الأحد، 3 فبراير 2019

الفراغ العاطفي

في مساء يوم السبت والجو كان ممطرا حينها وأثناء تواجدي في إحدى المكتبات التجارية أقتني بعض الكتب في مجال ريادة الأعمال.
استوقفني موقف غريب وجميل بنفس الوقت.
فتاة في مقتبل العمر كانت لاترتدي العباءة كما ينبغي وإنما كعادة متوارثة يجب اتباعها تجنبا لردات فعل سيئة.
ترتشف كوب القهوة بتلذذ دون حرج من تعليمات المكتبة والتي تمنع ذلك لأسباب تجارية.
مستعينة بسماعات كاتمة للصوت ؛ للضجيج والهواء.
أرادت أن تعتزل عن الكون بمفردها وحصل ما أرادت.
عدة روايات كانت حاضرة في ذلك الوقت أمامها أعلى الطاولة.
قواعد العشق الأربعون ، في قبوي والأخيرة كان كتاب هكذا حدثني زرادشت.
اعتقدت للحظتها بأني افتتنت بها. متمردة وقارئة وجميلة!
كنت أخشى أن أتورط معها في بادئ الأمر.
في حين أن البدايات هي الصراط الذي يوصل للنهايات.
بحثت كثيرا عن حجة أستطيع بها تجاوز هالتها العجيبة في العزلة. ذلك الطقس المريب الذي يشعرك بأنك غير متواجد في الأرجاء .. في عالمها الواسع .. في كونها المظلم.
ظننت لوهلة بأنها تنزوي تحت مكتبتها في كل مرة تشعر فيها بالوحدة، تصمت طويلا ثم تبكي كل شيء.
ربما يخجلها البكاء أمام العامة أو ربما لأن الأماكن ذات الحيّز الضيق قادرة على احتوائنا بتفاصيلنا المتبعثرة وأعماقنا المتعثرة، بأوجعانا وخيبات أملنا.

- أأستطيع أن أهديك كتابا من ذائقتي؟ قلتها بجرأة لم أعهدها من قبل. قلتها بعد أن تأكدت من إلتقاء عيني بعينيها.
- وما هي المناسبة؟ ردت برد أقرب إلى القبول من الرفض.
- أ لكل إهداء مناسبة؟
- لا يفعل ذلك إلا وله سبب في غالب الظن.
- من منطلق تهادوا تحابوا !
- أليست الأعمال بالنيات؟ هل تمتلك نيّة جيّدة؟ قالتها وهي تبتسم.
- بلى. على أغلب الظن!
مالم يكن هناك عارض فيما بعد.
- ما تعريفك للعارض؟
- السبب الفجائي لوجود دخيل لم يكن في الحسبان. في الخقيقة قد أخوض معك ساعات في جدالات تخص هذا الأمر ولكن دعك من تلك الترهات. ماعنوان الكتاب؟
- بناء على المعطيات التي تجدها أمامي. وجدت بأن رواية آنا كارنينا هي الأنسب.
أخذت تبحلق في الفراغ وكأنها تستعيد ذكريات ما
- ما الذي دفعك لإقتناء رواية بطلتها تنتحر في نهاية الأمر؟
- السوداوية ولا شيء غيرها. فكرت كثيرا برواية السعادة الزوجية لتوليستوي ولكن وجدتها متكلفة بعض الشيء.
يداخلني الفضول لأعرف ذائقتك.
- إليك المفضل عندي : اختراع العزلة.

عزلت نفسي عن كل ماهو حولي من الأشخاص والأشياء.
حقيقة الأمر بأني أغرمت بها للتو!
أي فتاة تلك التي تهديك رواية بائسة عن أب بائس!

لطالما انتظرت تلك اللحظة بشكل أكثر إجهادا، بما يصيب به المرء حد اليأس.
نتوهم كثيرا نتيجة فراغنا العاطفي بأننا في دائرة الحب بممارسات لفظية أو فعلية تثبت من شأنها العلاقة بين شخصين.
نخشى من الوحدة، من أن نفقد تلك الرغبة في اعتبار ذواتنا في محل اهتمام لا لشيء عابر.
لا ندرك بأن كل علاقة أفقية تنجح أو تفشل بحجم التنازلات وحجم الروابط المشتركة فيما بينهم.
كانت تلك المتمردة والقارئة والجميلة هي من أريد.

ليست هناك تعليقات: