الأحد، 10 فبراير 2019

المصعد

الجو مفعم بالسلبية المطلقة. الأنفس المأخوذة في الحيز الضيق لا يكاد يخلو من طمأنينة.

ذكريات بائسة تنتقل في الأرجاء بخط مستقيم بسلسة متواصلة من الأحداث واللحظات التي لا تتوقف. كشخص حان موعد احتضاره ويشاهد جميع سوابقه دون معية باختيار الأنسب له في ذلك الموقف. مسيّر في مشاهدة ما لايريد.

أخذت لطيفة تستعيد عافيتها بعد برهة من الزمن. لمحت فجأة خيط تستطيع من خلاله تدارك اللحظة السيئة عندما اجتمعت مع زوجها السابق في نفس المصعد الكهربائي. كلاهما في نفس الحيّز المكتوم ولكن بشكل مأساوي. حاولت أن تنشغل بما في يديها من هاتف متجنبة أي حديث محتمل من قبله. نظرات الخيبة بادية في عينيه الواسعتين من خلف زجاج النظارة.

استشعر مدى الألم الذي سببته لك فيما سبق.
كنت ملائكية نقية صافية وخالية من العيوب في حين كنت أنا النقيض. متشبع بكل المساوئ والعيوب، لم يزدني سوءا إلا حينما حاولت أن أغضبك بكل وسيلة أعرفها حتى استدرجك لدائرتي المظلمة، لفعلي الأسود ولكنك كنت عكس ذلك متفهمة وحريصة على احتوائي.

لم أعد أستمع لفيروز صباحات كل يوم سبت أو أتلذذ بطبق الأومليت كما تعدينه يومي الأحد والأربعاء. أيضا تركت الممشى الذي اعتدنا عليه لممارسة الرياضة لباقي الأيام.
أفتقد الدعابات الساذجة التي تلقينها حين أكون معكر الصفو والمزاج. من ذكر تفاصيلك التي لا تنتهي رغم عدم أهميتها البتة إلا أنها تحاصرني بك دوما.

كان جوابك الصمت وكأنك تعاقبينني به.

لم أكن بحال جيدة منذ أن تركتك.
كنت طائشا وكافرا بالنعمة.
أغوتني حصافتي حينها في بديل غيرك، بأنثى تشبهني في الطباع. ظننت بأننا لن نفترق وتركتها أنا فيما بعد طوعا وإرداة مني. حاولت أن أجد المبرر لذلك ولم أستطع إلا بأنها لا تشبهك.
معك الحق فيما سوف تقولينه عني وإن أردتي شتمي فلا بأس، وإن وصل الحال إلى الضرب فسوف أتفهم ذلك جيدا.
هكذا فسرت ماتقوله عينيه.

أجبرت بغير إرادتها على تفحص ملامحه. مدفوعة لاكتشاف حاله الحالي.
حاولت أن لا تلتقي الأعين أبدا متجنبة لأي حوار يمكن أن يصادف.

وسيما بشكله المعتاد.
ازدادت نحافة على ما أظن، زاده هزلا وضعفا.
لا زال يفضل القميص الصيني ذو الخاوي الياقة عن القميص الرسمي.
مازال عطره عالقا في أنفي كما لو أني تركته البارحة. يؤمن بأن الرجل لا ينبغي أن يغير عطره على الدوام؛ هويته الخاصة.

لم يخف عنه بطبيعة الحال بأنها كانت مجرد نظرة فاحصة.
نظرة بسيطة وعفوية.

مازلت جميلة كما أنت.
فاتنة كما عهدتك.
لذيذة في نظراتك.
بريئة في تصرفاتك.
قالها مسترسلا وعلى عجالة. خاف أن يفقدها.
ألا تجد مستقرها، أن تفهم بغير صياغها المناسب.

وجدت الأعين ملاذها بعد سبع سنوات فراق.
حينها لم تنبس الشفاه، لم تنطق الحروف.
وحدها لغة العين تتكلم وتعبر وتفصح بضراوة ببسالة عن كل حالات الفقد والوجع والألم والقهر.

السبت، 9 فبراير 2019

السلوك المضطرب

السلوك الذي يدعوك لانتهاك مسلّمات فطرية بدوافع مدفونة ولا منطقية.
التعصب، اللاحيادية والتفكير الأهوج والمنغلق.
أن تتحيز لجنس مثلا مبرر لا يثير للشك بأن تدعو للفوقية إن كنت ذكرا أو من الفئة التي تميل لتمثيل دور الضحية في حال مناقضة.
أن نتعاطف مع شخصية روائية كعزيز في أحببتك أكثر مما ينبغي ونبرء جميع سلوكياته المريبة وأفعاله الشنيعة من زاوية ذكورية، في حين التعاطف مع جمانة من ناحية أنثوية.

نبحث دائما عمّن يشبهنا في كل شيء.
نتعاطف مع أبناء جنسيتنا لكونهم يحملون نفس لون الجواز الذي نحمله وربما كان عدونا يظهر الخير لنا ويبطن السوء أو مختلف عنّا في نواحي عدة كالكفاءة مثلا ولكنه أقرب إلينا من ذلك الذي يشبهنا في أطباعنا ، في نطق مخارج الحروف وفي اهتماماتنا ولكنه ذو لون جواز مختلف.

ما يدفعنا وبشكل حتمي لإطلاق أحكام عشوائية على نقيضنا باعتباره أنه المختلف والذي لا يشبهنا بطبيعة الحال هو المجهول.
كل ماهو غير جيد يقع ضمن المجهول. تبريرات فشلنا العاطفية، المهنية وغيرها مبنية على مبررات انحيازية.
نستشعر بطمأنينة أكثر.. براحة وكأن جبل مستعصي زواله ذهب من عاتقنا كأدراج الرياح.

التحيّزات المبنية على أحكام غيبية ولكنها متوفرة في عقلنا اللاواعي من خلال التجربة المعيشية مع الاخرين والتي نصنفها في ملفات عقلية ندرك خطأها من صوابها فيما بعد، ولاسيما حينما نستشعر بمدى فظاعة الأمر من التصنيف.
كأن نحكم على الأشخاص من المظهر لا الجوهر.
من الكلمة لا الفكرة..  من النية المسبقة لا الموضوعية.
منطق الحياة النسبوي أو بالمعنى الفلسفي الحديث لا وجود للحقيقة المطلقة، والسائرون على الصواب المطلق والحقيقة الدائمة هم بالضرورة أتباع مدرسة أفلاطون.
هم ذاتهم كما قال فلاديمير لينين " المثقفون هم الأقدر على الخيانة لأنهم الأجدر على تبريرها "
التحيّز سلوك مكتسب بفعل الطبيعة، بقوى خارجية تسمى الثقافة المحلية. كعدوى منتشرة بين الأشرار، كوباء قاتل لا مصل له ولا شفاء.
نتجاوزها بمفردات مختلفة ، بمغالطات لغوية وتبريرات عقلية ونعيد ذات السلوك الشائك والمضطرب.

نجهل أو نتجاهل بأن شكل العالم الذي نراه اليوم يختلف كليا عن السابق خصوصا في مدى التصور المبني على خبرات حياتية وتجارب معيشية بالواقع الحقيقي لا المفترض أو القراءة.
بمدى استعياب حواسنا وترجمة مدركاتنا للأشخاص، للأفعال ، لحسن الظن أو سوءه.
من يمارس التحيّز لقضايا غير أخلاقية وتصرفات سلوكية بائسة هو في المقام الأول شخص فاشل بجميع المقاييس.

كلنا وبالضرورة متحيزين. وفي نهاية المطاف التحيّز المصاحب لفعل الخيرأمر لابد منه.
مثل أن تعمل في شركة ناجحة نجحت في الدخول إليها عن طريق شخص متحيّز. شفع لك في ما يؤهلك ضمن النطاق المسموح ونجحت وبجدارة.

الأحد، 3 فبراير 2019

الفراغ العاطفي

في مساء يوم السبت والجو كان ممطرا حينها وأثناء تواجدي في إحدى المكتبات التجارية أقتني بعض الكتب في مجال ريادة الأعمال.
استوقفني موقف غريب وجميل بنفس الوقت.
فتاة في مقتبل العمر كانت لاترتدي العباءة كما ينبغي وإنما كعادة متوارثة يجب اتباعها تجنبا لردات فعل سيئة.
ترتشف كوب القهوة بتلذذ دون حرج من تعليمات المكتبة والتي تمنع ذلك لأسباب تجارية.
مستعينة بسماعات كاتمة للصوت ؛ للضجيج والهواء.
أرادت أن تعتزل عن الكون بمفردها وحصل ما أرادت.
عدة روايات كانت حاضرة في ذلك الوقت أمامها أعلى الطاولة.
قواعد العشق الأربعون ، في قبوي والأخيرة كان كتاب هكذا حدثني زرادشت.
اعتقدت للحظتها بأني افتتنت بها. متمردة وقارئة وجميلة!
كنت أخشى أن أتورط معها في بادئ الأمر.
في حين أن البدايات هي الصراط الذي يوصل للنهايات.
بحثت كثيرا عن حجة أستطيع بها تجاوز هالتها العجيبة في العزلة. ذلك الطقس المريب الذي يشعرك بأنك غير متواجد في الأرجاء .. في عالمها الواسع .. في كونها المظلم.
ظننت لوهلة بأنها تنزوي تحت مكتبتها في كل مرة تشعر فيها بالوحدة، تصمت طويلا ثم تبكي كل شيء.
ربما يخجلها البكاء أمام العامة أو ربما لأن الأماكن ذات الحيّز الضيق قادرة على احتوائنا بتفاصيلنا المتبعثرة وأعماقنا المتعثرة، بأوجعانا وخيبات أملنا.

- أأستطيع أن أهديك كتابا من ذائقتي؟ قلتها بجرأة لم أعهدها من قبل. قلتها بعد أن تأكدت من إلتقاء عيني بعينيها.
- وما هي المناسبة؟ ردت برد أقرب إلى القبول من الرفض.
- أ لكل إهداء مناسبة؟
- لا يفعل ذلك إلا وله سبب في غالب الظن.
- من منطلق تهادوا تحابوا !
- أليست الأعمال بالنيات؟ هل تمتلك نيّة جيّدة؟ قالتها وهي تبتسم.
- بلى. على أغلب الظن!
مالم يكن هناك عارض فيما بعد.
- ما تعريفك للعارض؟
- السبب الفجائي لوجود دخيل لم يكن في الحسبان. في الخقيقة قد أخوض معك ساعات في جدالات تخص هذا الأمر ولكن دعك من تلك الترهات. ماعنوان الكتاب؟
- بناء على المعطيات التي تجدها أمامي. وجدت بأن رواية آنا كارنينا هي الأنسب.
أخذت تبحلق في الفراغ وكأنها تستعيد ذكريات ما
- ما الذي دفعك لإقتناء رواية بطلتها تنتحر في نهاية الأمر؟
- السوداوية ولا شيء غيرها. فكرت كثيرا برواية السعادة الزوجية لتوليستوي ولكن وجدتها متكلفة بعض الشيء.
يداخلني الفضول لأعرف ذائقتك.
- إليك المفضل عندي : اختراع العزلة.

عزلت نفسي عن كل ماهو حولي من الأشخاص والأشياء.
حقيقة الأمر بأني أغرمت بها للتو!
أي فتاة تلك التي تهديك رواية بائسة عن أب بائس!

لطالما انتظرت تلك اللحظة بشكل أكثر إجهادا، بما يصيب به المرء حد اليأس.
نتوهم كثيرا نتيجة فراغنا العاطفي بأننا في دائرة الحب بممارسات لفظية أو فعلية تثبت من شأنها العلاقة بين شخصين.
نخشى من الوحدة، من أن نفقد تلك الرغبة في اعتبار ذواتنا في محل اهتمام لا لشيء عابر.
لا ندرك بأن كل علاقة أفقية تنجح أو تفشل بحجم التنازلات وحجم الروابط المشتركة فيما بينهم.
كانت تلك المتمردة والقارئة والجميلة هي من أريد.

السبت، 2 فبراير 2019

الرفيقة المختارة

كنت ولا زلت أنتمي لتلك المدرسة المفعمة بالسلبية ،المحفّزة للكتابة ، السوداوية التي تجعلني أنظر للأمور بزاوية مغايرة عن جميع السذّج!

ليس من الهيّن أن تجد تلك الرفيقة التي تسعدك في خيبات أملك. تتفهمك على الحماقات البسيطة التي تفعلها دون دراية في معظم الأحيان ، تلمس جانبا فيك لا تشعر بإنه ذات أهمية إلا أنها تستطيع أن تثير الكينونة لتظهر أحسن ما فيك.
متجاوز العثرات.
متخطي الصعوبات
 متقبلا ذاتك بكل مساوئك وأخطاؤك.
 قادر على أن تكون نفسك.

الرفيقة التي تلهمك لفعل شيء ما هو من الأمور الاعتيادية ولاسيما فيما تستطيع أن تفعله بنفسك. فعل غريزي يحمل فيما وراءه تداعيات الحب والاهتمام ؛ القوى الخفية لتفعيل هرمون الدوبامين والتيستيترون.
لكن ماذا لو تلك الرفيقة التي ترى فيك ما لا تراه في نفسك؟
   
 الرفيقة لإحتياجات عاطفية والجنسية كما هو الشائع في الوقت الراهن ليست هي الرفيقة المختارة.
رفيقة أقرب مايكون حالها إلا النزوية. علاقة مؤقتة مبنية على احتياجات لحظية مبنية على هرمونات معطوبة ودورة قمرية.
رفيقة بطبيعة الحال ليست كمن تجد فيك ذلك الرجل التي تستطيع بفطنتها وذكاؤها أن تخرج فيك المواهب المدفونة والتي بالضرورة لا تعلم كيف تخرجها بمفردك.

المواصفات الخارجية كالجمال والمال مجرد معايير عقلية في ذهن كل كائن حي. تزيد أو تنقص بحجم زاوية التفكير في المآلات المترتبة عليها فيما بعد. أشبه بالنقاط التي يتم تجميعها لنيل دمية. لعبة ثمينة تتطلب مجهودا وعملا مثمرا ونقاطا بحجم السماء.
يبحث السذّج من الرجال والساذجات من النساء عن تلك القيمة. كما لو أنها كل شيء،
رغم كونها خارجية إلا أنها في محل فخر واعتزاز في حالات كثيرة.

رفيقتي غجرية حنطية.
بشعرها الأسود الداكن والمجعد (Curely).
بملامحها الظاهرة وعينيها المها.
بجسدها الفاتن وشفتيها اللوزتان.
شهيّة مبعثرة لذيذة كالكراميل.
وكل ذلك على سبيل المثال!

يختلف الأمر تماما مع المواصفات الداخلية..
الوداعة، الطيبة، الإيثار، التفهم.
معايير قلبية تدرك بالحس.
ليست في محل إختبار كونها مخفية عن العيان سوى عن بعض المقرّبين.

رفيقتي تحمل في داخلها قلب السماء.
دفء الكون.
ملاذ السوداويون.
حياة المضطربون.
وأكثر...


أؤمن وبشكل قطعي بأن كل تجربة ناجحة وفاشلة أنثوية للرجال خصوصا هي في محل نظر.
ليست من البطولة تعددها وكأنها ضمن حيّز المكافآت.
وإنما تجارب بنيت على عوامل مختلفة كان نصيب المرء منها في تكوينه الشيء الكثير.

وما يقلقني في حقيقة الأمر بأن العدوى المنتشرة بين السذّج في انتقاء الرفيقة تجاوزت ذروتها.
ولا عزاء عليهم.