتب لك عن لوعة اشتياقي لك، لهفة الذكريات والحنين إلى تفاصيلنا الساذجة التي لا تنتهي.
هل تذكرين ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه إلى إحدى الفنادق الراقية لتناول طعام العشاء؟
صادفنا عرسا جماعيا مبهرا والكل كانوا فيه سعداء بما فيهم نحن.
رقصنا فيه حد الثمالة.. رقصنا على أنغام thinking out loud
لم نكن ننتمي إلى فئة الحضور وإنما جرى الاحتفاء بنا من ضمن الأزواج.

مازلت أذكر أول قبلة خاطفة زرعتها على خدك عندما تصادفنا في إحدى المجمعات التجارية المكتظة بالمراهقين والعشاق!
كنت متوجسة مني لسبب لا أعلمه، من أن نجتمع بمعزل عن الآخرين وجرى اختيارك حيث يوجد الازدحام ونلت مبتغاي!

ليلة ليست كسائر الليالي.. ليلة رأس سنة ميلادية موجعة.