السبت، 22 يناير 2022

الكتابة الحرة

 تشير الساعة إلى التاسعة والنصف تماماً.
استيقظ في الصباح الباكر.
كعادتي اليومية.
إلا أن الفارق شيئان أحدهما استيقاظي بدون منبه، والآخر أنه يوم السبت.
أعود إلى النوم في محاولة جادة لكسر الروتين، في محاولة استعادة طاقة مهدرة خلال الأسبوع.
لكن الحقيقة أعود إلى النوم حتى لا أفكر بشكل مفرط.
مؤخراً؛ أصبحت أفكر بطريقة مزعجة، بأسلوب مؤذي لعقلي وجسدي دون أن أجد ما يطفىئ شعلة النشاط بل العذاب التي اجتاحتني فجأة واقتحمت أفكاري بغتة ولا أفعل معها شيء. 

بعض تلك الأفكار تستوطن العقل ولا تلبث أن ترحل أبداً؛ هاجس من المخاوف، من التساؤلات المربكة للمستقبل، وبعضها مثل هبوب الرياح الباردة في فصل الشتاء تمر مرور الكرام ولكنها تعصف بك وأحياناً تترك أثراً ثم ترحل.

وجدت فكرة الكتابة؛ فكرة جيدة قابلة لأن افعلها بشكل متكرر.
البوح عن المشاعر دون فائدة.
التفرغ من الأفكار دون نتيجة.
أن ابدأ بجملة ولا اعلم إلى أين النهاية.
بالمناسبة. هذا أسلوب فريد في الكتابة يتبعه عظماء الأدب والرواية.
يعرف هذا الأسلوب " بالكتابة الحرة "

و
هي تقنية من التقنيات المستخدمة للتغلّب على النقد الذاتي، دون مراعاة للإملاء وقواعد النحو؛ المهم أن تكتب، من المهم أن تعبّر عن داخلك بكل أريحية سيما أنك لا تحتاج إلى أحد يسمعك.

الكتابة تأخذ أسلوباً علاجياً للنفس المكبوتة، المتعبة والمرهقة.
طريقة تداوي للتفريغ عن المواقف الساذجة أو حتى للموضوعات الفلسفية والنخبوية.
يكفي أن تأخذ مسار واحد للكتابة؛ وهو أن تكتب لنفسك ودون أن تراعي مفرداتك أو أخطاءك اللغوية والنحوية.
بهذه الطريقة أن تعبّر عن مكنوناتك الداخلية بمختلف الحالات من استياء وامتعاض وكذلك في تحسين لغتك العربية عبر فعل الممارسة والكتابة.

ومن منطلق التعبير والشكوى؛ اقتبس تلك الأبيات للشاعر كريم العراقي يقول فيه:
لا تشكُ للناس جرحًا أنت صاحبه
لا يؤلم الجرح إلا من به ألم
شكواك للناس يا ابن الناس منقصة
ومن من الناس صاح ما به سقم
فالهم كالسيل والأحزان زاخرة
حمر الدلائل مهما أهلها كتموا
فإن شكوت لمن طاب الزمان له
عيناك تغلى ومن تشكو له صنم
وإذا شكوت لمن شكواك تسعده
أضفت جرحًا لجرحك اسمه الندم
 

الأربعاء، 19 يناير 2022

الكسل الذهني

 حدث لي مؤخراً موقفاً استدعى مني التفكير للأمر من زاوية مغايرة.
من سلبية محبطة إلى محايدة بطريقة تستدعي التفهم.
الموقف باختصار: حالة التبلد التي تصيب البعض جرّاء عمل مكثّف تجعله يعقّد مختلف المسائل حتى لا يكون هو في الصورة أو أن يعمل لأجلها من باب المساعدة أو المسؤولية.
أو ربما هو كسل ذهني يجعله يأخذ الخيارات الأسهل لينأى نفسه عن المسؤولية.

بمعنى أبسط وأسهل.
أحياناً تطلب من أحدهم مساعدة في أمر ما.
هذا الأمر وهذه المساعدة بطبيعة الحال هو قادر على فعلها وضمن استطاعته ولكنه بدلاً من فعلها في الحال أو أن يقوم بتفويضها لشخص آخر؛ تجده يخبرك بخيارات صعبة، خيارات فيها من التبلد الشيء الكثير حتى لا يقوم بها.
مثال على ذلك:
سألت صديق لديه خبرة في كتابة المحتوى عن مهمة قد أوكلت إليه ولا يستطيع هو فعلها. قلت له: لدي وصف منتجات ولا أستطيع كتابتها أو وصفها بشكل جيد.
الآن الخيارات المتاحة هي كالتالي:
- إن كانت المهمة بسيطة وسلسة ولا تطلب وقت كثير فيمكنك فعلها لأجله.
- أو إرشاده إلى بعض المواقع المتخصصة في تعليم وصف المنتجات؛ وبهذا أنت اختصرت عليه عناء البحث.
- والخيار الأخير هو تفويضه لشخص آخر بمقابل مادي بسيط.
لكن الذي لا ينوي المساعدة سيجعل من الحبة قبة.
سيطيل الحديث دون فائدة مرجوة والمشكلة إذا كان يعتقد بأن معلوماته مهمة؛ بالتالي سينظّر عليك ويسرد قصص وتفاصيل بديهية ومضيعة للوقت مثل: هناك فرق بين وصف المنتجات، المنتجات الطبية تختلف عن المنتجات الغذائية.
المنتجات الطبية يجب أن تراعي فيها التفاصيل الطبية بدقة مع معايير وزارة الصحة بينما المنتجات الغذائية تراعي فيها القيم الغذائية والسعرات الحرارية.
وسلسلة طويلة من المعلومات ربما لا أعيها بحكم التخصص ولكنها أيضاً غير مفيدة
والقصد من هذا بأني أنا كغير متخصص لا يهمني تلك التفاصيل المهمة و الهامشية، أرغب بإنجاز المهمة بأسرع وأسهل طريقة وشكراً لك.
ساعدني لذلك أو اعتذر بلطف.
تجده أيضاً يستعين بكلمات مثل: يفضل، ممكن، احتمال وارد والخيارات لا تنتهي من الاحتمالات!
يبتعد عن الكلمات المباشرة والتي تستلزم اتخاذ قرار مباشر؛ افعل ذلك على ضمانتي لأني مجرب.

هذه الطريقة في التعامل بغض النظر عن سببها؛ مجهد بالعمل أو لديه صفة التكاسل يعتبر تعامل بجودة منخفضة؛ لأنه يبحث عن أبسط الحلول للخروج من المأزق الذي هو فيه بأقل الخسائر، لا يستطيع أن يقول لا بصرامة أو أن يجيبك بوضوح تام.

ما الذي جعلني أفكر بهذا الأمر أو أن أكتب مثل هذه الكتابة!
أنها أصبحت رائجة في الآونة الأخيرة.
يتخذ هذا المخرج الساذج حتى يحبطك عن طلب مساعدته.
فإن قابلت مثل هؤلاء؛ فالزم الصبر وحاول أن تستغني عن سؤالهم وطلب مشورتهم؛ لأنه يستنزف وقتك في الحديث ولا تخرج منه بفائدة وللأسف.


بوح شخصي

اشعر باختناق مؤلم.
الرياض تخنقني.
عبّرت عن هذا الاختناق وهذا الشعور بوضوح لكن دون معين.
دون أن يعي ودون أن يدرك أحد هذا الوجع الرهيب.
أدركت لاحقاً بأن الإنسان حرّ نفسه؛ 
بقراراته واختياراته.

الكل يعتقد بأنه يرغب الأفضل لك.
ينصحك، يرشدك لكن لا أحد ينبغي أن يملي عليك ما يجب فعله ولو من باب النصيحة.
حيث المعطيات مختلفة، والظروف ليست واحدة.
يكفي أن تسمع لها وتستمع إليها فحسب.
وافعل ما شئت حيث أنت لوحدك في هذه الحياة الدنيا والآخرة.

راودتني نفسي على إيذاء نفسي تارة.
وراودتني للرحيل والارتحال تارة أخرى.
أفكاري كثيرة وطموحاتي لا تنتهي.
وأنا حيث أقبع هنا لا أكاد أجد لها حيّزاً للاحتواء.
فقررت التريّث علّي أكافئ على هذا الصبر.
نعم الوقت يمضي، والعمر كذلك.

والاستعجال في هكذا قرارات ناجم عن عدم بصيرة بل حماقة.
وأكثر ما يزعجني في هذه الفترة؛ هو الصبر دون خارطة طريق واضحة.
يكفي أن نصبر ونصطبر ونتصابر ونستشعر جميع معاني الصبر.
ستكون النهاية سعيدة بإذن الله.
ستكون الخاتمة استثنائية بإرادة الله.
تفاءل فحسب.


وفي ختام القول أقول..
نحن نتاج أفعالنا.
نحن نتيجة ممارسات وجهود متراكمة لا يعلم بها أحد.
لنبذل الأسباب الحسية والمعنوية؛ الدعاء وقرع الأبواب.
لا تعوّل على أحدٍ من البشر مطلقاً؛ لا تثق بهم أبداً.
فلتثق بالله فهو خير سند وخير معين.

فراشة الأدب ومأزق الحب

 من عجائب النفس البشرية هي تلك حكاية الحب التي سطّرتها مي زيادة.
مي الفاتنة والجميلة.
مي المثقفة والمتمردة.
مي فراشة الحب والأدب.


بصالونها المعتاد الذي جمع النخب من العقول كل يوم ثلاثاء.
حيث تبنّت الفكرة النسوية؛ وناضلت لأجلها.
أحبّها العقاد والرافعي، وكتبوا إليها ما تختلج به مشاعرهم.
وشوقي وصبري شعروا لها الأشعار على النوع الآخر من الأدب.
وبدل أن تبادلهم المحبة، أن تشاطرهم أحاسيسهم المرهفة.
أحبّت شخصاً آخر.
لم تلتقي به مطلقاً.
سوى بالرسائل والنصوص.
كيف يعقل أن تقع هذه الذكية في هذا المأزق من الحب غير المحسوس،
غير الملموس سوى بالجمل والحروف!
غريب هو أمر هذا الحب.


بدأت الحكاية برسالة محاباة كانت قد كتبتها لجبران إثر قصيدة قد نشرها في الصحيفة.
رسالة تلو رسالة، ومشاعر متراكمة.
حتى تجاوزت الثلاثين من العمر؛ تجرأت على أن تبوح بمشاعرها الدفينة.
برسالة تقول فيها:
" ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب. أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير. الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري.
الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كنت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولا اختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى حتى الكتابة ألوم نفسي عليها، لأني بها حرة كل هذه الحرية.. أتذكر قول القدماء من الشرقيين: إن خير للبنت أن لا تقرأ ولا تكتب "

ثم يرد عليها ضمن رسائله:
" أنت تعلمين أن القلب البشري لا يخضع إلى نواميس القياسات والمسافات، وأنّ أعمق وأقوى عاطفة في القلب البشري تلك التي نستسلم إليها، ونجد في الاستسلام لذة وراحة وطمأنينة مع أننا مهما حاولنا لا نستطيع تفسيرها أو تحليلها، يكفي أنها عاطفة عميقة قوية قدسية
؛ لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة.
أنا أعلم أنّ القليل في الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير، نحن نريد كل شيء، نحن نريد الكمال "


وقعت حينها بالحب؛ وقعت في حقيقة الأمر بالأسر!
تعلّقت به كثيراً دون أن تنفك عنه إلا أن تلك العلاقة أصابها نوع من الخلل لحين إصابة جبران بالمرض.
الأمر الذي جعلها تقف بجانبه ولم تتركه في محنته بل أحاطته بمزيد من عواطف الحب تارة وحنان الأمومة تارة أخرى!

أهملت المحبوبين جميعهم الشعراء والمفكرين إلا جبران.
انتكست عندما علمت بموت محبوبها البعيد،
وتجرعت محن ومصائب من القريب والبعيد.
حتى أنها أرسلت رسالة لابن عمها في لبنان تقول له:
"منذ مدة طويلة لم أعد اكتب. وكلما حاولت ذلك شعرت بشيء غريب يجمّد يدي ووثبة الفكر لدي، إني أتعذب شديد العذاب يا جوزيف ولا أدري السبب، فأنا أكثر من مريضة، وينبغي خلق تعبير جديد لتفسير ما أحسّه فيّ وحولي. إني لم أتألم في حياتي كما أتألم اليوم، ولم أقرأ في كتاب من الكتب أن في طاقة بشري أن يتحمل ما أتحمله. وددت لو علمت السبب على الأقل. ولكنني لم أسأل أحداً إلا وكان جوابه: لا شيء إنه وهم تمكّن مني..."

وما كانت تلك الرسائل إلا ميثاق حب عذري بين كاتبين سطّرا أعجوبة الحب دون أن يحدث لقاء أو اجتماع بينهم يتيم أو وحيد.