الخميس، 11 مايو 2023

مأزق البوح

أكتب بشكل روتيني مستمر؛ فهذا هو دوري ككاتب.
قد يبدو الأمر باعثاً على الإعجاب في أن أتقمّص هذا الدور. الدور الذي يعكس صورة نمطية عن الكتّاب بالإبداع والنخبوية.
إلا أنه في حقيقة الأمر يبعث على الملل.
فالجزء الأعظم من كتاباتي هي مقيّدة لفئة مستهدفة، لجمهور مخصّص، أكتب ثم أكتب ثم ينشر هذا النص دون أن يعلم أحداً عن كاتبه، عن الصعوبات التي واجهتها أثناء ذلك؛ وهنا لا أجدني أبحث عن التقدير بل عمّا تسبّبه لي تلك الكتابات من ضجر، أن أكتب للغير فحسب.
هذا الروتين يقتلني.

العزلة بدورها تخنقني.
في ألا أجد من يفهمني.
منذ فترة لم أكتب عن نفسي، عن مشاعري الضائعة، والتي اختفت مع مجريات الحياة حيث تاهت بفعل القوة الجبرية لمعطيات الواقع المادي.
قد تقرأ ما سبق وتزعم بعقلك الفارغ وربما تضعني في خانة الأشخاص المضطربين في مشاعرهم من لا يستطيعون التعبير. حاولت ذلك مراراً وتكراراً في أن أشرح ما بداخلي سواء بالتصريح أو التلميح لاسيما لمن له صلة مباشرة بي، وفعلت الكثير، وتحدّثت أكثر ولكن دون جدوى.
وحالي بعد ذلك اختزلها نزار قباني بشعره:
لم يبق عندي ما أقول
تعب الكلام من الكلام
هذا التعب أصابني بالوهن، بالضعف وبالضنك. وما وجدت غير الكتابة علّها تكون مستأنساً لي.
الكتابة هي أكسجين الكاتب، الطريقة التي يتنفّس بها، ويستمدّ بها قوته عندما لا يجد الآخر من يعي ويدرك حاله البائسة والمضطربة، فهو يعبّر عن وجدانه بالطريقة التي يجدها مناسبة، وبالكيفيّة التي يستسيغها بطريقة ملائمة في حال لم يرغب في أن يخسر الآخر.
 من أن يساء فهمه مجدداً أو ألا يفهمه الآخر مطلقاً كما يرغب هو؛ وأعني بالآخر المقربين منه والبعيدين، العائلة أو الأصدقاء.
أفقد بريقي يوماً بعد يوم، وأخشى أن أصبح يوماً مثل فيرناندو بيسوا عندما قال في كتابه اللاطمأنينة: "لقد طبّعتني العزلة بطباعها، وصيّرتني على غرارها"
ومن السذاجة أن نربط العزلة بالوحدة، فهذا ما هو إلا تعريف ناقص.
العزلة قد تكون مع نفسك أو مع الآخرين من لا تجتمع معهم في أرضيات مشتركة أو طموحات عظيمة، ومن البديهي أنك لا تستطيع أن تغيّر أحداً ولو بعد قرن من الزمان؛ لأن الإنسان كائن معقّد بذاته، مجموعة من العادات والتراكمات والمشاعر و..
ربما وحده الحب يفعل ذلك!
الحب طاقة تتولّد عبر القلب والعقل، في أن نحب الآخر بعقله وعاطفته، في أن يكمّل أحدهم الآخر بفعل الحب. 
لنسأل الله الحب علّه يخرجني من هذا المأزق.

ليست هناك تعليقات: