الاثنين، 12 أكتوبر 2020

ثلاثة رجال

في قصّة كنت قد سمعتها مؤخرا عن ثلاثة رجال كانوا قد ابتلوا بابتلاءات مختلفة، فالأول كان أبرصا والثاني أقرعا بينما الأخير كان أعمى. فزارهم مَلَك يسألهم جميعا هذين السؤالين.

ما هي أكثر الأشياء أحب إليك؟

أي الماشية أحب إليك؟

فقال الأول: جلد ولون حسن فقد قذرني الناس بسببه، وأحب الماشية هي الناقة.

وقال الثاني: شعر حسن فقد قذرني الناس بسببه، وأحب الماشية هي البقر.

 وقال الثالث: أن أستعيد بصري، وأحب الماشية هي الغنم

فأعطي كلّ منهما سؤلَه.

مرّت السنوات وهم في زحام من النعم بل وتكاثرت المواشي والأموال لدرجة أن أصبح لديهم واديا كاملا بحسب الماشية التي اختارها كلّ منهم.
حتى عاد الملك.
ولكن بصورة مختلفة، لكل منهما ما كان عليه في السابق.
فجاء إلى الأول بصورته القديمة الأبرص الفقير فقال له:تقطّعت بي السبل وليس لي نجاة إلا بالله ثم بك، فأعطني مما أعطاك الله.
ثم سأله أن يعطيه ناقة يتبلّغ بها في سفره.
ولم يعطه. فقال له المَلَك:
 ألم تكن أبرصا يقذرك الناس فشفاك الله؟
وفقيرامعدما فأغناك الله؟

أنكر الرجل عليه ذلك وجحده وقال له : الحقوق كثيرة وإنما ورثت ذلك من كابرعن كابر.
وجاء إلى الثاني وسأل نفس السؤال ووجد نفس الجواب.
حتى جاء إلى الثالث وسأله نفس السؤال عدا أن الأعمى لم ينكر ولم يجحد وقال له خذ لك ما بدا لك فقد كنت أعمى ورد الله إليّ بصري وكنت فقيرا فأغناني الله.
فعاد الرجلين الأولين إلى وضعهما كما كان بالسابق (أبرصا فقيرا، وأقرعا فقيرا) واستمر الأخير ببصره ورزقه.
هذا حديث شريف رواه البخاري ومسلم عن ثلاثة رجال من بني إسرائيل، ولم تكن مجرّد قصّة عابرة.

يحدث كثيرا أن نغفل ونجحد مما نحن فيه من النعم الوافرة المحسوسة والغير محسوسة أي التي لا ندركها في وقتها مثل العافية والصحة بينما نستشعرها مع عارض بسيط تنهك قوانا ويخور به نشاطنا وتجعلنا دمى لا نقوى على التفكير أو العمل.
والأدهى من ذلك والأمر أن نعتقد جازمين بأن ما نحن فيه هي نتيجة قرارات منطقية عوّلنا عليها وبذلنا فيها الأسباب وها نحن نجني ما حصدناه
!

هذا النص وهذه الخاطرة كنت قد عزمت فيها على تبرير المنطق العشوائي والجحود المتنامي خلف المعنى الجوهري في معنى الرزق، وإنما أردت في حقيقتها هو التذكير بحقيقتنا الدنيوية وإننا مجرد كائنات لا ترى أبعد من أنفها وإن إدّعينا المنطق واستحضرنا فيه العقل.
ولا يمكن لمسلم موحّد عاقل أن يزعم بمجرد الزعم أن ما يجنيه هي نتاج جهوده بصرف النظر عن الظروف المؤاتية والمعطيات الفعلية التي سهّلت له كل هذا الزخم وهذا النجاح.
حتى في الدول الغربيّة لم يكن أحدٌ لينجح لولا ورثٌ قد ورثَه أو مبادئ وقيم وجوبيّة قد أسقطها ليصعد ويتسلّق على أكتاف الضعفاء ناهيك عن الممارسات والحيل التي نعلمها مثل استغلال الجهود البشرية و حتى التي نجهلها أو توفيق سماوي ميتافيزيقي ناتج من فعل وردة فعل، ولا يمكن بكافّة الأحوال أن نقارن نجاح فرد استطاع أن يتغلب على صعوبات جمّة في فانزويلا مثله مثل من نجح في أمريكا أو الشرق الأوسط، وهذا لا يلغي طموح وتعب سنوات أبدا وإنما المعادلة تقتضي خلف كل نجاح جهد لكن بعد توفيق الله أو الإله أو الكون والطبيعة أو ...

وللنظر للأمور من زاوية عقلانيّة محضة ولنسلّم جدلاً بأن الناجح نجح في تكوين ثروة جرّاء جهوده الخارقة ألا نستطيع أن نتساءل عن ماهو نموذج العمل الأمثل لتحقيق الربح دون الخضوع للحكومة وممارساتها؟
أو دون الاستعانة بخدمات واستثمارات رجال أعمال آخرين لا يعلم عن مصدر أموالهم، وإذا افترضنا بأنه لم يستعن بهم وإنما عرضها على سوق المال والبورصة فما هو حجم رؤوس الأموال التي يستطيع جمعها؟      
ولا نستطيع أن نحكم حكم قاطع على سوء وفساد دون أدلّة بطبيعة الحال ولكن لا يقبل منطق أو عقل أن ينجح إنسان على وجه الأرض بنجاح مادي أو معنوي دون أن تخدمه الظروف أو التوفيق بتعبير أدق.

ليست هناك تعليقات: