كانت ليلة غير اعتيادية لسكان الأرض أجمع.
اتفقت البشرية وقتها أن تعلن الهدنة للخلافات الشائكة والحروب الأهلية والنزاعات السياسية والتدخلات العسكرية وكل حدث يعكر صفو تلك الليلة وهذا مختص بالجماعات أي- الحكومات، وفيما يختص بالأفراد فلا ينبغي في ليلتها أن تثار فتنة محتملة أو نشوب اختلاف عقيم لا يفضي إلى شيء.
ليلة يفرق فيها كل فعل حكيم، وكان فعلي محبطا.
كانت الساعة تشارف على انتصاب عقارب الساعة إلى الثانية عشر تماما، معلنة بقدوم رأس سنة ميلادية جديدة حيث الجميع على أفضل حال.
الناس فيها على ثلاثة أصناف : مابين مهنئ أو مستقبل تهنئة أو لا يعنيه الأمر مطلقا ويلعن في سره كل مباهج الحياة وهذا ديدني مع عيد الكفار!
استقبلت رسالة خطية بداخل ظرف محكم وله رائحة مميزة أقرب إلى بودرة الأطفال وقد كتبت بخط متعرج :
"أشعر بغربة موحشة، بوطن ضائع كنت قد استوطنته. لم أفهمك جيدا، أعتذر لك عن كل شيء.. سامحني كما تفعل دوما. أشتاق إليك كثيرا وأعدك بأني سأكون كما تريد أن أكون.. أنا ملكك فلتعاقبني كيفما أردت"
لم يكن الأمر يستدعي نباهة عالية حتى أعرف مرسلها ليس من محتواها وإنما من رائحة الأطفال.
كان ردي بسيطا جدا وكأن الكلمات قد فقدت طريقها إليك : انتهى كل شيء يا نونتي!
لم تنتهي الحكاية هنا..
لا تعلمين ما أصابني بعد تلك الليلة وتلك الرسالة.
فقدت بوصلة الحياة منذ أن بعدت عنك.
أصبت بإعياء شديد حينها طرحتني في الفراش كجثة هامدة.
شعرت بالتبلد، كل شيء يدعو للبؤس.
وددت أن أكتب لك عن لوعة اشتياقي لك، لهفة الذكريات والحنين إلى تفاصيلنا الساذجة التي لا تنتهي.
هل تذكرين ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه إلى إحدى الفنادق الراقية لتناول طعام العشاء؟
صادفنا عرسا جماعيا مبهرا والكل كانوا فيه سعداء بما فيهم نحن.
رقصنا فيه حد الثمالة.. رقصنا على أنغام thinking out loud
لم نكن ننتمي إلى فئة الحضور وإنما جرى الاحتفاء بنا من ضمن الأزواج.
مازلت أذكر أول قبلة خاطفة زرعتها على خدك عندما تصادفنا في إحدى المجمعات التجارية المكتظة بالمراهقين والعشاق!
كنت متوجسة مني لسبب لا أعلمه، من أن نجتمع بمعزل عن الآخرين وجرى اختيارك حيث يوجد الازدحام ونلت مبتغاي!
ليلة ليست كسائر الليالي.. ليلة رأس سنة ميلادية موجعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق