الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

حقائق جليَّة عن معشر الكتُّاب

 نحن معشر الكتُّاب.. مبدعون، متألقون، سواء مع وجود الذكاء الاصطناعي أو عدمه.
نستطيع أن نكتب وفي دواخلنا ما نبطنه، الجميع يقرأ ظاهر النص بطريقة اعتيادية لكن نبطنها بحيلة ماكرة. ألا تقول العرب: المعنى في بطن الشاعر؟!
وهل يستطيع ذكاء اصطناعي أن يبطن ما يظهره؟ مستحيل.
المعنى ليس في ظاهر النص، بل في باطنه وقلَّ من يمكنه قراءة باطنه أو تفكيك رموزه!
لهذا السبب من ترتبط بكاتب حذق ونبيه، ستجد صعوبة في قراءة ما بين السطور.

أكثر ما يزعجنا هو المبالغة في الإطراء رغم أننا بسجيَّتنا نحب الإطراء.
نعم، نحن الكتُّاب نحب أن نسمعها بصدق لا بتزلّف.
فشتَّان بين قولك: النص رائع وأحسنت، وبين لمست في كلماتك غضب عندما كتبت كذا وأحسست بالدفء عندما أردت التعبير بكذا، وابتهجت أساريري عند قولك كذا..
ما لم تمتلك مهارة الإطراء كهذه؛ فاقترح عليك بأن تكتفي بهذه العبارة: هذا نصٌ فريد كصاحبه.

الكتابة عند الكاتب الماهر ليس مجرد نص جامد فحسب.
هي مهارة تجعلنا نقدِّم كلمة أو نؤخر جملة بهدف إيصال المعنى وهكذا دواليك..
مهارة نخوض في غمارها تحديات، تضحيات وتجارب ثم نكتب عنها ببساطة.
والكتابة في هذه الحالة ما هي إلا ثمن التذكرة التي بسببها نعيش التجربة؛ بحلوها ومرها.
تكلفة التذكرة قد تكون باهظة، موجعة، مريرة وأحيانًا النقيض منها تمامًا.
في عقلنا ندرك كم هي روعة البدايات، لاسيما عندما تبدأ الأفكار بخلق نص بديع من العدم.
ثم تأتي النهايات التي لا نعلم كنهها، ولكن ندفع ثمنها طوعًا أو كرهًا.
في الحقيقة، الكتابة متعة صارخة في أعماقنا، نداعب بها الكلمات كما نداعب الأنثى الجامحة!
خاصةً عندما يكون النص قد كُتب من الأعماق.. الأعماق الذي نخشى المرور عليه.

ألم يقولوا: بأن عقول الرجال تحت أقلامهم.
في الواقع يغرينا نحن الكتُّاب بأن نُعرف كعقلاء، مفكرين، أدباء وكتُّاب نخبويين ومثقفين.
ولعلنا في هذه الحالة نكتب كهدف إضافي نتوَّج به أمام الملأ.
وبطبيعة الحال، الجميع يكتب بما يسدُّ احتياجاته؛ ولذا عندما قال أحدهم لبرناند شو مغترًا بنفسه: أنا أفضل منك، فأنت تكتب من أجل المال، وأنا أكتب من أجل الشرف! زعم بكلماته هذه أنه أقام حجته لحين ردَّ عليه شو بأربع كلمات: كل يبحث عمَّا ينقصه!

نكتب عن الفضيلة، القومية، العروبة، العشق.. تظل في نهاية المطاف كلمات ضمن سطور لحين اكتمالها كنص، ولن يعلم القارئ الساذج مدى إيمان الكاتب بها!
ولهذا يقال عنَّا باستمرار: أنهم يقولون ما لا يفعلون.
حالة واحدة فقط قد نعلم صدق الكاتب في كتابته وهي القشعريرة التي تصيبك أثناء القراءة؛ نعم عزيزي القارئ النبيه، فالكلمات أرواح نشعر بها، نطمئن لها ساعة ونبكي بها ساعة أخرى.
أليس هذا ما يفعله الكاتب الماهر؟!


الثلاثاء، 2 سبتمبر 2025

أحببتك أكثر مما ينبغي

 لطالما تساءلت مع نفسي عن مدى الاختلاف الذي سألحظه في حال قرأت رواية عاطفية لكن بعمرين مختلفين؛ وليكن الفارق عشر سنوات فقط!
ما هي المشاعر التي ستنتابني لحظتها؟
ما هو دور الوعي والنضج في تمحيص أحداث الرواية؟
وغيرها من التساؤلات.
وفعلت ذلك.

أعيد الآن قراءة رواية أحببتك أكثر مما ينبغي للكاتبة أثير النشمي.
عن العلاقة المربكة بين عزيز وجمان، عن الأحداث التي تُروى لكن من زاوية جمان فحسب.
أثناء قراءتي لها شعرت بتفاصيل الأحداث كما قرأتها للمرة الأولى.
ما بين تعاطف، جحود، أنانية، صبر وتضحيات.. وغيرها.
لكن تحليلي للمواقف أصبح أكثر اتزانًا من ذي قبل.
ما الذي يدفع الإنسان العاقل للتخلي عن كبريائه في مقابل وهم الحب، كما فعلت جمانة؟!
أيضًا سردية تجسيد دور الضحية كنت أتعاطف معها بشكل أو بآخر، عدا أني أمقتها الآن؛ الحياة كفيلة بتعليمنا هذا الدرس القاسي شئنا أم أبينا. 
ولكن.. والحق يقال.
ما بين السطور وجدت الحكمة في بعض المواقف.

أحدها عندما قالت بلسان عزيز: " القدر يبعث بإشارات إلينا، إشارات مبهمة، مبطنة ومخفية.. لذا علينا أن نكون يقظين طوال الوقت وألا تتجاوزنا الإشارات التي تمر بسرعة كالنيازك؛ لأنها لن تعاود المرور بنا إن تجاوزتنا بدون أن ننتبه إليها "
أي معرفة تتطلب منَّا فهم هذه الإشارات؟ أو أنها تأتي وليدة اللحظة في توقيت حاسم عبر تغريدة عشوائية أو أغنية غير مختارة ضمن الأغاني التي تأتي تباعًا بعد الانتهاء من الأغنية المسموعة، أو لعلها سلسلة من الأحداث المتكررة ولكن نغفل عنها مثل عدم توفيق أو فشلٍ في علاقة ما؟! 
بالنسبة لي فهم واستيعاب إشارات القدر أصبح يؤرقني كموضوع فلسفي وليس مجرد نص ضمن رواية رومانسية!
ومما يدل على صعوبة الفهم هي العبثية التي استكملت بها جمانة النص:
" كنت أجفف دموعي حينما وقعت عيناي على لوحة إعلانات مرتفعة ومضاءة، كتب عليها..
You may go Alone with the right road and he may take the left one, but after all, the two roads could meet at the same point! .. شعرت وكأنها رسالة القدر إليَّ يا عزيز، كأنها الإشارة التي حدثتني عنها والتي تؤمن بها، غمرتني السكينة، شعرت وكأن أعصابي تمددت، وبأن مساماتي الصغيرة تفتحت وعاودت التنفس" انعطفت عن الطريق وعادت إليه!
فهمها لإشارة القدر جعلتها تستكمل المخاطرة ووعورة العلاقة التي كانت ومازالت متشبثة بها! 
فهل إشارة القدر أنصفتها وقتذاك؟! الأمر مربك جدًا بالنسبة لي، ومع ذلك أؤمن بأن إشارات القدر ينبغي أن نقف عندها ونعمل بها دون أن تمر علينا مرور الكرام.

الحكمة الثانية، هي في الحب الذي يجعلنا نتكبَّد ألم تغيير من نحب، إصلاحه رغم عيوبه وأخطاءه.
وهنا أتساءل: ما الحد الذي نصبح عنده عاجزين عن إصلاح من نحب؟ بمعنى أدق، كم عدد المحاولات التي يجب أن نتوقف عندها في حال كان إصلاح من نحب هو أمر يفوق طاقتنا أو ربما لا نجدي له حلًا أو سبيلًا؟
لدي قناعة راسخة بأن الحب يغيّرنا، يجعلنا منساقين للمحبوب في اهتماماته وطريقة تفكيره، وأسلوب حديثه؛ ولذا يقال: " بأن العشُّاق يتشابهون، في ذروة الحب يتشابهون، يتحدثون بالطريقة ذاتها، ينظرون إلى الأمور من خلال المنظار نفسه "
الحب أيضًا يجعلنا نصبر، بل نتجرَّع مرارة الإصلاح بحسب علاقتنا مع المحبوب كيفًا وكمًا، كيفًا فهي الطاقة التي تدفعنا للتغيير لأجله، من باب الطبع من التطبّع! أو ربما حبنا يجعلنا نتنازل وأن نتغيَّر برضا تام وليس بإملاءات وشروط استكمال العلاقة، وكمًا هي في المحاولات التي نستميت بها في سبيل التغيير والمحافظة على من نحب، لا يوجد حب دون تضحية وتنازلات ووجع؛ الحب هو رهان نراهن عليه في المحبوب لأجل سعادتنا ومحافظتنا عليه وبناء أهداف وغايات عظيمة في المستقبل.
من يحب يجب عليه أن يدفع ثمن هذا الحب، ولولا ذلك الثمن لكانت العلاقة هشة، ضعيفة لا تمتلك أساس متين للاستمرارية، مثلما قالت جمانة: " أعرف بأن هذا هو جزء من مشكلتي معك، أخشى الابتعاد عنك، أخشى الحياة من دونك، حاولت الابتعاد لكنني لم أتمكن من ذلك.. نار قربك أخف وطأة من نار بعدك يا عزيز، قلبي يستعر بعيدًا عنك ويتلظى بجوارك! أي حب موحل هذا الذي علقت به! ".
دون التضحية ودون الحب فالعلاقة وإن بدت في الظاهر قوية إلا أنها ستنكسر لاحقًا أو سيبحث أحدهما عن بديل يؤمن بالحب، بالتغيير وبالإصلاح الذي يستحقه المحبوب؛ مثلما فعل عزيز فعلته التي لا تغفر وغفرت له!

الحكمة الثالثة، الحب نصيب والاستمرار فيه قرار.
لا نعلم متى نحب ومع من نحب إلا في حالة ازدحام الأفكار.
وحده صوت القلب ينطق بالكلمة في حين يخفت صوت العقل.
لا معايير، لا مقاييس هكذا يدق باب قلبك فجأة.
بالمناسبة.
لقد أخطأت؛ هذا ليس بحب، هذا هو الإعجاب.
الحب هو المرحلة العميقة والصعبة والذي يمر ضمن مراحل متدرجة للوصول إلى هذا المعنى.
لا يمكن أن تحب من أول مرة، وعبارة الحب من أول نظرة، ليست إلا مبرر لتجاوز هذه المراحل والوصول إلى الحب بكل سذاجة ويسر؛ الحب هو انعكاس لشخصياتنا التي نريد تجسيدها واحتياج لرغباتنا التي نريد تحقيقها.
كيف لها أن تحب عزيز وتغفل عن حب زياد لها؟!
" لا أعرف كيف يجذبني نقيضي إلى هذا الحد بينما شبيهي ناعم رقيق إنسان إلى أقصى درجة! " هكذا تقول هي عن زياد!

لم انتهِ من الرواية بعد.
لياقتي الذهنية أو بتعبير أدق في القراءة ليست كما كانت من قبل.
لعلي في يومٍ من الأيام أكملها أو تكون هذه بدايتها وخاتمتها. 


الاثنين، 1 سبتمبر 2025

الله لا يلعب بالنرد

 " الله لا يلعب بالنرد " عبارة قالها أينشتاين ليجسِّد فكرة أن الكون لا تحكمه الصدفة ولا الفوضى.
هذه العبارة جاءت ردًا على ميكانيكا الكم والتي تقول بأن سلوك الجسيمات دون الذرية لا يمكن التنبؤ بها بدقة؛ فقط بالاحتمالات.
هذه السطور أردت بها توضيح السيناريو الأسوأ الذي نفكر به في أوقاتنا الصعبة، عن الشعور الذي يراودنا في أحلك الظروف؛ عن تخلي الله عنَّا!

عبارة قد لا نقولها باللسان لكن ضمن أحاديث العقل، ولعلها تترسَّخ في عقلنا أكثر وتتشبَّث بطريقة مزعجة ومؤذية في حال شاهدنا بعض ممن ابتعدوا عن الله بسبب أو لآخر وتجده ناجحًا في حياته، وأنت الذي تتخبط في أمور دنياك وتحاول أن تحافظ على دينك لأنك ببساطة قد تربَّيت عليها منذ الصغر وتمارسها كروتين يومي وحياتي، وتشعر بالخلل متى ما توقف عنها، وأعني الصلاة والأخلاق وغيرها، ثم تأتيك هذه الفكرة التي تلح عليك ما جدوى هذا كله؟!

ومن تجربتي الشخصية محاولة طرد مثل هذه الأفكار غالبًا تكون كحل مؤقت فحسب، ما يجب عليك فعله هو أن تواجهها بضراوة، بحجج قوية ومقنعة. لا يوجد حل آخر.

الحجة الأولى:
الله لا يحتاجك؛ العبادة التي تؤديها والمصابرة التي تمارسها في أفعالك أجرها لك، والرهان يا عزيزي قد يبدو ثمينًا للغاية، من الناحية الأبدية والسرمدية: إما إلى الجنة أو النار.
الحجة الثانية:
عبادة الله بيقين هو أولى هذه الحلول، اعترف بنقصك وتكلَّم معه بعفوية وشاركه مخاوفك وشكَّك، هو أعلم بك من غيرك، يعلم ما في صدرك، حاول فقط بأن تدعو الله بيقين وأنت منكسر وأن الله سيدبِّر لك الأمر ويفرِّج همَّك؛ هي مسألة وقت.
الحجة الثالثة:
حكمة الله في كل شيء، من ناحية تأخير المطلوب أو حدوث المصاب؛ الله يختبر مدى قوة صبرك، وثقتك به، فإما أن تنجح في هذا الاختبار أو تفشل. لا خيار ثالث.
الحجة الرابعة والأخيرة:
جميع الحلول تنعدم متى ما يئست عن الله، قد تستمتع في البداية بفكرة التخلي عن خالقك وموجدك وتشعر بانتصار وربما تيسير لأمورك لكنها النهاية التي تودي بك إلى الهاوية والكارثة، ستصيبك اختبارات جديدة لكن ستواجهها بنفسك ودون معيَّة الله وتوفيقه، ستجد صعوبة في مجابهتها دون أن تنظر إلى السماء بانتظار الفرج، ستعيش حياتك بعبثية مطلقة، بعشوائية وفوضى عارمة، ستسمي الأسماء بغير مسمياتها الحقيقية. ستقول الحظ بدل القدر، ستقول هذا بجهدي وعقلي بدل أن تقول هذا بتوفيق الله بأن يسَّر لي الأسباب، وحالة من الإنكار الوجودي الذي يليق بك كإنسان ناكر للجميل والمعروف وتزعم بأنك تستطيع النجاح بمفردك وبمعزل عن كل أسباب الله ولعلك تنجح أو تفشل لكن ستكون خسارتك عظيمة جدًا، ما قيمة استثمار ثمانون سنة من حياتك كحد أقصى في مقابل حياة أبدية لا نهاية لها أبدًا؟!

الخلاصة..
أنا لست بأفضل حالًا منك عزيزي القارئ، لدي مخاوفي وشكوكي أيضًا؛ الأمر كله بأني أحاول إنقاذ ما يمكنني إنقاذه من كابوس اليأس، من سطوة الحياة التي لا ترحم، من نفسي والشيطان والناس.. بالله وحده الذي لا يلعب بالنرد.