الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

المدرسة العقلانية

في زمن تفشت فيه العقلانية وتجاوزت الروحانية،، حتى أصبحنا ماديين غير مدركين لحكمة القدر.. ذاك يعترض قلة رزقه وآخر يندب حظه العاثر وجميعهم ينتمون إلى نفس المدرسة " مدرسة اتّباع الهوى ".

العقل أو نمط التحليل العقلاني هو صورة من صور التفرد الإنساني عن كافة الكائنات.. ومتى ما كانت غاية الإنسان في الحياة بعيدا عن الاستيعاب الروحاني الكامن بعبارة "ومن يتوكل على الله فهو حسبه.." الآية، يصبح فيما بعد مجردا عن امتيازات التفرد بل والابتعاد عن أحد أركان الإيمان وهو الإحسان؛ فإن كان يراك فهو أعلم بما يخفيه صدرك .. هو أرحم وأكرم من أن تبذل الأسباب الحسية في التفكير العقلاني تاركا عناية الله لك.

ربما تكون من النمط العقلاني وتمتلك الشجاعة لتبرير حالة فشل ما وهو بطبيعة الحال تفكير الحكماء في تصويب الخطأ فيما بعد.. المبالغة في ذلك يجرك إلى منحى مختلف عمّا يجب أن يكون، يبعدك عن تلمّح تلك الروحانيات وأنها أمر نابع من القدرة الإلهية ولا سبيل لتغيير ذلك النظام الكوني بتفكيرك الواعي!

سوف تصاب بالحيرة حال خوضك في معترك التساؤلات العقلانية.. ستنكر أمور لا يجب عليك أن تنكرها، وسوف تجلد ذاتك بطريقة لا تليق بكونك خليفة الله في الأرض.. في نهاية المطاف ومن حيث لا تعلم ؛ هي سبب فشلك.

المدرسة العقلانية تسعى لتخريج أفراد بائسين يائسين عن منظومة النمط الإسلامي المعتدل أو " مدرسة النمط الأوسط " في كيفية تفعيل العقل والمنطق متجاوزا قال الله وقال الرسول .. نتفق بأن من الأحاديث المتداولة متباينة في صحة ناقلها وربما في عقلانية صوابها من حيث المعنى والمغزى ولكن لا يجدر بمسلم مهما بلغت به القدرة التحليلية من دحض تلك الأحاديث لكونها لا تلائم عقله الخصب وكان من الأجدر به التريّث والنظر من زاوية مختلفة تلائم بما يسمى مقاصد الشريعة أو التسليم تجنبا للشبهات على أقل تقدير.

المنتمين للمدرسة العقلانية أدركوا جيدا فلسفة المعلم إبليس في صياغة محتوى جيّد يعجز عنه الجميع عدا الصامتون.. تلك الفلسفة العقلانية هي فتنة التحريش فيما بين المسلمين ..
إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم. الحديث
نهاية السطر: حكّم عقلك جيّدا تجاه كل شيء وعن كل ماينشره الرويبضة .. حكّم عقلك تجاه ماينفع الإسلام واحذر التحريش. 


الخميس، 21 ديسمبر 2017

أين تجد نفسك بعد 5 سنوات؟!

أثناء وجوده في الركن البعيد من الغرفة .. على الكرسي المتهالك والطاولة المتآكلة أخذ الورقة البيضاء النقية بتبلّد واضح وبيده قلم ، قيل له الآتي : أكتب أين تجد نفسك بعد 5 سنوات؟

عادت ملامح التبلّد من جديد ولكن بشكل أوضح إذ أن السؤال كان صاعقا حيث لا جواب فيه. برزت تقاسيم وجهه وزادت حركته انفعالا نظر إلى الأعلى إلى الإضاءة .. كان ينظر إلى الفراغ مكررا عبارة : كيف يستطيع الإنسان أن يرى نفسه بعد سنوات من الآن؟ كيف يتكهن للمستقبل؟ ماهي الخلافة؟ من هو خليفة الله في الأرض؟

زادت الحيرة عما كان مسبقا ، نظر إلى عقارب الساعة وبدأ بالعد 48-49-50 علّها تعيده إلى تفكيره السابق إلى إجابة السؤال ؛ عدّ دقات القلب في الدقيقة الواحدة يتراوح مابين 60-90 نبضة . ما الفرق بين عدد دقات القلب وعدد نبضات القلب؟!
لمعت في رأسه الفكرة ، بادر في طقوسه الكتابية بداية من رسم حدود للصفحة وصولا إلى الأركان الأربع ثم إشارة سهم على كل زاوية تعلن عن وجود نبأ عظيم.

بادر بالكتابة :
تأتي من حيث لا تعلم .. تترقب الفرصة تتربص الحيلة وربما تخوض في النوايا لأجل أن تثبت ضعفك أيها النبيه وتتغافل عن كونها أقدار من السماء.تتصنع البهجة لتصنف على أنك شخص سوي واعتيادي ضمن حياة الآخرين دون أن تعتريك مخاوف الدونية أو اللا-طبيعية وتتناسى بفعل الطبيعة أنك الإنسان أنك الخليفة في الأرض لا السماء.

مستوى الأفكار .. انتقاء المفردات .. أسلوب الطرح .. نمط العيش واختلافك عن الآخر .. هي من تحدد ماهيتك كإنسان مستقل عن الكائن الآخر. ربما ترغب أن تبتعد عن التصنيف، لا تستهويك تلك المسميات الفارغة والمناصب الزائفة. إنما أنت من القلائل ممن يتشبث بالحياة المثالية المتمثلة في نكران الذات ونقم المجتمع.

تدني مستوى الطموح تتجلى بوضوح مع ثورة الصناعة والتكنولوجيا، تبدأ من التباهي بالمظاهر إلى حب الظهور إلى التصنع والتزيف ثم التزلف حتى وصل الحال إلى أن سبيل بناء العلاقات تتطلب تقنيات أبعد ماتكون متمثلة عن جوهر الإنسان وحقيقته الكامنة في الحب لا ارتداء الأقنعة.

تلك الحياة الروتينية الساذجة المشبعة بالآمال والطموحات لا تفضي إلى مدى وعيك أو حسن اطلاعك بخفايا الأمور ،، والتاريخ من حيث هو كما قال ابن خلدون " في ظاهره لا يزيد على أخبار الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها، وعلم بيكفيات الوقائع وأسبابها "؛ كان لعمر ابن عبدالعزيز نفسا تواقة إلى الخلافة ونالها، وتاقت أيضا لمعاوية ابن سفيان ونالها كذلك!

كان في مجلسه مايقارب 1500 نفرا بين طالب وعالم ينقلون عنه الأحاديث ومختلف العلوم، دون أي سبب يذكر اختفى عن الأنظار واعتزل الناس .. مكث 13 عاما وحيدا كان نتاجه كتابه العظيم " إحياء علوم الدين ". عاد إلى قريته بعد ذلك معلّلا سبب خروجه: أصابني العجب فذعرت من عقاب ربي فتنحيت عما كان محببا إلى قلبي! .. لم يكن حجة الإسلام الإمام الغزالي ذا طموح ولكن ذا قلب صادق .. كان إنسانا وعليه أجد نفسي إلى الممات.

نهاية السطر : لا بأس أن تكون ذا طموح ولكن إحذر طول الأمل.




  

الجمعة، 15 ديسمبر 2017

تساؤل


قضى مضجعه ليلا ، باكيا حانيا متوسلا إلى ربه أن يزيح همه ، أن يبعده عن تلك التساؤلات المريبة الغريبة التي تستقر العقل والوجدان فتصيبه الحيرة وما ألم الحيرة بشيء دون أن يجد الهوية في مغزى ذاك السؤال.

استمر على جلسته تلك يائسا بائسا من هول السؤال ، بين الأمل الواسع والرجاء الخائب كانت دعواته خالصة تفيض بالدمع .. بكى كثيرا تبسّم قليلا في حالة مزاجية مروّعة لا يعلمها إلا الله.استطرد في ذكر أسماء الله الحسنى التسعة والتسعون في سبيل طرد تلك التساؤلات وجلب النعاس ولكن دون جدوى، وبينما هو يترقب بصيص الأمل المفقود من النور المنشود ، إذ بخيوط الشمس قد انسدلت بنبأ قدوم يوم جديد لنهار منبثق لذيذ استذكر فيه أولى إشارات الإجابة من علامات الرحمة و العناية : عش في الدنيا كعابر سبيل.

للحظتها .. فنّد أطروحاته وأفكاره ، قراءاته وتجاربه ،، إسهاماته وكتاباته .. باحثا عما يعزز إيجابياته وثقته بإنجازاته ولكن
 ساءه حاله عندما لم يجد ما يصبو إليه ؛ كتب ماشاء الله له أن يكتب ، لكن أبعد مايكون عن مستوى طموحه ورغباته.


استهلّ صباحه المعتاد بكوب قهوة وكتاب ولكن لم يكن على الرف أو ضمن قائمة كتب الشهر وإنما حرص على ابتياعه من ذكرى أصابته يوم أن أدرك معنى الحب. كان ساذجا طيّبا وديعا غير آبه بالعواقب المترتبة عليه حال دخوله ذاك النفق وذاك المعترك اللذيذ. أصيب فيما بعد بخيبة أمل بأنها ما كانت إلا تجربة مثرية تلامس جانبه الهزيل من استدراكه لحقيقة إحتياجه إلى مغامرة تفضي لإشباع فضول قد اعتراه في عمر زمني ما.
ربما هو الفراغ .. أو اللامبالاة. لم يكن العمر الزمني يوما دليلا حازما على ارتكاب بعض الحماقات.
ربما مسار الحكمة يكون بالتجربة تارة، وتارة أخرى بالقراءة والمطالعة!

لم يكتف عن طرح الأسئلة الملتوية ، بمجرد طرح تساؤل يتبعه آخر دون كلل أو ملل.


من هو الإنسان؟ ذاك هو التساؤل.




الجمعة، 8 ديسمبر 2017

إسراء

كنت حينها منغمسا في طقسي الخاص لممارسة عادة القراءة ،، لم أكن بمزاج يستدعي الكلام أو الخوض في حوار .. حتى باغتتني جميلة الجميلات طفلة تدعى إسراء.

قبّلت يدي احتراما، قبّلت بدوري وجنتيها محبة وعطفا.. رغم أنها تعلم بعزلتي القاتمة ومزاجي العكر إلا أنها تدرك بفطنتها محبتي لها وضعفي أمامها تحت أي طارئ. تفحصت الكتب المتناثرة على الطاولة الخشبية، كوب القهوة البارد وصفحات بيضاء خالية.
تشاهد ما أفعله وما أكتبه من تمحيص وتدقيق لكتابة نص. لم يعجبها الانتظار كثيرا ،، وقفت أمام الطاولة واضعة رأسها على راحة كفيها وهي تنظر إليّ مباشرة في دلالة واضحة بأن لديها ما تحكيه، ما إن أعدت ترتيب أوراقي وطريقة جلوسي، حتى بادرتني بسؤال: متى يا خالي أستطيع الكتابة؟

لم أتفاجأ بهكذا سؤال.. يذهب إلى منحى البديهيات، في الحقيقة لست من هواة اختزال التعاريف ولست كذلك ممن ينتقي مفردات موسيقية تلامس الفص الأيمن من الدماغ للإجابة عن كيف ولماذا و متى نكتب.. في حال لو افترضنا جدلا بأن الوقت أو السؤال بمتى هو رهن إشارة الوعي اللازم للكتابة الناجحة؛ كما لو قلنا مثلا بأن عمر 33 هو عمر الرشد. ألم تتجلى عبقرية العقاد وأثبت حقيقة عبقريته في سلسة كتبه العبقريات وأهمها كتابه عبقرية محمد الذي كتبه بعد ثلاثين سنة؟!
ولذلك أجد نفسي مجبرا لأن أعيد صياغة السؤال: ماهو معيار الكتابة الناجحة أو بعبارة أخرى ماهو معيار جودة الكتابة؟

لا توجد معايير فعلية سوى مجموعة من القيود إن صح التعبير ولكن المعيار الأهم هو بتفعيل محرك الكتابة؛ وجود الهم وأن تكتب لنفسك فقط. ربما تتسائل معي .. عن ماذا لو لم ترفض لو سالومي الارتباط العاطفي لا العقلي من نيتشه؟ أو ماذا لو تزوج قيس حبيبته ليلى؟!

احضتنتها طويلا ، أخبرتها بأن الكتابة هي فعل شاق ومنهك جدا شريطة أن يكون المقصد هو ثمرة عظيمة ونيّة صادقة خالصة يتناولها الأجيال والأحفاد فيما بعد، ربما لا يعلم عنك الكثي، ربما تواجهك الإحباطات وخيبات الأمل، لكن متى ما أدركتي بأن الكتابة هي تعبير صريح وواضح عن انتشالك من الحالة النفسية السيئة إلى شعور نقيض .. هنا بتلك اللحظة يكون جوهر الكتابة.

كتبت فيما بعد عبارات سلسة ذات كلمات عميقة .. أدركت جيدا بأنها مشروع كاتبة.



الجمعة، 1 ديسمبر 2017

القطيع الضال

عنون الشاعر محمود درويش أحد قصائده العميقة ب " لا شيء يعجبني ".
في حين بدأ دوستويفسكي روايته مذكرات قبو " أنا رجل مريض .. أنا رجل شرير.. أنا بالأحرى رجل منفّر.
أصبح بعيدا عن العالم الساذج والإدراك الحسي بفقدانه عقله قبل وفاته ؛ إنه نيتشه.


هكذا هم العظماء في طريقة سيرهم ونهجهم نحو الكتابة .. من يكتب لأجل أن يحاول شرح حالة مستعصية ما في داخله .. من يداعب الأفكار من يجعلها غاية وجوده .. من يقاد إلى فعل الكتابة انقيادا ثم يخرج لعناته وجموع غضبه عبر كلمات حية يتنفس بها و يعيش على أثرها من ينتمي إلى تلك الفئة القليلة من العظماء.

كتب المفكر الإسلامي العظيم عبدالرحمن الكواكبي كتابه الجدير بالقراءة قبل قرن من الآن بعنوان " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " وذكر مصطلح سياسة تجهيل الشعوب. في حين ذهب المفكر الأمريكي وعالم اللغويات نعوم تشومسكي إلى مصطلح القطيع الضال والقطيع الحائر ، وفنّد أطروحاته المثيرة للرأي العام والسياسة العامة في عدد من اللقاءات على خطر وسائل الإعلام في كونها وسيلة لمخاطبة العقل اللاواعي والتأثير عليه من ناحية التزييف وإلغاء دور النقد بالمقابل.

الزخم الدعائي المشهود في السنوات الأخيرة يشير إلى دور صنّاع القرار ليس من السياسيين فحسب كما هو في الماضي بل من المؤثرين والمشهورين ومن لهم منفعة مباشرة أو غير مباشرة والضحية في نهاية الأمر هو الشعب الساذج والقطيع الحائر والضال.
لا يختلف كائن عاقل ميزّه الله بالعقل على تأكيد مدى تخلف المجتمعات الحديثة بسبب عوامل بديهية أترفّع عن ذكر تفاصيلها لأنها لا تضيف للمحتوى وإنما مزيدا من الكلمات فحسب ، والوعي بدوره أصبح مهددا إلا على من رحم ربي .. ومعيار وعي الإنسان يختلف من زمن لآخر. سابقا كانت الكلمة متداولة في الصحف العامة عند عامة الشعوب والجميع كان قادرا على أن يكتب وينقد ويفنّد آراؤه وأطروحاته الفكرية والسياسية والاجتماعية ولا ضرر عليه أحيانا ، ولا ضرر على المجتمع في برهنة الحجة بالحجة وتوسيع نطاق الرد والاستجابة طالما كانت الحرية مؤاتية للجميع وكان معيار النقد هو العقل البشري لا النقل الحيواني (الببغاء). في حين أن معيار الوعي الحالي كما أتصوره أن يكون هو بأن تحفظ عليك لسانك وعليك بخاصة نفسك .. الحديث

الإنسان جزء لا يتجزء من تكوينة ذاك المجتمع ، يتأثر بتأثره من خلال القوة أو الضعف على نطاق شمولي واسع ثم على نطاق ضيق قائم بالأسرة والتربية ، ومتى ما كان المجتمع بكلا النطاقين هزيلا أصبح الفرد كذلك.
مرض المجتمع ومرض الشعوب نتاج مغالطات سلوكية وتربوية ولو أردنا التعمق لقلنا بأن الأزمة كذلك هي أزمة ثقة وخلط مفاهيم وتمحورت حول المثل الشعبي القائل: " اللي ماله كبير يشتريله كبير "!

تعزو بعض المفاهيم النفسية إلى ربط شعور العظمة أو الأهمية أو أيّ مسمى يدعو لتضخيم الأنا؛ بكثرة الإنجازات دون التطرق إلى كيفية حصاد تلك " الإنجازات " ؛ إن كان بكثرة المال أو المناصب والكراسي فبئس الإنجاز ذلك وبئس العظمة تلك، ناهيك عن ارتباطها المباشر بالمظاهر الخارجية.
شعور العظمة هو شعور ملازم لكون الإنسان مستشعرا كونه خليفة الله في الأرض و متأصلا بفطرته السليمة بعيدا عن الشوائب الناتجة من التطبع بطباع المجتمع من حيث الإعتراف و التأكيد على سذاجة الشعوب أو القطيع الضال.


سوف تأتي جماعة أعرفها جيدا وسترفض مثل هذا النوع من الكتابة جملة وتفصيلا، ثم تقول بالنص : لماذا الفلسفة؟!
وجوابي إليهم : سيداتي سادتي " الإنسان مجموع تجارب وسلوكيات وقراءات يخطئ ويصيب والأهم من هذا وذاك ؛ النوايا على الله "