الاثنين، 3 أغسطس 2020

المعركة الصعبة

كل امرئ لابد له من معترك نفسي خاص به.
هذا المعترك يجسّد حالة ذعر وهلع داخلية تتوافق طرديا مع طموحاته وآماله.
معركة لا تحتمل معها أنصاف الحلول.
تكون أو لا تكون.
ما لم يسعى المرء تدريجيا للتغلب عليها أصابته حالة من الاكتئاب الموحش.
على النقيض تماما.. 
متى ما أصاب بعضها ذهب إلى ماهو أبعد منها..
وهكذا دواليك.

يعلّمنا نيتشه في كتابه العميق" هكذا علّمني زرادشت " عن فلسفة الخلود.
وهذه الفلسفة لا يجدر لمتبنّيها إلا أن يمتاز بمعايير وأوصاف استثنائية.
وهذه الحقيقة ليست اعتباطا حيث أريد بها تهويل تلك الفلسفة الخالدة.
كلّنا نطمح ونسعى لتحقيق أكبر عدد من الأهداف والإنجازات الحياتية.
بغض النظر عن جودتها وطريق الوصول إليها.
لكن قلّة من الناس من تجرّع الألم حتى ينالها!

في لقاء خفيف جمعني مع الكاتب اللطيف نجيب الزامل رحمه الله حيث عرّج على نقطة مهمة أشعل معه مصباح التساؤل.
قال: لم أرزق بالمال مثل أقراني وإنما رزقت العلم والأدب!
هل فعلا من أراد أن يسلك الأدب طريقا ومنهجا فعليه أن يترك ما دونه؟!

دوستويفسكي حين اعترض على النظام القمعي الحاكم النظام الشيوعي البائس سجن على إثرها.
وأوكلت إليه مهام صعبة ومنهكة.
لم يعترض.
لم يمتعض.
قال جملته الخالدة : اللهم لا تحرمني معاناتي.
حيث الألم صاحب معه كتاباته السوداوية الخالدة.
عبارة متكلفة؟
غير منطقية؟
أ لم يقل أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب : ربي إني لا أسألك أن تخفّف حملي، لكنني أسألك أن تمنحني ظهرا قويّا؟!

عندما استحضر في مخيّلتي شخصيات بارزة ساهمت في تغيير القناعات والأفكار من منطلق كتابات فقط.
حيث مازالوا خالدين معنا إلى قيام الساعة.
ربّ كتاب واحد خير من ألف كتاب فارغ.
لكن من يمتلك الحكمة والصبر للتفرغ على تحقيقها؟
الإمام حجّة الإسلام أبي حامد الغزّالي وأعني به الغزّالي فيلسوف القرن الخامس الهجري حيث نال العلم وهو صغير.
يقول عن نفسه : أصابنا الفقر وتجرّعنا ألمه واضطررت مع أخي أحمد إلى الدراسة حيث يتوفر الطعام.
يقول بعدها طلبت العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله!
كتب ذلك في كتابه إحياء علوم الدين: وسوس لي الشيطان بأن هؤلاء الجمع الغفير أراد به الناس أن ينتفعوا من علمك، وهذا إن دلّ على نباهة وحسن إطلاع . دخل إليّ الشيطان من باب العجب.
ما كان من الإمام الغزّالي إلا أن يرتحل الأمصار ويختلي البشر حيث قبع على كتابة إحياء علوم الدين قرابة الربع قرن.
حتى وصفه أحدهم بجملة : من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء!

المعركة الصعبة للإنسان الواعي تتجسّد في فلسفة الخلود.
أيّ كانت تلك المعركة.
لا يهم كيف تصل.
بطرق سليمة أو ملتوية.
بالنزاهة أو بالفساد.
المهم أن تصل.
المهم أن يذكرك غيرك بها.
أن تضع بصمة بعد مماتك.

ليست هناك تعليقات: