الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

المدرسة العقلانية

في زمن تفشت فيه العقلانية وتجاوزت الروحانية،، حتى أصبحنا ماديين غير مدركين لحكمة القدر.. ذاك يعترض قلة رزقه وآخر يندب حظه العاثر وجميعهم ينتمون إلى نفس المدرسة " مدرسة اتّباع الهوى ".

العقل أو نمط التحليل العقلاني هو صورة من صور التفرد الإنساني عن كافة الكائنات.. ومتى ما كانت غاية الإنسان في الحياة بعيدا عن الاستيعاب الروحاني الكامن بعبارة "ومن يتوكل على الله فهو حسبه.." الآية، يصبح فيما بعد مجردا عن امتيازات التفرد بل والابتعاد عن أحد أركان الإيمان وهو الإحسان؛ فإن كان يراك فهو أعلم بما يخفيه صدرك .. هو أرحم وأكرم من أن تبذل الأسباب الحسية في التفكير العقلاني تاركا عناية الله لك.

ربما تكون من النمط العقلاني وتمتلك الشجاعة لتبرير حالة فشل ما وهو بطبيعة الحال تفكير الحكماء في تصويب الخطأ فيما بعد.. المبالغة في ذلك يجرك إلى منحى مختلف عمّا يجب أن يكون، يبعدك عن تلمّح تلك الروحانيات وأنها أمر نابع من القدرة الإلهية ولا سبيل لتغيير ذلك النظام الكوني بتفكيرك الواعي!

سوف تصاب بالحيرة حال خوضك في معترك التساؤلات العقلانية.. ستنكر أمور لا يجب عليك أن تنكرها، وسوف تجلد ذاتك بطريقة لا تليق بكونك خليفة الله في الأرض.. في نهاية المطاف ومن حيث لا تعلم ؛ هي سبب فشلك.

المدرسة العقلانية تسعى لتخريج أفراد بائسين يائسين عن منظومة النمط الإسلامي المعتدل أو " مدرسة النمط الأوسط " في كيفية تفعيل العقل والمنطق متجاوزا قال الله وقال الرسول .. نتفق بأن من الأحاديث المتداولة متباينة في صحة ناقلها وربما في عقلانية صوابها من حيث المعنى والمغزى ولكن لا يجدر بمسلم مهما بلغت به القدرة التحليلية من دحض تلك الأحاديث لكونها لا تلائم عقله الخصب وكان من الأجدر به التريّث والنظر من زاوية مختلفة تلائم بما يسمى مقاصد الشريعة أو التسليم تجنبا للشبهات على أقل تقدير.

المنتمين للمدرسة العقلانية أدركوا جيدا فلسفة المعلم إبليس في صياغة محتوى جيّد يعجز عنه الجميع عدا الصامتون.. تلك الفلسفة العقلانية هي فتنة التحريش فيما بين المسلمين ..
إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم. الحديث
نهاية السطر: حكّم عقلك جيّدا تجاه كل شيء وعن كل ماينشره الرويبضة .. حكّم عقلك تجاه ماينفع الإسلام واحذر التحريش. 


الخميس، 21 ديسمبر 2017

أين تجد نفسك بعد 5 سنوات؟!

أثناء وجوده في الركن البعيد من الغرفة .. على الكرسي المتهالك والطاولة المتآكلة أخذ الورقة البيضاء النقية بتبلّد واضح وبيده قلم ، قيل له الآتي : أكتب أين تجد نفسك بعد 5 سنوات؟

عادت ملامح التبلّد من جديد ولكن بشكل أوضح إذ أن السؤال كان صاعقا حيث لا جواب فيه. برزت تقاسيم وجهه وزادت حركته انفعالا نظر إلى الأعلى إلى الإضاءة .. كان ينظر إلى الفراغ مكررا عبارة : كيف يستطيع الإنسان أن يرى نفسه بعد سنوات من الآن؟ كيف يتكهن للمستقبل؟ ماهي الخلافة؟ من هو خليفة الله في الأرض؟

زادت الحيرة عما كان مسبقا ، نظر إلى عقارب الساعة وبدأ بالعد 48-49-50 علّها تعيده إلى تفكيره السابق إلى إجابة السؤال ؛ عدّ دقات القلب في الدقيقة الواحدة يتراوح مابين 60-90 نبضة . ما الفرق بين عدد دقات القلب وعدد نبضات القلب؟!
لمعت في رأسه الفكرة ، بادر في طقوسه الكتابية بداية من رسم حدود للصفحة وصولا إلى الأركان الأربع ثم إشارة سهم على كل زاوية تعلن عن وجود نبأ عظيم.

بادر بالكتابة :
تأتي من حيث لا تعلم .. تترقب الفرصة تتربص الحيلة وربما تخوض في النوايا لأجل أن تثبت ضعفك أيها النبيه وتتغافل عن كونها أقدار من السماء.تتصنع البهجة لتصنف على أنك شخص سوي واعتيادي ضمن حياة الآخرين دون أن تعتريك مخاوف الدونية أو اللا-طبيعية وتتناسى بفعل الطبيعة أنك الإنسان أنك الخليفة في الأرض لا السماء.

مستوى الأفكار .. انتقاء المفردات .. أسلوب الطرح .. نمط العيش واختلافك عن الآخر .. هي من تحدد ماهيتك كإنسان مستقل عن الكائن الآخر. ربما ترغب أن تبتعد عن التصنيف، لا تستهويك تلك المسميات الفارغة والمناصب الزائفة. إنما أنت من القلائل ممن يتشبث بالحياة المثالية المتمثلة في نكران الذات ونقم المجتمع.

تدني مستوى الطموح تتجلى بوضوح مع ثورة الصناعة والتكنولوجيا، تبدأ من التباهي بالمظاهر إلى حب الظهور إلى التصنع والتزيف ثم التزلف حتى وصل الحال إلى أن سبيل بناء العلاقات تتطلب تقنيات أبعد ماتكون متمثلة عن جوهر الإنسان وحقيقته الكامنة في الحب لا ارتداء الأقنعة.

تلك الحياة الروتينية الساذجة المشبعة بالآمال والطموحات لا تفضي إلى مدى وعيك أو حسن اطلاعك بخفايا الأمور ،، والتاريخ من حيث هو كما قال ابن خلدون " في ظاهره لا يزيد على أخبار الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها، وعلم بيكفيات الوقائع وأسبابها "؛ كان لعمر ابن عبدالعزيز نفسا تواقة إلى الخلافة ونالها، وتاقت أيضا لمعاوية ابن سفيان ونالها كذلك!

كان في مجلسه مايقارب 1500 نفرا بين طالب وعالم ينقلون عنه الأحاديث ومختلف العلوم، دون أي سبب يذكر اختفى عن الأنظار واعتزل الناس .. مكث 13 عاما وحيدا كان نتاجه كتابه العظيم " إحياء علوم الدين ". عاد إلى قريته بعد ذلك معلّلا سبب خروجه: أصابني العجب فذعرت من عقاب ربي فتنحيت عما كان محببا إلى قلبي! .. لم يكن حجة الإسلام الإمام الغزالي ذا طموح ولكن ذا قلب صادق .. كان إنسانا وعليه أجد نفسي إلى الممات.

نهاية السطر : لا بأس أن تكون ذا طموح ولكن إحذر طول الأمل.




  

الجمعة، 15 ديسمبر 2017

تساؤل


قضى مضجعه ليلا ، باكيا حانيا متوسلا إلى ربه أن يزيح همه ، أن يبعده عن تلك التساؤلات المريبة الغريبة التي تستقر العقل والوجدان فتصيبه الحيرة وما ألم الحيرة بشيء دون أن يجد الهوية في مغزى ذاك السؤال.

استمر على جلسته تلك يائسا بائسا من هول السؤال ، بين الأمل الواسع والرجاء الخائب كانت دعواته خالصة تفيض بالدمع .. بكى كثيرا تبسّم قليلا في حالة مزاجية مروّعة لا يعلمها إلا الله.استطرد في ذكر أسماء الله الحسنى التسعة والتسعون في سبيل طرد تلك التساؤلات وجلب النعاس ولكن دون جدوى، وبينما هو يترقب بصيص الأمل المفقود من النور المنشود ، إذ بخيوط الشمس قد انسدلت بنبأ قدوم يوم جديد لنهار منبثق لذيذ استذكر فيه أولى إشارات الإجابة من علامات الرحمة و العناية : عش في الدنيا كعابر سبيل.

للحظتها .. فنّد أطروحاته وأفكاره ، قراءاته وتجاربه ،، إسهاماته وكتاباته .. باحثا عما يعزز إيجابياته وثقته بإنجازاته ولكن
 ساءه حاله عندما لم يجد ما يصبو إليه ؛ كتب ماشاء الله له أن يكتب ، لكن أبعد مايكون عن مستوى طموحه ورغباته.


استهلّ صباحه المعتاد بكوب قهوة وكتاب ولكن لم يكن على الرف أو ضمن قائمة كتب الشهر وإنما حرص على ابتياعه من ذكرى أصابته يوم أن أدرك معنى الحب. كان ساذجا طيّبا وديعا غير آبه بالعواقب المترتبة عليه حال دخوله ذاك النفق وذاك المعترك اللذيذ. أصيب فيما بعد بخيبة أمل بأنها ما كانت إلا تجربة مثرية تلامس جانبه الهزيل من استدراكه لحقيقة إحتياجه إلى مغامرة تفضي لإشباع فضول قد اعتراه في عمر زمني ما.
ربما هو الفراغ .. أو اللامبالاة. لم يكن العمر الزمني يوما دليلا حازما على ارتكاب بعض الحماقات.
ربما مسار الحكمة يكون بالتجربة تارة، وتارة أخرى بالقراءة والمطالعة!

لم يكتف عن طرح الأسئلة الملتوية ، بمجرد طرح تساؤل يتبعه آخر دون كلل أو ملل.


من هو الإنسان؟ ذاك هو التساؤل.




الجمعة، 8 ديسمبر 2017

إسراء

كنت حينها منغمسا في طقسي الخاص لممارسة عادة القراءة ،، لم أكن بمزاج يستدعي الكلام أو الخوض في حوار .. حتى باغتتني جميلة الجميلات طفلة تدعى إسراء.

قبّلت يدي احتراما، قبّلت بدوري وجنتيها محبة وعطفا.. رغم أنها تعلم بعزلتي القاتمة ومزاجي العكر إلا أنها تدرك بفطنتها محبتي لها وضعفي أمامها تحت أي طارئ. تفحصت الكتب المتناثرة على الطاولة الخشبية، كوب القهوة البارد وصفحات بيضاء خالية.
تشاهد ما أفعله وما أكتبه من تمحيص وتدقيق لكتابة نص. لم يعجبها الانتظار كثيرا ،، وقفت أمام الطاولة واضعة رأسها على راحة كفيها وهي تنظر إليّ مباشرة في دلالة واضحة بأن لديها ما تحكيه، ما إن أعدت ترتيب أوراقي وطريقة جلوسي، حتى بادرتني بسؤال: متى يا خالي أستطيع الكتابة؟

لم أتفاجأ بهكذا سؤال.. يذهب إلى منحى البديهيات، في الحقيقة لست من هواة اختزال التعاريف ولست كذلك ممن ينتقي مفردات موسيقية تلامس الفص الأيمن من الدماغ للإجابة عن كيف ولماذا و متى نكتب.. في حال لو افترضنا جدلا بأن الوقت أو السؤال بمتى هو رهن إشارة الوعي اللازم للكتابة الناجحة؛ كما لو قلنا مثلا بأن عمر 33 هو عمر الرشد. ألم تتجلى عبقرية العقاد وأثبت حقيقة عبقريته في سلسة كتبه العبقريات وأهمها كتابه عبقرية محمد الذي كتبه بعد ثلاثين سنة؟!
ولذلك أجد نفسي مجبرا لأن أعيد صياغة السؤال: ماهو معيار الكتابة الناجحة أو بعبارة أخرى ماهو معيار جودة الكتابة؟

لا توجد معايير فعلية سوى مجموعة من القيود إن صح التعبير ولكن المعيار الأهم هو بتفعيل محرك الكتابة؛ وجود الهم وأن تكتب لنفسك فقط. ربما تتسائل معي .. عن ماذا لو لم ترفض لو سالومي الارتباط العاطفي لا العقلي من نيتشه؟ أو ماذا لو تزوج قيس حبيبته ليلى؟!

احضتنتها طويلا ، أخبرتها بأن الكتابة هي فعل شاق ومنهك جدا شريطة أن يكون المقصد هو ثمرة عظيمة ونيّة صادقة خالصة يتناولها الأجيال والأحفاد فيما بعد، ربما لا يعلم عنك الكثي، ربما تواجهك الإحباطات وخيبات الأمل، لكن متى ما أدركتي بأن الكتابة هي تعبير صريح وواضح عن انتشالك من الحالة النفسية السيئة إلى شعور نقيض .. هنا بتلك اللحظة يكون جوهر الكتابة.

كتبت فيما بعد عبارات سلسة ذات كلمات عميقة .. أدركت جيدا بأنها مشروع كاتبة.



الجمعة، 1 ديسمبر 2017

القطيع الضال

عنون الشاعر محمود درويش أحد قصائده العميقة ب " لا شيء يعجبني ".
في حين بدأ دوستويفسكي روايته مذكرات قبو " أنا رجل مريض .. أنا رجل شرير.. أنا بالأحرى رجل منفّر.
أصبح بعيدا عن العالم الساذج والإدراك الحسي بفقدانه عقله قبل وفاته ؛ إنه نيتشه.


هكذا هم العظماء في طريقة سيرهم ونهجهم نحو الكتابة .. من يكتب لأجل أن يحاول شرح حالة مستعصية ما في داخله .. من يداعب الأفكار من يجعلها غاية وجوده .. من يقاد إلى فعل الكتابة انقيادا ثم يخرج لعناته وجموع غضبه عبر كلمات حية يتنفس بها و يعيش على أثرها من ينتمي إلى تلك الفئة القليلة من العظماء.

كتب المفكر الإسلامي العظيم عبدالرحمن الكواكبي كتابه الجدير بالقراءة قبل قرن من الآن بعنوان " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " وذكر مصطلح سياسة تجهيل الشعوب. في حين ذهب المفكر الأمريكي وعالم اللغويات نعوم تشومسكي إلى مصطلح القطيع الضال والقطيع الحائر ، وفنّد أطروحاته المثيرة للرأي العام والسياسة العامة في عدد من اللقاءات على خطر وسائل الإعلام في كونها وسيلة لمخاطبة العقل اللاواعي والتأثير عليه من ناحية التزييف وإلغاء دور النقد بالمقابل.

الزخم الدعائي المشهود في السنوات الأخيرة يشير إلى دور صنّاع القرار ليس من السياسيين فحسب كما هو في الماضي بل من المؤثرين والمشهورين ومن لهم منفعة مباشرة أو غير مباشرة والضحية في نهاية الأمر هو الشعب الساذج والقطيع الحائر والضال.
لا يختلف كائن عاقل ميزّه الله بالعقل على تأكيد مدى تخلف المجتمعات الحديثة بسبب عوامل بديهية أترفّع عن ذكر تفاصيلها لأنها لا تضيف للمحتوى وإنما مزيدا من الكلمات فحسب ، والوعي بدوره أصبح مهددا إلا على من رحم ربي .. ومعيار وعي الإنسان يختلف من زمن لآخر. سابقا كانت الكلمة متداولة في الصحف العامة عند عامة الشعوب والجميع كان قادرا على أن يكتب وينقد ويفنّد آراؤه وأطروحاته الفكرية والسياسية والاجتماعية ولا ضرر عليه أحيانا ، ولا ضرر على المجتمع في برهنة الحجة بالحجة وتوسيع نطاق الرد والاستجابة طالما كانت الحرية مؤاتية للجميع وكان معيار النقد هو العقل البشري لا النقل الحيواني (الببغاء). في حين أن معيار الوعي الحالي كما أتصوره أن يكون هو بأن تحفظ عليك لسانك وعليك بخاصة نفسك .. الحديث

الإنسان جزء لا يتجزء من تكوينة ذاك المجتمع ، يتأثر بتأثره من خلال القوة أو الضعف على نطاق شمولي واسع ثم على نطاق ضيق قائم بالأسرة والتربية ، ومتى ما كان المجتمع بكلا النطاقين هزيلا أصبح الفرد كذلك.
مرض المجتمع ومرض الشعوب نتاج مغالطات سلوكية وتربوية ولو أردنا التعمق لقلنا بأن الأزمة كذلك هي أزمة ثقة وخلط مفاهيم وتمحورت حول المثل الشعبي القائل: " اللي ماله كبير يشتريله كبير "!

تعزو بعض المفاهيم النفسية إلى ربط شعور العظمة أو الأهمية أو أيّ مسمى يدعو لتضخيم الأنا؛ بكثرة الإنجازات دون التطرق إلى كيفية حصاد تلك " الإنجازات " ؛ إن كان بكثرة المال أو المناصب والكراسي فبئس الإنجاز ذلك وبئس العظمة تلك، ناهيك عن ارتباطها المباشر بالمظاهر الخارجية.
شعور العظمة هو شعور ملازم لكون الإنسان مستشعرا كونه خليفة الله في الأرض و متأصلا بفطرته السليمة بعيدا عن الشوائب الناتجة من التطبع بطباع المجتمع من حيث الإعتراف و التأكيد على سذاجة الشعوب أو القطيع الضال.


سوف تأتي جماعة أعرفها جيدا وسترفض مثل هذا النوع من الكتابة جملة وتفصيلا، ثم تقول بالنص : لماذا الفلسفة؟!
وجوابي إليهم : سيداتي سادتي " الإنسان مجموع تجارب وسلوكيات وقراءات يخطئ ويصيب والأهم من هذا وذاك ؛ النوايا على الله "  

الاثنين، 27 نوفمبر 2017

البداهة والسذاجة

لا يختلف اثنان بأننا أمام مرحلة متسارعة الوتيرة في طلب المعلومة وأخذها .. وأصبح المحتوى فيما بعد هو رهان الكاتب من حيث أيّ المحتوى هو الأكثر رغبة للقاريء؟ وأيهما أكثر مردودا ماديا أو اجتماعيا أو الأكثر حظوة؟ وذلك بطبيعة الحال لا يتم إلا من خلال وسائل وتقنيات مدروسة عبر دراسة و فهم السلوك البشري والمجتمع الثقافي ، وأصبحت الكتابة بعيدة كل البعد عن محرك الكتابة الفعلي وهو استحضار الهم والرغبة في التأثير .. عندما نعود سنوات للخلف ندرك حجم الهم وحجم الأفكار المؤثرة تقابلها التحديات والتي قد نتفق أو نختلف معها ولكنها في نهاية المطاف ربما تكون سبب رئيسي لمقتل الكاتب أو وسيلة لتعذيبه كجزء لا يتجزء من شجاعة الكاتب على التضحية بنفسه في سبيل إحياء فكرة عاش ومات من أجلها!

الكتابة من حيث الفعل هي سماوية عن طريق الملائكة وأصبحت فيما بعد أرضية بداية من طريقة التعبير عن طريق الحجر والصخر إلى يومنا هذا ،، مستويات الفكر وتناول الأحداث الفكرية تقل مع مرور الوقت رغم الانفتاح والحرية ويعود ذلك لسبب ثورة التكنيولوجيا الآثمة! لا نستطيع الجزم والحكم عليها بحكم قاطع بكونها آثمة ولكن المتربص والعارف بالأحوال القادمة من خلال قراءة التاريخ أو الخوض في أحاديث علامات الساعة يجدها كذلك، ورد في صياغ الحديث " ظهور القلم " وتأتي بمعنى انتشاره بشكل أوسع من ذي قبل ؛ ولا نكاد نقرأ تلك العلامات حتى نقرأ بالمقابل مهزلة بل مهازل في الكتابة ؛ بداية من الغلاف الساذج وصورة الكاتب الساذجة إلى ضعف وركاكة المحتوى بل وسوء انتقاء المفردات فضلا عن الأخطاء الإملائية. ما يحصل اليوم هو تراكمات سابقة وبذلك يكون مؤشر خطر على منحى مناقض سيحصل في المستقبل.
 
لا أنتمي للسوداوية أو على أقل تقدير أحاول أن أبتعد عنها قدر المستطاع ورغم المحاولات والاجتهادات في تحسين الوضع من خلال المبادرات إلا أن القراءة وحدها لا تكفي مطلقا. يحكي الفيلسوف الوجودي العظيم نيتشه في كتابه الجميل هكذا تكلم زرادشت ويقول غاضبا بل ثائرا على القرّاء " إنني أبغض كل قارئ كسول ، لأنه أناني ، لأن من يقرأ لا يخدم القراءة بشيء " تلك النبرة القوية بتصوري تعيد فينا بالضرورة حس الإنسانية وإعادة توظيف مفهوم الإنسان ليس بفلسفة نيتشه الإنسان الأعلى بل بفلسفة أرقى تتمحور حول خليفة الله في الأرض.

جودة فائدة القراءة لا تتم من خلال المقالات أبدا ، ومن يجد فيها المعلومات التي غالبا مايتشدق بها فهو ساذج بالضرورة. المقالات تتيح لك المعلومات لا وجهات النظر المغايرة أو زوايا الفكر الناتجة من الخبرات الحياتية بمجمل تفاصيلها ؛ رواية أدبية كمذكرات قبو للروائي والفيلسوف الروسي دوستويفسكي مثلا تغنيك عن عشرات بل مئات المقالات عن علم النفس والحديث عن النوازع والدواخل البشرية .. أجد نفسي متعصبا وربما غضوبا تجاه من لا يقرأ الكتب عموما ولكن مع ذلك لا نستطيع التقليل أبدا من فائدة المقالات رغم أن الذي بين يديك الآن ماهي إلا مقالة ولكن أريد بهذا الكلام أن أصف تفوق الكتاب وعقل الكاتب عن الاستعانة بمقالات تتجه إلى منحى بديهي لا يضيف للقارئ النبيه أي زاوية فكر قد ترشدك إلى غايات فلسفية عظيمة أو فكرة مشروع استثماري مربح وبالتالي
 طريقتك لقراءة الكتاب قد تكون إضافة قوية تساهم في تطوير طريقة تفكيرك أو ربما خسارة وقت لاسيما إن كنت باحثا عن معلومة قد تجدها بالمقالات أو مواقع التواصل الإجتماعية.

نهاية السطر: في حقيقة الأمر مايهم هو أن تبدأ القراءة وأنت تحمل في داخلك نيّة ظاهرة ومبطنة لأن تقرأ قراءة شخص متربص وناقد لما بين السطور واحذر دوما أن تتفق مع عقل الكاتب لأن ذلك مايجعلك واعيا ومثقفا لا أن تقرأ لأكبر عدد من مقالات أو معلومات ك "هل تعلم "!

الخميس، 23 نوفمبر 2017

مع المستشار

ضمن لقاء عابر في إحدى المناسبات الشخصية ؛ عرّف بنفسه قائلا: "معك المستشار.."
لم أتردد لحظتها بأن تصدر مني ضحكة عفوية جعلتني في موقف حرج قليلا إلا أنني تداركت الوضع عندما أعدت توازن الكفة بلمس جانبه المفقود وصغت تالي العبارات متجها إلى الحديث عن خبراته الحياتية والعملية وما أبرزها وما أصعبها! 

نميل نحن البشر من حيث السلوك إلى تضخيم فعل الأنا لاسيما عندما نريد أن نعبّر عن نقص و احتياج ما غالبا ، نعتقد أننا بذلك الفعل أننا نمارس التسويق بكثرة الحديث عن أنفسنا أو باستعارة ألقاب بالكيفية التي يجب أن تكون وغالب الظن بأن الفئة المستهدفة هم السذج ، وحدهم من تنطلي عليهم تلك الحيل الساذجة عندما يغتر أحدهم بتلك المسميات الضخمة والكبيرة.
لا نستطيع أن نحكم حكما قاطعا بالقبول أو الرفض لذلك اللقب إلا بعد أن نرى ممارسات النجاح الشخصية وسبل التمكين للآخرين طاغية عوضا عن التشدّق بلقب المستشار ، وحقيقة الأمر بأن كثرة المتداولين للقب أفقدته روحه الحية ..

لا يقاس النجاح بعدد سنين الخبرة وإنما بحجم التجارب والتحديات التي اجتيزت بنجاح فشتان مابين خبرة سنة مكررة عشر سنوات أو عشر سنوات بتجارب مختلفة ومتنوعة.

التداول بمسميات مثل خبير أو مستشار أو أيّ مسمى يستدعي الأنا المتضخمة لا تجعل منك شخصا أكثر تميزا في حين أني لا أكاد أجد أحد الملهمين من الكتّاب أو الناجحين جدا بتخصصات معينّة وقد أطلق على نفسه تلك الألقاب ؛ الناس تتداول تلك بالنيابة عنك.
ربما أتوجس كثيرا عند سماع تلك الألقاب ولكن الواقع الحالي هو من أرغمني على ذلك التوجس بمظهر مبتذل وسلوكيات أكثر تصنعا وتكلفا ؛ مدربي لغة التنمية البشرية وما أكثرهم ، الممارسات السفسطائية من خلال الدورات الساذجة والتي لا تقدم محتوى إضافي وإنما اقتباسات وتكرار لما قيل مسبقا والمقدمة من قبل الخبراء مع الاستعانة بفنون التسويق لتحقيق ربح إضافي ولاسيما إن كانت الشهادة حاضرة ، انتشار الكتّاب مع صور استعراضية في غلاف الكتاب ليكون المنظر أقرب إلى لوحة فنيّة من عمل مبدع ؛ المسميات لا تسمن ولا تغني من جوع.


والحق يقال بأني أجد نفسي غير منصفا عندما استخدم لغة التعميم و أضيق الخناق على المتحدثين البارعين الذين لهم الفضل في العديد من الإسهامات الفكرية والمتنوعة بمختلف التخصصات والذين بطبيعة الحال لم يجدوا الكتابة ملاذا آمنا أو طبيعة حيوية تناسب تطلعاتهم ورؤاهم كما أفعل الآن!

على نفس السياق وفي حين أن الجدل مازال مستمرا عند المتخصصين بل والمتعصبين بمجال التسويق وتكوين العلامة التجارية في توضيح الفرق بين مسمى (Personal Branding) و (Self Marketing) من حيث أيّ العبارتين هي أجدر بأن توصف كفعل ممنهج يجعل من الشخص ذا قيمة مميزة؟ وهذا يقودنا إلى الخوض في الدهاليز وسبر الأغوار علّنا بذلك ننهي أزمة مفتعلة تطرأ عند أبسط الفعاليات المشتركة بينهم، ولكنهم في نهاية المطاف أجمعوا بأن ذلك لا يتأتى إلا من خلال التفرّد بالمحتوى أو إضافة وجهة نظر مغايرة عن الآخرين تجعلك متفردا عن أقرانك والأهم من ذلك كله أن التفرّد والتميّز لا يكون أبدا بتسمية نفسك "المستشار".


 نهاية السطر ..
سيدي/سيدتي : كثرة الحديث عن الذات وعن الإنجازات لا تجعلك أبدا في القمة ، لم يسلك شخص جعل النجاح له مسلكا إلا وكانت عادة الاستماع والاستمتاع أكثر من الكلام.