لم أكتب خاطرة منذ فترة، أشعر بأنها مدة طويلة حيث حروب قامت واقتصادات هوت وارتفعت وطبيعة بشرية أصبحت مخيفة ووعي جمعي بائس وأناني ورأسمالي..
ابدأ غضبي المعتاد والاستياء الواضح كما جرت العادة في كتابتي الخاطرة من مقولة نيتشه وهو يتبنى فلسفته عن الأخلاق وهو يقول: الأخلاق من صنع الفقراء وقليل الحيلة ومن لا قوة لهم .. الأخلاق حيلة ابتكرها الضعفاء لكي يضحكوا بها على الأقوياء. ثم يستطرد فلسفته ويقسّم الأخلاق إلى قسمين اثنين، أحدهما أخلاق السادة وأخلاق العبيد!
فأخلاق العبيد هي الرحمة، التضحية والتعاطف .. أخلاق الرعاع والضعاف والتي لا تتميز فيها الروح الفردية بعكس أخلاق السادة المبنية على القوة والجرأة والمواجهة وكل ما يعزز فيه الفردانية.
فالنمط الأخلاقي عند نيتشه قائم على التباين بين الفرص؛ فعندما اكتسب السادة النجاح والجمال والذكاء، اكتسب العبيد بالمقابل صفات الضعف والفقر والهوان باسم الأخلاق كطريقة تعايش مع حياتهم البائسة والتغلّب على مشاعر الدونية ضمن قيم نبيلة!
يؤيد هذه الفلسفة المفكر العلماني الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين حيث يتناول فكرة القوة والضعف من منظور ديني اجتماعي؛ يتسلّق فيه الصعلوك المتدين المنابر والمجالس بقصد الحصول على الجاه والمال على حساب الفقراء والمساكين، يقول في كتابه: "يحاول بعض الوعاظ أن يصلحوا أخلاق الناس بالكلام والنصيحة المجردة، وما دروا أن الأخلاق هي نتيجة للظروف النفسية والاجتماعية؛ إنهم يحسبون الأخلاق سبباً لتلك الظروف لا نتيجة لها، لذا تراهم يقولون: " غيروا أخلاقكم تتغير بذلك ظروفكم " ، ولو أنصفوا لقالوا عكس ذلك !"
وأما عن الأيدولوجية الماركسية فهي تخبرنا بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل فكرة أن الأخلاق هي من صنع الأقوياء لاستعباد الضعفاء، فالضعيف لا يمتلك سوى سمعته النظيفة وأخلاقه النبيلة بعكس القوي الذي لا يهتم بأي منهما في معظم الأحيان. الأمر أشبه بمن يقول وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه؛ فلا هو الذي حمى الوطن بإقدامه وتقدمه الصفوف ضد الأعداء ولكن عاش فيه برفاهية وراحة عظيمة.
هذا الطرح وهذه الخاطرة بطبيعة الحال بعيدة كل البعد عن الطرح الديني والأخلاق النبوية المحمدية، وإنما قصدت إسقاطها لأنها تقع ضمن نيات الإنسان الداخلية ومقاصده منها في الدنيا أو الآخرة من الأخلاق، وفي مجتمعاتنا المعاصرة والتي تناهض باستمرار وتعزز فكرة الإنسان الناجح الثري القوي وأما الأخلاق فهي مهملة كإهمالنا للفقراء والعبيد، والتعامل بين البشر إنما ينطلق من مبدأ الفائدة والاستفادة، والنفع والانتفاع لا القيم والأخلاق.
وهذا واقع يجب أن يفهمه الإنسان الحاذق ويعيه مبكراً وإما أن يجبر أن يتعلمه بقسوة الظروف، لا تعاملك البشرية بإنصاف ولا الدوائر الحكومية باحترام طالما كنت من ثلّة العبيد مهما كانت أخلاقك .. اليوم نعيش واقع بائس من المظاهر المادية والأخلاق الدونية والجميع متعايش مع هذه الفكرة.
في نهاية الخاطرة أقول..
لعن الله الرأسمالية.
لعن الله الممارسات الأنانية.
لعن الله من يدّعون الفضيلة.
لعن الله المتزلفين المتسلقين على حساب الضعفاء ذوي الأخلاق العالية.
هناك تعليق واحد:
أبدعت كعادتك ياكاتبنا العظيم استخلصت لنا عبارات جميله في نسق خاص بك سلمت اناملك 👌🏻✅🌹
إرسال تعليق