الثلاثاء، 2 سبتمبر 2025

أحببتك أكثر مما ينبغي

 لطالما تساءلت مع نفسي عن مدى الاختلاف الذي سألحظه في حال قرأت رواية عاطفية لكن بعمرين مختلفين؛ وليكن الفارق عشر سنوات فقط!
ما هي المشاعر التي ستنتابني لحظتها؟
ما هو دور الوعي والنضج في تمحيص أحداث الرواية؟
وغيرها من التساؤلات.
وفعلت ذلك.

أعيد الآن قراءة رواية أحببتك أكثر مما ينبغي للكاتبة أثير النشمي.
عن العلاقة المربكة بين عزيز وجمان، عن الأحداث التي تُروى لكن من زاوية جمان فحسب.
أثناء قراءتي لها شعرت بتفاصيل الأحداث كما قرأتها للمرة الأولى.
ما بين تعاطف، جحود، أنانية، صبر وتضحيات.. وغيرها.
لكن تحليلي للمواقف أصبح أكثر اتزانًا من ذي قبل.
ما الذي يدفع الإنسان العاقل للتخلي عن كبريائه في مقابل وهم الحب، كما فعلت جمانة؟!
أيضًا سردية تجسيد دور الضحية كنت أتعاطف معها بشكل أو بآخر، عدا أني أمقتها الآن؛ الحياة كفيلة بتعليمنا هذا الدرس القاسي شئنا أم أبينا. 
ولكن.. والحق يقال.
ما بين السطور وجدت الحكمة في بعض المواقف.

أحدها عندما قالت بلسان عزيز: " القدر يبعث بإشارات إلينا، إشارات مبهمة، مبطنة ومخفية.. لذا علينا أن نكون يقظين طوال الوقت وألا تتجاوزنا الإشارات التي تمر بسرعة كالنيازك؛ لأنها لن تعاود المرور بنا إن تجاوزتنا بدون أن ننتبه إليها "
أي معرفة تتطلب منَّا فهم هذه الإشارات؟ أو أنها تأتي وليدة اللحظة في توقيت حاسم عبر تغريدة عشوائية أو أغنية غير مختارة ضمن الأغاني التي تأتي تباعًا بعد الانتهاء من الأغنية المسموعة، أو لعلها سلسلة من الأحداث المتكررة ولكن نغفل عنها مثل عدم توفيق أو فشلٍ في علاقة ما؟! 
بالنسبة لي فهم واستيعاب إشارات القدر أصبح يؤرقني كموضوع فلسفي وليس مجرد نص ضمن رواية رومانسية!
ومما يدل على صعوبة الفهم هي العبثية التي استكملت بها جمانة النص:
" كنت أجفف دموعي حينما وقعت عيناي على لوحة إعلانات مرتفعة ومضاءة، كتب عليها..
You may go Alone with the right road and he may take the left one, but after all, the two roads could meet at the same point! .. شعرت وكأنها رسالة القدر إليَّ يا عزيز، كأنها الإشارة التي حدثتني عنها والتي تؤمن بها، غمرتني السكينة، شعرت وكأن أعصابي تمددت، وبأن مساماتي الصغيرة تفتحت وعاودت التنفس" انعطفت عن الطريق وعادت إليه!
فهمها لإشارة القدر جعلتها تستكمل المخاطرة ووعورة العلاقة التي كانت ومازالت متشبثة بها! 
فهل إشارة القدر أنصفتها وقتذاك؟! الأمر مربك جدًا بالنسبة لي، ومع ذلك أؤمن بأن إشارات القدر ينبغي أن نقف عندها ونعمل بها دون أن تمر علينا مرور الكرام.

الحكمة الثانية، هي في الحب الذي يجعلنا نتكبَّد ألم تغيير من نحب، إصلاحه رغم عيوبه وأخطاءه.
وهنا أتساءل: ما الحد الذي نصبح عنده عاجزين عن إصلاح من نحب؟ بمعنى أدق، كم عدد المحاولات التي يجب أن نتوقف عندها في حال كان إصلاح من نحب هو أمر يفوق طاقتنا أو ربما لا نجدي له حلًا أو سبيلًا؟
لدي قناعة راسخة بأن الحب يغيّرنا، يجعلنا منساقين للمحبوب في اهتماماته وطريقة تفكيره، وأسلوب حديثه؛ ولذا يقال: " بأن العشُّاق يتشابهون، في ذروة الحب يتشابهون، يتحدثون بالطريقة ذاتها، ينظرون إلى الأمور من خلال المنظار نفسه "
الحب أيضًا يجعلنا نصبر، بل نتجرَّع مرارة الإصلاح بحسب علاقتنا مع المحبوب كيفًا وكمًا، كيفًا فهي الطاقة التي تدفعنا للتغيير لأجله، من باب الطبع من التطبّع! أو ربما حبنا يجعلنا نتنازل وأن نتغيَّر برضا تام وليس بإملاءات وشروط استكمال العلاقة، وكمًا هي في المحاولات التي نستميت بها في سبيل التغيير والمحافظة على من نحب، لا يوجد حب دون تضحية وتنازلات ووجع؛ الحب هو رهان نراهن عليه في المحبوب لأجل سعادتنا ومحافظتنا عليه وبناء أهداف وغايات عظيمة في المستقبل.
من يحب يجب عليه أن يدفع ثمن هذا الحب، ولولا ذلك الثمن لكانت العلاقة هشة، ضعيفة لا تمتلك أساس متين للاستمرارية، مثلما قالت جمانة: " أعرف بأن هذا هو جزء من مشكلتي معك، أخشى الابتعاد عنك، أخشى الحياة من دونك، حاولت الابتعاد لكنني لم أتمكن من ذلك.. نار قربك أخف وطأة من نار بعدك يا عزيز، قلبي يستعر بعيدًا عنك ويتلظى بجوارك! أي حب موحل هذا الذي علقت به! ".
دون التضحية ودون الحب فالعلاقة وإن بدت في الظاهر قوية إلا أنها ستنكسر لاحقًا أو سيبحث أحدهما عن بديل يؤمن بالحب، بالتغيير وبالإصلاح الذي يستحقه المحبوب؛ مثلما فعل عزيز فعلته التي لا تغفر وغفرت له!

الحكمة الثالثة، الحب نصيب والاستمرار فيه قرار.
لا نعلم متى نحب ومع من نحب إلا في حالة ازدحام الأفكار.
وحده صوت القلب ينطق بالكلمة في حين يخفت صوت العقل.
لا معايير، لا مقاييس هكذا يدق باب قلبك فجأة.
بالمناسبة.
لقد أخطأت؛ هذا ليس بحب، هذا هو الإعجاب.
الحب هو المرحلة العميقة والصعبة والذي يمر ضمن مراحل متدرجة للوصول إلى هذا المعنى.
لا يمكن أن تحب من أول مرة، وعبارة الحب من أول نظرة، ليست إلا مبرر لتجاوز هذه المراحل والوصول إلى الحب بكل سذاجة ويسر؛ الحب هو انعكاس لشخصياتنا التي نريد تجسيدها واحتياج لرغباتنا التي نريد تحقيقها.
كيف لها أن تحب عزيز وتغفل عن حب زياد لها؟!
" لا أعرف كيف يجذبني نقيضي إلى هذا الحد بينما شبيهي ناعم رقيق إنسان إلى أقصى درجة! " هكذا تقول هي عن زياد!

لم انتهِ من الرواية بعد.
لياقتي الذهنية أو بتعبير أدق في القراءة ليست كما كانت من قبل.
لعلي في يومٍ من الأيام أكملها أو تكون هذه بدايتها وخاتمتها. 


ليست هناك تعليقات: