الجو مفعم بالسلبية المطلقة. الأنفس المأخوذة في الحيز الضيق لا يكاد يخلو من طمأنينة.
ذكريات بائسة تنتقل في الأرجاء بخط مستقيم بسلسة متواصلة من الأحداث واللحظات التي لا تتوقف. كشخص حان موعد احتضاره ويشاهد جميع سوابقه دون معية باختيار الأنسب له في ذلك الموقف. مسيّر في مشاهدة ما لايريد.
أخذت لطيفة تستعيد عافيتها بعد برهة من الزمن. لمحت فجأة خيط تستطيع من خلاله تدارك اللحظة السيئة عندما اجتمعت مع زوجها السابق في نفس المصعد الكهربائي. كلاهما في نفس الحيّز المكتوم ولكن بشكل مأساوي. حاولت أن تنشغل بما في يديها من هاتف متجنبة أي حديث محتمل من قبله. نظرات الخيبة بادية في عينيه الواسعتين من خلف زجاج النظارة.
استشعر مدى الألم الذي سببته لك فيما سبق.
كنت ملائكية نقية صافية وخالية من العيوب في حين كنت أنا النقيض. متشبع بكل المساوئ والعيوب، لم يزدني سوءا إلا حينما حاولت أن أغضبك بكل وسيلة أعرفها حتى استدرجك لدائرتي المظلمة، لفعلي الأسود ولكنك كنت عكس ذلك متفهمة وحريصة على احتوائي.
لم أعد أستمع لفيروز صباحات كل يوم سبت أو أتلذذ بطبق الأومليت كما تعدينه يومي الأحد والأربعاء. أيضا تركت الممشى الذي اعتدنا عليه لممارسة الرياضة لباقي الأيام.
أفتقد الدعابات الساذجة التي تلقينها حين أكون معكر الصفو والمزاج. من ذكر تفاصيلك التي لا تنتهي رغم عدم أهميتها البتة إلا أنها تحاصرني بك دوما.
كان جوابك الصمت وكأنك تعاقبينني به.
لم أكن بحال جيدة منذ أن تركتك.
كنت طائشا وكافرا بالنعمة.
أغوتني حصافتي حينها في بديل غيرك، بأنثى تشبهني في الطباع. ظننت بأننا لن نفترق وتركتها أنا فيما بعد طوعا وإرداة مني. حاولت أن أجد المبرر لذلك ولم أستطع إلا بأنها لا تشبهك.
معك الحق فيما سوف تقولينه عني وإن أردتي شتمي فلا بأس، وإن وصل الحال إلى الضرب فسوف أتفهم ذلك جيدا.
هكذا فسرت ماتقوله عينيه.
أجبرت بغير إرادتها على تفحص ملامحه. مدفوعة لاكتشاف حاله الحالي.
حاولت أن لا تلتقي الأعين أبدا متجنبة لأي حوار يمكن أن يصادف.
وسيما بشكله المعتاد.
ازدادت نحافة على ما أظن، زاده هزلا وضعفا.
لا زال يفضل القميص الصيني ذو الخاوي الياقة عن القميص الرسمي.
مازال عطره عالقا في أنفي كما لو أني تركته البارحة. يؤمن بأن الرجل لا ينبغي أن يغير عطره على الدوام؛ هويته الخاصة.
لم يخف عنه بطبيعة الحال بأنها كانت مجرد نظرة فاحصة.
نظرة بسيطة وعفوية.
مازلت جميلة كما أنت.
فاتنة كما عهدتك.
لذيذة في نظراتك.
بريئة في تصرفاتك.
قالها مسترسلا وعلى عجالة. خاف أن يفقدها.
ألا تجد مستقرها، أن تفهم بغير صياغها المناسب.
وجدت الأعين ملاذها بعد سبع سنوات فراق.
حينها لم تنبس الشفاه، لم تنطق الحروف.
وحدها لغة العين تتكلم وتعبر وتفصح بضراوة ببسالة عن كل حالات الفقد والوجع والألم والقهر.