السبت، 21 سبتمبر 2019

من كان شيخه كتابه!

كنت أتجول في معرض الكتاب.
جولة امتدت لساعات وساعات.
من زاوية لزاوية ، وكتاب لآخر.
كنت حينها متربّصا لكل فعل. منتبها لكل حركة.
الكتب الحديثة ، والعتيقة.
نمط القرّاء وسلوكياتهم؛ كيف يقرأون؟ ماهي المدة التقريبية لكل كتاب من بداية أن يقع على عينيه ويتفحص المقدمة حتى انتهاءه؟
من هو القارئ النبيه ومن هو من أدعياء القراءة؟ هل القراءة تمثل إليه ممارسة حقيقية أو فعلا هامشي؟
حتى الإضاءة الباهتة في الرواق الثالث عشر كانت لها نصيب من تلك الملاحظة.
الأمر لم يكن يستدعي نباهة عالية ولكن الجو المحيط والتجمّع البشري الهائل هي من حفّزتني على تقمّص دور النبيه.

الجولة لم تكن لتنتهي بشكلها الطبيعي الممل حتى باغتني أحدهم وبيده كتاب.
كان الكتاب للمفكر العلماني علي الوردي لإحدى كتبه الناقدة " مهزلة العقل البشري ".
تحدثنا طويلا عن ماهية العقل، لاسيما العقل العربي.
الايدولوجيات المصاحبة، العادات منذ الولادة حتى الممات والتفكير الجمعي المغالط.
مررنا بالذكر عن محمد عابد الجابري في سلسة كتبه عن نقد العقل العربي ، والآخر جورج طرابيشي عن نقد نقد العقل العربي.
وآخرون قد جعلوا من الكتابة سببا فاعلا لنقد ما يمكن نقده تحت أي طائل.

كان مغريا في انتقاء مفرداته. جلّيا عليه بأنه قارئ من العيار الثقيل.
كان لذيذا وملفتا عندما يعيد تكرار مفردات مثل : أيدولوجية، بروليتاريا واستقراطية وهلم جرّا ..
أربكني في بدايته حتى ابتسمت في نهاية الحوار.
الأمر الذي جعلني فيما بعد أدرك مدى فضاعة شأنه وسطحية أفكاره.
ماهي إلا أفكار مستهلكة قد تم تداولها من قبل ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بقرون عدة.
منذ أن أخذ سقراط الفيلسوف الأبرز من فلاسفة أثينا على عاتقه مجابهة السفسطائيين في تعريف الأخلاق والايدولوجيات.

الحديث عن الأفكار والسلوكيات المجتمعية ونقدها من الأحاديث التي تندرج ضمن باب الترويح عن النفس.
التنقل من فكرة لأخرى ، من كاتب لآخر.
لأصل فطري بشري عن التحدث بالشرور في حال عدم الاستطاعة لفعل شيئا ما.
لممارسة السياسة على أبسط أوجهها.
ناهيك عن الخوض في أحاديث التربية الشأن الذي يجيده كل البشر. وأعني حرفيا الكل بمختلف الأعمار والتجارب.
حتى أصبحت لاحقا من العموميات.
الذي تستطيع من خلاله أن تفتح حوارا ما أو لكسر حالة الجمود عند مجموعة من الغرباء.
ما لا يجدر على قارئ نبيه أن يحذو حذوه هو بأن القراءة وحدها ليست كافية بجعلك شخصا متفردا وأكثر وعيا من غيرك.
ولذلك استوعب أحد الحكماء القضية اللامنتهية وأخذ يقول : " من كان شيخه كتابه .. كان خطؤه أكثر من صوابه "

ليست هناك تعليقات: