هي اللحظة الصعبة التي
أفعل فيها كل شيء لا إرادياً.
أترك ما بيدي، أختلي بنفسي، أحبس دموعي وأبحث عن صفحة فارغة لكتابة هذه السطور؛ حال
سماعي لنبأ وفاته.
رحل علم الأمة.
شيخها وكبيرها.
معلمها ومربيها.
رحل الحبيب أبوبكر العدني بن علي المشهور.
أعود بالذاكرة إلى العام 2017 لشهر نوفمبر وحسب. لا أذكر اليوم بالضبط.
عندما أخبرني عبر رسول له بأنه يود لقائي في منزله العامر بجدة.
لم أزره من قبل.
كنت لا أعرفه حق المعرفة؛ عدا مؤلفاته التي قرأت بعضها.
حجز لي تذكرة لأسافر بها جواً من الدمام، اختصاراً للوقت وتقليلاً للجهد والتعب.
ما إن وصلت بيته إلا واستقبلني استقبال الأب لابنه، استقبال المريد لتلميذه النجيب.
وما أنا بالنجيب و لا النبيه دون توفيق الله ثم مباركته.
لم تكن مجرّد مباركة فحسب.
احتوى الطاقة الخفية التي لم أعلم عنها.
حفّز الإبداع الذي بداخلي.
كان ملهماً، صبوراً ومربياً للأفكار الكثيرة؛ قبيحها قبل حسنها.
أعاد توظيفها مجدداً.
بالحجة السليمة والمنطق الواعي.
أجاب على تساؤلاتي بابتسامة، تحمّل تمّردي نحو المسلّمات.
لم يسأم، لم يمل.
انطلقنا نتحدث عن المفاهيم الشيوعية، الأفكار الاشتراكية، العلمانية ...
ودورنا كمسلمين بل كمدرسة تنتمي للمدرسة الباعلوية من ضرورة التأليف والدعوة إلى
الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقبل أن أرحل حتى أهداني عباءته، ورسالة وظرف.
فأما العباءة فلازلت أحتفظ برائحتها كما استلمتها تماماً.
وأما الرسالة فكتب فيها بخط يده:
بين الهوى والهوية قرأت عين القضيّة
وجدت نفسي وذاتي بين السطور
النديّة
قد أولدت من جديد وعياً
وذوقاً ونيّة
أسدي إليها منها خلاصة فدعقيّة
مجدداً ومضيفاً قلائداً
معرفيّة
عندي شعور عميق براحة معنويّة
تشير أنا سنمضي على الطريق
سويّة
لخدمة الدين حقاً ومنهج العلويّة
نضفي على الوعي روحاً يحي الفروع
السنيّة
والعصر عصر حريّ بهمة هاشميّة
تبني جدار المعالي برؤية عالميّة
جوزيت خيراً عميماً وجزت أعلى مزيّة
(بين الهوى والهويّة) هو اجتهاد لمؤلف كنت قد شاركته إياه يتحدث عن عادات وتحديّات وممارسات السادة الباعلويّة بين الماضي والحاضر.
وأما الظرف فكان بداخله المال.
المال الذي شجّعني على استثمار نفسي وعقلي.
لم تكن تلك الزيارة الأولى ولا الأخيرة.
لحقها فيما بعد عدة لقاءات وزيارات واتصالات.
ولم أكن أنا هذا الشخص اليوم مما حباني الله به من فضائل ومميزات دون معيّة
مباركته واحتوائه ودعواته.
رحم الله العِلم العَلم الشيخ المربي أبي بكر المشهور وأسكنه فسيح جناته مع
الأنبياء والأولياء والصالحين.
ونفعنا به في دار الدنيا والآخرة.
أصابني اليأس ذات مرة .. حاولت أن أتجاوز العثرة .. صارعته ناكفته حتى اعتدته.. تملكني ردحا من الزمن حتى أصبحته .. أنتمي فعليا إلى المدرسة السوداوية!
الأربعاء، 27 يوليو 2022
في رثاء المربي المشهور
الاثنين، 25 يوليو 2022
استراحة محارب
كان عالمه يتمحور حول
نفسه.
لم يكن أنانياً، وإن فهمت العبارة من هذا المنطلق.
ليس لديه أصدقاء، بل زملاء.
لديه أفكاره الخاصة؛ حسنها وقبيحها.
كان يتمتع بتعلّم الأشياء الجديدة.
يستمتع بالمعلومات الحصرية التي تثري عقله وتنير زاوية تفكيره.
معلومات ذات أهمية وأثر، وليست التقليدية أو المعتادة.
كما لديه ذلك الغموض المثير.
من الإنصات بنوعيه: الحكيم أو المفتعل.
هذا النمط من الحياة ولّد لديه الروتين اليومي الكئيب.
عند الجميع إلا هو.
تكون هي أحلامه.
تملأ الفراغ الذي بداخله.
تتغيّر حياته وروتينه.
وتصبح هي كل شيء.
العالم الذي يتمحور حولها ونفسه.
على الرغم من الصفات النبيلة التي يمتلكها.
الصفات التي يحلمن بها الفتيات.
التفهم، الكرم والاحتواء.
والكتابة.
إلا أنه كان ساذجاً بطريقة تستدعي الغرابة.
على الرغم من ذكائه في تحليل الأمور، تلك التي تبنى على معطيات واضحة أو فرضيات غير مثبتة.
إلا أنه كان جاهلاً في طريقة تعامله مع النساء.
استند على المنطق.
مع الكائنات اللطيفة، الخفيفة والعاطفية.
حتى فقدها في نهاية المطاف.
كتب إليها رسالة.
لم تكن إلكترونية بل خطّها بخطّ اليد.
سأل فيها بعجب:
ما الذي دفعك للرحيل؟
ما الذي قصّرت فيه معك؟
أ لم تكوني عالمي الذي أتمحور فيه؟
وأسئلة كثيرة سئلت بغضب.
حتى جاء جوابها في صفحة واحدة.
الصفحة ذات المقاس الملائم لحجم الطابعة.
وكتبت:
حاولت، ولكن الحمل كبير ولم أستطع تحمّله.
ليتك وعيت بأن لكلٍ منّا مساحته الخاصة.
عجزت أن أكون المحور الذي يتشّكل به عالمك.
خسرت الكثير؛ آمل بأن لا أخسرك.
كانت مختصرة لكن مباشرة.
ثم أرادت أن تأخذ طابعه في الرسالة.
في الحقيقة أرادت أن تستمر هذه المراسلات:
ما رأيك لو كان غيابي ما هو إلا استراحة محارب؟!
استراحة نعيد فيها بناء أنفسنا، أولوياتنا ونجدد فيه الحب؟!
وكان لها ما أرادت..
الأربعاء، 20 يوليو 2022
الثلاثيني العقلاني
اليوم..
أنا في الثانية والثلاثين من العمر.
أكتب كل تاريخ 20 يوليو من السنة الكاملة.
أقرب ما تكون إلى عادة سنوية في يوم الميلاد.
عدا أن هذه المرة ليست كمثلها من السنوات الماضية.
سابقاً - أي السنة قبل الماضية - كان الأمر يستدعي معه الكتابة البائسة واجتذاب الأفكار اليائسة.
بطبيعة الحال؛ نتيجة عدم تحقيق الأهداف التي عزمت على تحقيقها في تلك السنة.
وأقصد بها الهجرية.
فهي تبدو أكثر اختلافاً.
أشد وهجاً. طمأنينة وسكينة.
من الناحية العملية في بدايتها والزوجية في آخرها.
اليوم..
بقاموسي تتغيّر فيه ضمائر اللغة.
كنتُ "أنا" في معظم الوقت، جميع الأيام.
أما الآن، فلا أجد متسع لضمير المفرد "أنا"
ضمير "نحن" هو السائد فقط.
ارتبطتُ بأنقى قلب وأطيب روح.
هاشمية. تحمل جينات أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم)
تتمتع بخصوصيتهم من الطباع والتربية.
كثيرة الحياء ومدركة لخصائص علم النفس.
هي أنثى النفس والعقل.
أجد نفسي مضطراً بعد كل هذه السنوات بأن أبوح بأمر مهم عبر قراءاتي البسيطة واستماعي لتجارب الآخرين ساهمت بخلق هذه القناعة.
لا وجود لقطار العلاقات.
لا وجود لمعنى تأخر الوقت.
ولو على سبيل التعبير المجازي.
هي أقدار يسوقها الله لنا من حيث جودة العلاقة.
هو توفيق إلهي ثم حسن اختيار.
الوعي في ترتيب الأولويات.
الرهان دائماً على التربية والأخلاق النبوية.
أنت لا تعلم متى يحين ذلك اليوم.
لكن يجب في حينها أن تتعلم فضيلة الصبر.
أن تصبر بحكمة عالية.
ألا تمتعض، ولا تعترض.
أن تثق بحسن اختيارات الله لك.
وقتها ستكافئ مكافأة لن تجد أفضل منها أبداً.
أخيراً..
وهنا أتكلم من واقع تجربة حقيقة وأحداث مستمرة حدثت لي.
متى ما تيسّرت الإجراءات ولو كان في ظاهرها العسر والمشقة؛ فهي إشارة قدر بالتوفيق.
بالتسهيل.
بحصول السعادة والبركة.
وينبغي أن تعاهد الله بدايةً ثم الشهود:
على الإخلاص.
على حسن العشرة.
على الالتزام بخارطة طريق للدنيا والآخرة.
السبت، 16 يوليو 2022
الحاجة للحب
أكتب لنفسي رسالة.
أعتقد بأنها من ضمن أصدق الرسائل التي أكتبها لنفسي منذ فترة طويلة.
عن مشاعري التي فقدت بريقها، وهجي الذي اعتدته.
تألقي مع تحديات الحياة والتفاعل مع ظروفها.
أصبحت أكثر انعزالاً، انزواءً عن الآخرين.
أكثر خوفاً لاتخاذ قرارات شجاعة.
حتى اهتماماتي أصبحت أكثر بلادة.
لم أعد اقرأ بنهم.
لم أعد أكتب بحب.
أنا فعلاً افتقد الحب.
شاهدتُ بالأمس.
فيلماً تركياً ذو رسالة هادفة لكنه أيضاً كوميدياً من الدرجة الأولى.
عن (عزيز) الأعرج، غير القادرعلى تحمل مسؤوليته بنفسه.
وهو يرى أخوانه الخمسة يتزوجون واحداً تلو الآخر، والمفارقة العجيبة بأن فتيات
القرية ولابد وأن يكون بهما عيب ما.
عيب ظاهر بطبيعة الحال.
أحدهما حولاء، الأخرى بأسنان معطوبة وهكذا..
عزيز في نهاية المطاف يرتبط بفتاة من قرية أخرى.
فتاة يحلم بها أخوانه الخمسة.
ويحدث أن تحصل تلك المنابزات، المضايقات من أخوانه والزوجات نتيجة الغيرة. فبدلاً
من أن تحدث بينهما المشاكل. اضطرا للرحيل عن القرية.
تركا كل شيئاً خلفهما ورحلا.
بعد 7 سنوات.
يعود عزيز ومعه طفل وطفلة وزوجته الجميلة الصابرة.
يعود عزيز بحلّة جديدة، وبشكل آخر.
عزيز غير عاجز كما كان في السابق.
وينتهي الفيلم بنهاية سعيدة، وعبارة أصيلة.
يسأله أهل القرية: هل أجريت عملية جراحية؟
ويجيب: لا. لقد وقعت في حب زوجتي!
بالمناسبة أحداث هذه القصة حقيقية.
أفكّر الآن بعد أن هدأت ثورة أفكاري.
بأن الحب بطريقة مباشرة ينتشلنا من شخصياتنا المظلمة.
يعزّز فينا الثقة.
ينير لنا الطريق، والحياة.
مهما بدت معالم الحب غير متقينة.
من التردد عن كلمة أحبك وأثرها على النفس والجسد.
إلى الاعتيادـ.
إلى اليوم الناقص دون أن نسمعها فضلاً عن أن نعيشها.
قد تبدو هذه النظرة أقرب إلى العودة لمرحلة المراهقة؛ مرحلة أن نتعاطى الحب ثم
نكتفي عند القدر المعين من الإشباع العاطفي.
الحب واحد.
من الطفولة إلى الشيخوخة.
والحب ضرورة في مطلق الأحوال وجميع المراحل عدا أن الفرق عند الإنسان الواعي هو في
آلية التعبير عن الحب.
في الذكاء الذي نمارسه أثناء تداولنا للحب بما يتناسب مع احتياجنا له وملائمته مع
الحبيب.
من القبلة للاحتضان.
من مهارة الانتقال للسمع العابر إلى الاستماع المحب.
في النظرات الصامتة؛ الحب بلغة العين.
في الحب لا قيود:
كل مبادرة طيبة هو تعبير للحب.
كل تنازل مبني عن طيب خاطر هو تعبير آخر للحب.
التعبيرات كثيرة.
التعبيرات لا تنتهي.
الحب حاجة واحتياج لا يتأتى العيش دونه.
الخميس، 14 يوليو 2022
أنا في صف الكتابة
أنا مبدع لكن مضطرب.
لا أستطيع الجزم بأنها ضريبة الإبداع أو نتيجة ذكائي اللغوي.
أو بسبب التفرّد بهذه الميزة.
ولكني غير مطمئن في معظم الأوقات.
مثل ما أشعر به الآن.
شعور يجتاحني للكتابة السلبية.
الكتابة السوداوية.
الكتابة التي أقولها للعامة دون الخاصة.
أنا مبدع لكن مضطرب.
لا أستطيع الجزم بأنها ضريبة الإبداع أو نتيجة ذكائي اللغوي.
أو بسبب التفرّد بهذه الميزة.
ولكني غير مطمئن في معظم الأوقات.
مثل ما أشعر به الآن.
شعور يجتاحني للكتابة السلبية؛ الكتابة السوداوية.
الكتابة التي أقولها للعامة دون الخاصة.
حديث
النفس.
ما لا أقوله للآخرين.
المقربين فضلاً عن البعيدين.
هل لاحظت أيها القارئ النبيه الفرق بعد؟
بالفرق الشاسع بين الكتابة والإخبار؟
في الكتابة..
نحن الكتّاب نتعرّى بالضرورة بعكس القول والإخبار الذي نحاول فيه أن نبدو أذكياء.
لذلك أنا من مرتادي مدرسة الكتابة؛ التعبير والتعري عن المشاعر فيهما
متساويان.
الذكاء والغباء واحد ولا فرق بينهما.
يكفي أن تكتب ولا تتحدث.
وإن رغبت بالحديث فراعي الآتي:
من الكلمات ما يجب ألا تقال.
من المشاعر يجب أن تُكبت بداخل الفؤاد؛ لا تحتاج إلا الإفصاح.
حيث الصمت في هذا الزمان هو العنوان.
عنوانه الحكمة، الرزانة والرصانة.
الغموض والكثير من الحب ليس لأجل الحب بل نتيجة تفادي الأخطاء.
لذلك أنا في صف الكتابة.
أنا مع هؤلاء المبدعين الذين ينزوون لوحدهم للتعبير عن دواخلهم بأريحية مطلقة.
مع الصامتين الذين يعيدون رسم الحياة بطريقة مبدعة.
غير مكررة.
لتجاوز الخطر، الملل وتفادي العلل.
كتبتُ على ورقة مقصوصة باللون الأصفر.
كتبتُ بالخط العريض عبارتين؛ كانت تذكراني بماهيتي دائماً.
بشخصيتي الحقيقية.
بقناعي الشفاف؛ دون تصنّع، مبالغة وتزلّف.
كتبت:
هي حياة أولية، لا نهائية.
كن كعابر سبيل ولا تخشى تجارب الحياة.
هوى ومزاجية
مثل غيمة مشبعة بالهموم.
بالغموم.
لا أفعل شيء بتاتاً سوى الانتظار.
بأقل الأضرار.
وكأني بذلك قد فقدت جهاز البوصلة؛ خارطة الطريق.
هذا الضياع هو التوه والتيهان والتيه في آن واحد.
ليتني أدرك نفسي قبل فوات الآوان.
يقول نيتشه:
"الأفعال السيئة تأتي من دافع غريزة البقاء.
والحفاظ على الذات وبعبارة أخرى:
في البحث عن اللذة وتفادي الألم"
لا أرغب أن أحذو هذا الطريق من الشر.
لا أحبّذ فكرة أن أكون شريراً في الحياة الشريرة.
ربما أفضّل أن أعيش كحيوان مسالم على أن أعيش كفاسد بليد.
وما نحن في الأصل إلا حيوانات.
تحكمنا الشهوة.
يتعارض عقلي كثيراً بين الحينة والأخرى.
بنفس مقدار الصراع بين الروح المطمئنة والأمارة.
أ مؤشر هو على عاطفيتي الطاغية؟!
أو ربما على ضعف في أدوات التحليل واستراتيجيات المعرفة؟!
كلاهما في الأمر سيان.
تحمل نفس النتيجة.
هوى ومزاجية.