الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

حقائق جليَّة عن معشر الكتُّاب

 نحن معشر الكتُّاب.. مبدعون، متألقون، سواء مع وجود الذكاء الاصطناعي أو عدمه.
نستطيع أن نكتب وفي دواخلنا ما نبطنه، الجميع يقرأ ظاهر النص بطريقة اعتيادية لكن نبطنها بحيلة ماكرة. ألا تقول العرب: المعنى في بطن الشاعر؟!
وهل يستطيع ذكاء اصطناعي أن يبطن ما يظهره؟ مستحيل.
المعنى ليس في ظاهر النص، بل في باطنه وقلَّ من يمكنه قراءة باطنه أو تفكيك رموزه!
لهذا السبب من ترتبط بكاتب حذق ونبيه، ستجد صعوبة في قراءة ما بين السطور.

أكثر ما يزعجنا هو المبالغة في الإطراء رغم أننا بسجيَّتنا نحب الإطراء.
نعم، نحن الكتُّاب نحب أن نسمعها بصدق لا بتزلّف.
فشتَّان بين قولك: النص رائع وأحسنت، وبين لمست في كلماتك غضب عندما كتبت كذا وأحسست بالدفء عندما أردت التعبير بكذا، وابتهجت أساريري عند قولك كذا..
ما لم تمتلك مهارة الإطراء كهذه؛ فاقترح عليك بأن تكتفي بهذه العبارة: هذا نصٌ فريد كصاحبه.

الكتابة عند الكاتب الماهر ليس مجرد نص جامد فحسب.
هي مهارة تجعلنا نقدِّم كلمة أو نؤخر جملة بهدف إيصال المعنى وهكذا دواليك..
مهارة نخوض في غمارها تحديات، تضحيات وتجارب ثم نكتب عنها ببساطة.
والكتابة في هذه الحالة ما هي إلا ثمن التذكرة التي بسببها نعيش التجربة؛ بحلوها ومرها.
تكلفة التذكرة قد تكون باهظة، موجعة، مريرة وأحيانًا النقيض منها تمامًا.
في عقلنا ندرك كم هي روعة البدايات، لاسيما عندما تبدأ الأفكار بخلق نص بديع من العدم.
ثم تأتي النهايات التي لا نعلم كنهها، ولكن ندفع ثمنها طوعًا أو كرهًا.
في الحقيقة، الكتابة متعة صارخة في أعماقنا، نداعب بها الكلمات كما نداعب الأنثى الجامحة!
خاصةً عندما يكون النص قد كُتب من الأعماق.. الأعماق الذي نخشى المرور عليه.

ألم يقولوا: بأن عقول الرجال تحت أقلامهم.
في الواقع يغرينا نحن الكتُّاب بأن نُعرف كعقلاء، مفكرين، أدباء وكتُّاب نخبويين ومثقفين.
ولعلنا في هذه الحالة نكتب كهدف إضافي نتوَّج به أمام الملأ.
وبطبيعة الحال، الجميع يكتب بما يسدُّ احتياجاته؛ ولذا عندما قال أحدهم لبرناند شو مغترًا بنفسه: أنا أفضل منك، فأنت تكتب من أجل المال، وأنا أكتب من أجل الشرف! زعم بكلماته هذه أنه أقام حجته لحين ردَّ عليه شو بأربع كلمات: كل يبحث عمَّا ينقصه!

نكتب عن الفضيلة، القومية، العروبة، العشق.. تظل في نهاية المطاف كلمات ضمن سطور لحين اكتمالها كنص، ولن يعلم القارئ الساذج مدى إيمان الكاتب بها!
ولهذا يقال عنَّا باستمرار: أنهم يقولون ما لا يفعلون.
حالة واحدة فقط قد نعلم صدق الكاتب في كتابته وهي القشعريرة التي تصيبك أثناء القراءة؛ نعم عزيزي القارئ النبيه، فالكلمات أرواح نشعر بها، نطمئن لها ساعة ونبكي بها ساعة أخرى.
أليس هذا ما يفعله الكاتب الماهر؟!


الثلاثاء، 2 سبتمبر 2025

أحببتك أكثر مما ينبغي

 لطالما تساءلت مع نفسي عن مدى الاختلاف الذي سألحظه في حال قرأت رواية عاطفية لكن بعمرين مختلفين؛ وليكن الفارق عشر سنوات فقط!
ما هي المشاعر التي ستنتابني لحظتها؟
ما هو دور الوعي والنضج في تمحيص أحداث الرواية؟
وغيرها من التساؤلات.
وفعلت ذلك.

أعيد الآن قراءة رواية أحببتك أكثر مما ينبغي للكاتبة أثير النشمي.
عن العلاقة المربكة بين عزيز وجمان، عن الأحداث التي تُروى لكن من زاوية جمان فحسب.
أثناء قراءتي لها شعرت بتفاصيل الأحداث كما قرأتها للمرة الأولى.
ما بين تعاطف، جحود، أنانية، صبر وتضحيات.. وغيرها.
لكن تحليلي للمواقف أصبح أكثر اتزانًا من ذي قبل.
ما الذي يدفع الإنسان العاقل للتخلي عن كبريائه في مقابل وهم الحب، كما فعلت جمانة؟!
أيضًا سردية تجسيد دور الضحية كنت أتعاطف معها بشكل أو بآخر، عدا أني أمقتها الآن؛ الحياة كفيلة بتعليمنا هذا الدرس القاسي شئنا أم أبينا. 
ولكن.. والحق يقال.
ما بين السطور وجدت الحكمة في بعض المواقف.

أحدها عندما قالت بلسان عزيز: " القدر يبعث بإشارات إلينا، إشارات مبهمة، مبطنة ومخفية.. لذا علينا أن نكون يقظين طوال الوقت وألا تتجاوزنا الإشارات التي تمر بسرعة كالنيازك؛ لأنها لن تعاود المرور بنا إن تجاوزتنا بدون أن ننتبه إليها "
أي معرفة تتطلب منَّا فهم هذه الإشارات؟ أو أنها تأتي وليدة اللحظة في توقيت حاسم عبر تغريدة عشوائية أو أغنية غير مختارة ضمن الأغاني التي تأتي تباعًا بعد الانتهاء من الأغنية المسموعة، أو لعلها سلسلة من الأحداث المتكررة ولكن نغفل عنها مثل عدم توفيق أو فشلٍ في علاقة ما؟! 
بالنسبة لي فهم واستيعاب إشارات القدر أصبح يؤرقني كموضوع فلسفي وليس مجرد نص ضمن رواية رومانسية!
ومما يدل على صعوبة الفهم هي العبثية التي استكملت بها جمانة النص:
" كنت أجفف دموعي حينما وقعت عيناي على لوحة إعلانات مرتفعة ومضاءة، كتب عليها..
You may go Alone with the right road and he may take the left one, but after all, the two roads could meet at the same point! .. شعرت وكأنها رسالة القدر إليَّ يا عزيز، كأنها الإشارة التي حدثتني عنها والتي تؤمن بها، غمرتني السكينة، شعرت وكأن أعصابي تمددت، وبأن مساماتي الصغيرة تفتحت وعاودت التنفس" انعطفت عن الطريق وعادت إليه!
فهمها لإشارة القدر جعلتها تستكمل المخاطرة ووعورة العلاقة التي كانت ومازالت متشبثة بها! 
فهل إشارة القدر أنصفتها وقتذاك؟! الأمر مربك جدًا بالنسبة لي، ومع ذلك أؤمن بأن إشارات القدر ينبغي أن نقف عندها ونعمل بها دون أن تمر علينا مرور الكرام.

الحكمة الثانية، هي في الحب الذي يجعلنا نتكبَّد ألم تغيير من نحب، إصلاحه رغم عيوبه وأخطاءه.
وهنا أتساءل: ما الحد الذي نصبح عنده عاجزين عن إصلاح من نحب؟ بمعنى أدق، كم عدد المحاولات التي يجب أن نتوقف عندها في حال كان إصلاح من نحب هو أمر يفوق طاقتنا أو ربما لا نجدي له حلًا أو سبيلًا؟
لدي قناعة راسخة بأن الحب يغيّرنا، يجعلنا منساقين للمحبوب في اهتماماته وطريقة تفكيره، وأسلوب حديثه؛ ولذا يقال: " بأن العشُّاق يتشابهون، في ذروة الحب يتشابهون، يتحدثون بالطريقة ذاتها، ينظرون إلى الأمور من خلال المنظار نفسه "
الحب أيضًا يجعلنا نصبر، بل نتجرَّع مرارة الإصلاح بحسب علاقتنا مع المحبوب كيفًا وكمًا، كيفًا فهي الطاقة التي تدفعنا للتغيير لأجله، من باب الطبع من التطبّع! أو ربما حبنا يجعلنا نتنازل وأن نتغيَّر برضا تام وليس بإملاءات وشروط استكمال العلاقة، وكمًا هي في المحاولات التي نستميت بها في سبيل التغيير والمحافظة على من نحب، لا يوجد حب دون تضحية وتنازلات ووجع؛ الحب هو رهان نراهن عليه في المحبوب لأجل سعادتنا ومحافظتنا عليه وبناء أهداف وغايات عظيمة في المستقبل.
من يحب يجب عليه أن يدفع ثمن هذا الحب، ولولا ذلك الثمن لكانت العلاقة هشة، ضعيفة لا تمتلك أساس متين للاستمرارية، مثلما قالت جمانة: " أعرف بأن هذا هو جزء من مشكلتي معك، أخشى الابتعاد عنك، أخشى الحياة من دونك، حاولت الابتعاد لكنني لم أتمكن من ذلك.. نار قربك أخف وطأة من نار بعدك يا عزيز، قلبي يستعر بعيدًا عنك ويتلظى بجوارك! أي حب موحل هذا الذي علقت به! ".
دون التضحية ودون الحب فالعلاقة وإن بدت في الظاهر قوية إلا أنها ستنكسر لاحقًا أو سيبحث أحدهما عن بديل يؤمن بالحب، بالتغيير وبالإصلاح الذي يستحقه المحبوب؛ مثلما فعل عزيز فعلته التي لا تغفر وغفرت له!

الحكمة الثالثة، الحب نصيب والاستمرار فيه قرار.
لا نعلم متى نحب ومع من نحب إلا في حالة ازدحام الأفكار.
وحده صوت القلب ينطق بالكلمة في حين يخفت صوت العقل.
لا معايير، لا مقاييس هكذا يدق باب قلبك فجأة.
بالمناسبة.
لقد أخطأت؛ هذا ليس بحب، هذا هو الإعجاب.
الحب هو المرحلة العميقة والصعبة والذي يمر ضمن مراحل متدرجة للوصول إلى هذا المعنى.
لا يمكن أن تحب من أول مرة، وعبارة الحب من أول نظرة، ليست إلا مبرر لتجاوز هذه المراحل والوصول إلى الحب بكل سذاجة ويسر؛ الحب هو انعكاس لشخصياتنا التي نريد تجسيدها واحتياج لرغباتنا التي نريد تحقيقها.
كيف لها أن تحب عزيز وتغفل عن حب زياد لها؟!
" لا أعرف كيف يجذبني نقيضي إلى هذا الحد بينما شبيهي ناعم رقيق إنسان إلى أقصى درجة! " هكذا تقول هي عن زياد!

لم انتهِ من الرواية بعد.
لياقتي الذهنية أو بتعبير أدق في القراءة ليست كما كانت من قبل.
لعلي في يومٍ من الأيام أكملها أو تكون هذه بدايتها وخاتمتها. 


الاثنين، 1 سبتمبر 2025

الله لا يلعب بالنرد

 " الله لا يلعب بالنرد " عبارة قالها أينشتاين ليجسِّد فكرة أن الكون لا تحكمه الصدفة ولا الفوضى.
هذه العبارة جاءت ردًا على ميكانيكا الكم والتي تقول بأن سلوك الجسيمات دون الذرية لا يمكن التنبؤ بها بدقة؛ فقط بالاحتمالات.
هذه السطور أردت بها توضيح السيناريو الأسوأ الذي نفكر به في أوقاتنا الصعبة، عن الشعور الذي يراودنا في أحلك الظروف؛ عن تخلي الله عنَّا!

عبارة قد لا نقولها باللسان لكن ضمن أحاديث العقل، ولعلها تترسَّخ في عقلنا أكثر وتتشبَّث بطريقة مزعجة ومؤذية في حال شاهدنا بعض ممن ابتعدوا عن الله بسبب أو لآخر وتجده ناجحًا في حياته، وأنت الذي تتخبط في أمور دنياك وتحاول أن تحافظ على دينك لأنك ببساطة قد تربَّيت عليها منذ الصغر وتمارسها كروتين يومي وحياتي، وتشعر بالخلل متى ما توقف عنها، وأعني الصلاة والأخلاق وغيرها، ثم تأتيك هذه الفكرة التي تلح عليك ما جدوى هذا كله؟!

ومن تجربتي الشخصية محاولة طرد مثل هذه الأفكار غالبًا تكون كحل مؤقت فحسب، ما يجب عليك فعله هو أن تواجهها بضراوة، بحجج قوية ومقنعة. لا يوجد حل آخر.

الحجة الأولى:
الله لا يحتاجك؛ العبادة التي تؤديها والمصابرة التي تمارسها في أفعالك أجرها لك، والرهان يا عزيزي قد يبدو ثمينًا للغاية، من الناحية الأبدية والسرمدية: إما إلى الجنة أو النار.
الحجة الثانية:
عبادة الله بيقين هو أولى هذه الحلول، اعترف بنقصك وتكلَّم معه بعفوية وشاركه مخاوفك وشكَّك، هو أعلم بك من غيرك، يعلم ما في صدرك، حاول فقط بأن تدعو الله بيقين وأنت منكسر وأن الله سيدبِّر لك الأمر ويفرِّج همَّك؛ هي مسألة وقت.
الحجة الثالثة:
حكمة الله في كل شيء، من ناحية تأخير المطلوب أو حدوث المصاب؛ الله يختبر مدى قوة صبرك، وثقتك به، فإما أن تنجح في هذا الاختبار أو تفشل. لا خيار ثالث.
الحجة الرابعة والأخيرة:
جميع الحلول تنعدم متى ما يئست عن الله، قد تستمتع في البداية بفكرة التخلي عن خالقك وموجدك وتشعر بانتصار وربما تيسير لأمورك لكنها النهاية التي تودي بك إلى الهاوية والكارثة، ستصيبك اختبارات جديدة لكن ستواجهها بنفسك ودون معيَّة الله وتوفيقه، ستجد صعوبة في مجابهتها دون أن تنظر إلى السماء بانتظار الفرج، ستعيش حياتك بعبثية مطلقة، بعشوائية وفوضى عارمة، ستسمي الأسماء بغير مسمياتها الحقيقية. ستقول الحظ بدل القدر، ستقول هذا بجهدي وعقلي بدل أن تقول هذا بتوفيق الله بأن يسَّر لي الأسباب، وحالة من الإنكار الوجودي الذي يليق بك كإنسان ناكر للجميل والمعروف وتزعم بأنك تستطيع النجاح بمفردك وبمعزل عن كل أسباب الله ولعلك تنجح أو تفشل لكن ستكون خسارتك عظيمة جدًا، ما قيمة استثمار ثمانون سنة من حياتك كحد أقصى في مقابل حياة أبدية لا نهاية لها أبدًا؟!

الخلاصة..
أنا لست بأفضل حالًا منك عزيزي القارئ، لدي مخاوفي وشكوكي أيضًا؛ الأمر كله بأني أحاول إنقاذ ما يمكنني إنقاذه من كابوس اليأس، من سطوة الحياة التي لا ترحم، من نفسي والشيطان والناس.. بالله وحده الذي لا يلعب بالنرد.

الجمعة، 15 أغسطس 2025

إلى الأسد حمزة

ولدي الغالي، البكر الذي تباهيت باسمه كثيراً وجعلته كنيةً لي.
اعلم ياولدي بأني أحبك، وهذا الحب بُني على مسؤوليات وتنازلات عظيمة؛ عن سعيي الحثيث بأن تعيش حياة كريمة تناسبك، تلبي طموحاتك وتطلعاتك، عن القرارات المصيرية التي اتخذتها لأجلك؛ أنت وأخوانك.
فاذكرني بخير وأدعو لي بالخير، فمن محاسن ديننا الحنيف قول جدك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم "وولد صالح يدعو له ".
فالله الله بتقوى الله، واستحضر نياتك الصالحة على الدوام، وامتثل لأوامر الله ورسوله الكريم، وطع أمك جنتك ونارك، وسر على نهج أهلك وسلفك الأخيار.
واعلم بأن الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فتزوّد من ممرّك لمقرّك، وعش عزيز كريم النفس، طيّب القلب مع الأخيار، وعامل معاملة الندّ مع العامة والأشرار, ولا تعش حياة السفلة، ولا تكن غايتك من الدنيا السبهللة.

واقصد المال الحلال، واسأل الله منه الكثير الوفير، واعمل على ذلك بالتوكّل على الله والأخذ بالأسباب، وساعد المحتاج وتصدّق على الفقراء؛ فالمال ياحمزة قوّة، به تعز ودونه تذل.
ولتكن كبير أهلك، وعظيمًا عند قومك.. ارعى مصالحهم ولبِّي احتياجاتهم؛ فسيِّد القوم خادمهم.

واعمل دوماً بذكاء لا باجتهاد، وليكن طموحك عنان السماء، ولا ترض بالقليل إلا في بداياتك ثم اطلب الكثير في أثناء ذلك.

وصاحب الأذكياء الفطناء النجباء، من يعينوك على تحقيق مرادك وأهدافك الدنيوية، وصاحب الصالحين لا الطالحين من يقرّبوك إلى الله أكثر والوصول إلى غاياتك الأخروية؛ واعلم بأن دنياك لا تستقيم إلا بآخرتك وإلا خسرت الدنيا والآخرة معاً، نسأل الله السلامة.

واطلب العلم باستمرار، مثل علم الأنساب فإنه يجعلك في محط التقدير والاحترام.
واحفظ الشعر وافهم معانيه العميقة من شعر الجاهلية إلى الإسلامية، من شعر عنترة إلى ديوان جدك الإمام الحداد.
وتذكّر دائمًا وأبدًا.. بأنك حمزة ابن عبدالرحمن؛ سميتك بنّية صالحة ومقصد واضح صالح بأن تصبح مثل عمّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأخوه من الرضاعة، الشجاع من لا يخشى الناس، المهاب على الدوام، الناصر لدين الله، أسد الله ورسوله؛ حمزة ابن عبدالمطلب
.

فهذه يا ولدي كلمات أوصيها لك.. احفظها في سرِّك واعمل بها في علانيتك وعلِّمها لأخوانك ثم لأولادك من بعدك.
فلا اعلم إن كنت قادرًا على تلقينها لك في كبرك وعند نضجك ووعيك أم أنها ستستقر معي في القبر؛ فإما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
ولا تنسَ بأن تدعو لي على الدوام؛ أنت وأخوانك وعيالك..

السبت، 2 أغسطس 2025

اضرب ولا تُضرب

عودة مجددًا للخواطر العبثية والسوداوية..
وعلى غير المعتاد، استيقظت مبكرًا ووجدت نفسي مختنق، وبالمعنى الحرفي لتوصيف الشعور بالكاد أتنفس.
وعوضًا عن المشي الخفيف الذي يساعدني على لملمة أفكاري؛ وجدت نفسي أذهب إلى النادي الرياضي.
عاقبت نفسي هناك، جلدتها جلدًا إن صح التعبير.
كنت اعتقد بأن هذا الجهد الاستثنائي سيساهم في تخفيف الاختناق لكنه لم يفعل!
الشيء الوحيد الذي أزاح هذا الاختناق برمته واستطعت بعدها إلى إجراء عمليات الشهيق والزفير بشكله المعتاد هو؛ البكاء.
نعم. لم يكن بكاءً عاديًا كانت وسيلة انهيار، وانهرت بالكامل.
في الحقيقة منذ فترة طويلة لم أشعر بهذه الخفة.
لم أكن اعلم إلا الآن بأن الدموع وزنها أثقل من وزن الأثقال!

لدي اعتقاد مؤخرًا بأن الحياة ستجلدنا شئنا أم أبينا.
لن تكون سهلة علينا بالمطلق.
وستمضي الأيام بعدها وسندرك بأنها مضت بخيرها وشرها.
المهم في هذا كله؛ كيف نتعامل مع الجلد؟!
وفي طريقة التعامل باعتقادي هناك خيارين اثنين لا ثالث لهما:
إما أن تكون ضاربًا أو مضروبًا، وفي كلا الخيارين أنت مسؤول عن هذا الاختيار ولا أحد سيهتم بك.
هذا هو الواقع برمته، لن تجد من يواسيك أو يحتويك أو يحتضنك في حال كان الإخفاق والضرب حليفك وقرارك؛ الجميع يطالبك بأن تكون الرجل الخارق وإلا فقدت ذاتك وشخصيتك وكرامتك.
وسواء ضَربت أو ضُربت الأمر سيان لأنه قرار وينبغي أن تدفع ثمنه عاجلًا أم  آجلًا.

خلاصة القول..
انهض أيها الضعيف "الرخمة" من عقلية المظلوم في هذه الحياة واضرب بقوة واجلد بغضب لكل من يستهين بك.
لكل من لا يضع لك حد أو تقدير.
أنت خليفة الله في أرضه، أنت مطالب بتحسين عقليتك ونفسك ونفسيتك وشكلك باستمرار.
إياك ثم إياك ثم إياك أن ترضى على نفسك بأن تعيش على الهامش.
جدتي رحمها الله بطيبتها وحنيتها كانت تقول لي: "كن مظلومًا يا مان في هذه الحياة ولا تكن ظالمًا" هكذا كانت تناديني بـ "مان" كدلع ولا أعلم إن كانت تقصد بالرجل بالمعنى الإنجليزي أو ربما بـ (Man Up) بمعنى استرجل.
لكم أود إخبار جدتي الآن بأن الحياة غير منصفة أبدًا والمظلوم في هذه الحياة هو حقير، ضعيف، هزيل .. إلخ.
وأن تكون ظالمًا خيرًا من أن تكون مظلومًا لاعتبارات دنيوية لا دينية لكن المهم في مطلق الأحوال لا ترضى على نفسك الظلم والإساءة؛ حاول جاهدًا بألا تكون ظالمًا أو مظلومًا.


حاول أن تبكي بهدوء، أن تنهار بخفة، أن تصيح بصمت.
لكن قم بعدها واضرب بقوة فإن العاقبة واحدة.





الأحد، 20 يوليو 2025

٣٥ عام

 أبلغ الآن الخامسة والثلاثون.
٢٠ يوليو من كل سنة؛ أجد نفسي بالضرورة أكتب شيئًا ما.
حتى ولو لم أجد فكرة اكتبها، اجتهد أيَّما اجتهاد لكتابة شيء ما، لوضع بصمة ما.
أليست الكتابة فعل خلود؟!

كنت قد اعتدت الكتابة من فترة لأخرى لسنوات عدة عدا أني توقفت عنها لأسباب كثيرة، ولا أعني هنا الكتابة الإبداعية وإنما الخواطر التي لا يقرأها سواي؛ الخواطر التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
أو ربما يقرأها لاحقًا من بعدي لكن بوعي وإدراك حمزة وحامد؛ ملائكتي الآن وطفلاي الصغيران.
في الحقيقة لم أكن أتصور يومًا بأن أتوقف عن الكتابة وها أنا أفعل، رغم اعتقادي بأنها أفضل وسيلة للتعبير كإحدى تقنيات العلاج السلوكي التي تعتمد على فلسفة مواجهة الألم والقلق؛ فهي متنفس وحل نستطيع من خلاله تفكيك العقد والأفكار العشوائية التي تجتاحنا، وهي أيضًا كما شبهها الروائي نبيل الملحم بقوله: " الكتابة هي الفعل الأقرب إلى الاستحمام، فعل إزاء شوائب الجسد، هل تستطيع أنت أن تتوقف عن الاستحمام؟ "

والخاطرة اليوم ولا أعلم إن كانت هناك خاطرة تليها أو ربما في السنة القادمة ولكن هي عن الخامسة والثلاثين.
العمر الذي يصل فيه العقل البشري إلى ذروته الإدراكية كما تشير الدراسات الحديثة، ولا أعلم في الحقيقة عن مدى صحة الدراسة وما إن تمت وفق معايير دقيقة أو مجرد تطبيب للمشاعر باسم الدراسات.

هي أيضًا مرحلة النصف بين البداية والنهاية؛ البداية المربكة حال بلوغنا الثلاثين والنهاية التي ترشدنا للأربعين.. فإما حينها مراهقة عبثية متأخرة أو نضج ووعي عاقل وراشد.

والحقيقة في داخلي أني لطالما كرهت أنصاف الحلول مؤمنًا بقول العبقري جبران خليل جبران وهو يقول مستطردًا وبحكمة بالغة باعتقادي قد كتبها وقد بلغ الأربعين من عمره:

" لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتَّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت.

إذا رضيت فعبِّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبِّر عن رفضك،

لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها وهو ابتسامة أجَّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك.

النصف هو أن تصل وأن لا تصل، أن تعمل وأن لا تعمل، أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت، النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه.

نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة، النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان "

قال جبران قولته الخالدة ووضعنا في مأزق النصف والمنتصف ورحل.


كانت طموحاتي عالية جدًا فيما مضى؛ فيما يختص بالكتابة والتأليف.

كنت أداعب عقلي بالقراءة فالكتابة كما يداعب الإنسان التافه نفسه بتوافه الأمور.

لاحقًا توقفت.. وتوقف معها كل شيء.

واستمريت دون أكتب لفترة طويلة.

أشعر الآن وكأني فقدت لوهلة شيئًا ثمينًا لم استمر عليه.

حتى جاءت الإشارة، العلامة التي دفعتني للعودة إلى الكتابة؛ وهو العمر الذي كنت اعتقده بأنه ليس إلا مجرد رقم، والواقع بأنه فعلًا ليس رقمًا فحسب؛ فكم من بلغ الأربعين لكنه سفيه، وآخر في العشرين وهو في قمة النضج، العمر دلالة على تراكم الخبرات والاستفادة من الدروس القاسية.


هذه الخاطرة كانت في حينها مناسبة جيدة للكتابة مجددًا.. في عقلي كانت المقدمة سلسة والبداية واضحة ولكن وجدت نفسي أكتب عن شيء مختلف تمامًا؛ عن العزلة الفكرية، الخاطرة السابقة.

وجدت نفسي أكتب دون هوادة.

أكتب كما لو أنها آخر مرة.

وفي الواقع.

الكتابة هي حالة من تفريغ المشاعر المكبوتة.

أو ربما حالة وجدانية تجبرنا على التعري وكشف ما هو مخفي ومستور من منظورنا ككتاب.

والممتع في الأمر بأني شعرت بالراحة بعدما انتهيت منها.

وكأن حملًا ثقيلًا على ظهري قد زال أو ربما نشوة قد بلغتها!

وفي كلا الحالتين.. تظل الكتابة أفضل وسيلة للتنفيس أو القذف.

الجمعة، 18 يوليو 2025

الصوت المسموع

قال أنطون تشيخوف: لا أحد يستمع، الكل ينتظر دوره في الحديث.
بهذه العبارة نستطيع تأصيل وفهم واقعنا المعاصر، ولذلك سمّهم ما شئت: رويبضة، سفسطائيين، فارغين، سطحيين.. طالما يرتدي أحدهم قبعة الحكيم والمستشار ويمارس شهوته بجدارة مطلقة، وببراعة لا متناهية؛ شهوة الكلام.


اعتدنا في الصغر على سماع الحكمة العربية في الإذاعة المدرسية والتي تقول: خير الكلام ما قل ودل، وقال أحدهم: إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
لكن اليوم وعلى النقيض تمامًا اختلف المعيار.. أصبح السكوت مشين والصمت نقص ثقة لا هيبة، بينما الكلام سمين رزين رصين ووتين.
لذلك لا يهم فيما تتحدث به، ولا يعوّل أبدًا على مضمون الفكرة ومدى فرادتها لكن الأهم من ذلك هو أن تتحدث حتى يروك كما قال سقراط.
وبقدر ما تتصنع الثقة ضمن حديثك فأنت في حال جيد، ولا يهم أن تكونًا متخصصًا أو عالمًا أو خبيرًا فيما يُتحدث عنه في المجالس؛ حاول أن تتكلم عن الغيبيات والكرامات التي تسمعها شريطة أن تبدأ قولك بــ حدثني فلان وسمعت عن فلان، وإن أردت ما هو أرفع من ذلك فقل قرأت ذلك في كتاب البداية والنهاية لابن كثير، أو الرسالة القشيرية للإمام أبي القاسم القشيري. جرِّب أن تتحدث عن السياسة وأنت تتصنع دور ضيف ثقيل في إحدى القنوات الإخبارية، وجميع الأنظار عليك تشاهدك بدهشة وتعجب كما لو أنك فعلًا قد امتهنت السياسة لسنوات عدة.
ماذا لو كان الموضوع عن الرياضة أو الموسيقى ولم تستطع مجاراتهم في ذلك النقاش المحتدم؛ حاول أن تمنطق الأمور في صالحك دائمًا فأنت نفس الشخص الخبير السياسي والديني من قبل، اذكر لهم بعشوائية إحصائية حجم سوق الإعلانات في رياضة كرة القدم، ألقي بالأرقام جزافًا لن يدقق أحدٌ بعدك.
انظر للأمور كما لو أنك محور الكون، كما لو أنك مطالب في إثبات مدى ثقافتك العامة ومعلوماتك النخبوية حتى وإن كانت معظمها نتاج متابعة حلقات الدحيح لا مستخرجة من أمهات الكتب.
لذا تصنّع الشيء حتى تجيده بل تتقنه، ولذلك عند الإنجليز يقولون:
!Fake it until you make it

 

أدركت مؤخرًا بأن الثقة هي نتاج إيمان داخلي تعزز من الصوت الداخلي الذي يعيش معك ويخاطبك دون أن تراه؛ لا تعاديه بل صاحبه ليقف في صفك في أسوأ حالاتك وأفضلها. الصوت الداخلي إما أن ينجحك أو يخذلك، فإن نظرت إلى نفسك نظرة ثقة وقوة واعتزاز وجدت من حولك ما هم إلا بشر في أضعف صورة، ما هم إلا أنداد أو سفلة حقراء وبمطلق الأحوال من السهل مجاراتهم طالما امتلكت الثقة، لكن في حال كانت نظرتك دونية فإنك بذلك تسقط جميع قواك الخفية وأنت إلى الهلاك صائر، ولن ينفعك حينها علمك وثقافتك وذكاؤك.

وتأكد يقينًا بأن نِعم الحياة لا تعطى للأذكياء الصامتين ولكن للمتذاكين المتكلمين أو الأغبياء الثرثارين؛ أولئك فقط من يمتلك الصوت المسموع.. وأن من يعمل ويسكت من منطلق أن عملي مرئي ويعبّر عني فهذه من جملة الهرطقات، تجنبها بارك الله فيك.

الجمعة، 4 يوليو 2025

العزلة الفكرية

لدي تجربة شخصية لعلها تكون مفيدة لمن يرغب بأن يعيش مثلها أو على أقل تقدير جزء من تفاصيلها؛ عن قدرتنا على التكيّف في جغرافيا مختلفة عن التي عشناها سلفًا؛ دولة كانت أو مدينة.
أعيش الآن في مجتمع مغاير عن الذي اعتدته، مختلف عن الوطن الذي ولدت فيه، رغم أنه يشبهه في العادات والتقاليد ضمن مجلس خليجي واحد، وهنا أسأل؛ أليس الوطن هو المكان الذي يأوينا ويحتوينا أم المكان الذي نولد فيه؟!

الأمر بطبيعة الحال صعب، أصعب مما اعتقدته.

كنت أزعم بأني قادر على التكيّف مع أي مجتمع كان أو ثقافة ما.
في الشرقية حيث ولدت؛ عشت الهدوء والطمأنينة وهم هكذا أهلها طيبون وبها يمتازون، انتقلت بعدها إلى الرياض العاصمة، 
المدينة التي باعتقادي لا تنام وفي معظم أوقاتها الزحمة والحياة حيث الصخب واللاهدوء وبالمناسبة سكانها هم أيضًا لديهم ميل للحركة المفرطة وكثرة الكلام، ثم إلى أبوظبي المدينة المطمئنة والتي مازلت آتعرف عليها إلى يومنا هذا.


كنت اعتقد بأن الإنسان كائن اجتماعي يستطيع بطريقة أو بأخرى من الانسجام؛  بمعنى أن وعي الإنسان قادر على تكييف عقله من تفعيل المهارات الشخصية والاجتماعية في إيجاد أرضيات مشتركة تتيح له التواصل مع الآخرين؛ لكني فشلت، وهذا الفشل هو تجربة فردية وشخصية لي لا أكثر.
سواء عندما انتقلت إلى الرياض أو الإمارات، ولكن في الأخيرة ضررها أشد لأني أجهل فيها أكثر مما أعرف.
وهذه التجربة غيَّرتني كثيرًا.

جعلتني شخصيًا أعيش حالة من العزلة الفكرية أو الخواء الفكري إن صح التعبير.

ومن واقع الحياة الاجتماعية فهنا حيث أعيش، الناس فيه أكثر تدينا، على أقل تقدير في محيطي وضمن بيئتي؛ لكن هذا التدين خاوي.
ومن واقع الحياة الفكرية وأعني بها الحوارات 
والنقاشات الفكرية مع شخص واعي يثري تفكيرك ويداعب عقلك ويفتح لك أفق جديدة للفهم والتقدير.
كنت ولا زلت أؤمن بأن الإنسان عقل وقلب وجسد، وعلى هذا الأساس فكما أن للجسد وسامة ظاهرية، وللقلب وسامة باطنية تترجم عبر لغة المشاعر، فأيضًا للعقل وسامة ليست مجرد جاذبية مؤقتة بل هي بريق دائم؛ وكما نجوع للحب فإننا نجوع لحوار جيد، للنقاش مع شخص واعٍ، يختلف في الآراء معك أكثر مما يتفق، لا يجاملك ولكن يعلمك.. ولذلك يقال: جاذبية العقل لا تبهت.
الناس هنا سطحيين، تافهين ومملين للغاية.
والرغبة الصارمة التي تدفعني لأن أكون شخصًا اجتماعيًا هو بأن أكون منافقًا.
والنفاق ليست من خصالي أو على أقل تقدير ليست من ضمن المهارات التي أجيدها.. سمِّها ما شئت يا عزيزي المنافق؛ ذكاء اجتماعي أو عاطفي.

وكلما شعرت بالعزلة والخواء شحنت نفسي بالعبارة الخالدة إلى قلبي، تلك التي كتبها ألبير كامو في مذكراته: " لا أحد يعرف أن البعض يبذلون مجهودًا جبارًا فقط لكي يكونوا مجرد أشخاص عاديين " أو بعبارة أخرى المجهود الذي يبذله الإنسان في التكيَّف مع مجتمع لا يرقى إلى مستوى إدراكهم وأفكارهم.

وباعتقادي أن أحد أسباب الشقاء ينبع من عدم إيجاد شخص يفهمك كما هو أنت، فلا تحتاج معه إلى تبرير موقف أو توضيح مقصد؛ هو يفهمك غاية الفهم.
وهذه نعمة قلَّما تجدها عند أحد، ولذلك قال أحدهم: واختر خليل قلبك بحكمة فليست كل القلوب بالقلوب تليق، واختر لنفسك شخصًا إذا قست عليك الأيام؛ يكن لك فيه عشم لا يخيب.





 


الأربعاء، 1 يناير 2025

خاطرة نهاية سنة 2024

ها أنذا أكتب من جديد.. ونهاية كل عام.

أجد نفسي مدفوعاً إلى الكتابة؛ لا عن نجاحاتي أو إخفاقاتي بل عن ما هو أعظم.

سنة ٢٠٢٤ رغم تحدياتها إلا أنها حملت عنوان: دوام الحال من المحال، فلا شيء يدوم على حاله مطلقاً.

سنة ٢٠٢٤ تعتبر من أسوأ مراحلي المهنية وللأسف.

لا أندب حظي لأنها قرارات كنت قد اتخذتها مسبقاً وها أنا أدفع نتائجها الآن، ولعلي أجد ثمرتها ومكافأتها لاحقاً.. أرجو ذلك!

في أوقات الرخاء، في أفضل حالاتنا النفسية والمهنية نستطيع أن نبرهن على تفوقنا ونمارس سلطة فوقية على من دوننا ليست من دافع غرور وكبرياء والعياذ بالله لكن نشوة نصر نعيشها في تلك الفترة ونشجع الآخرين بطريقة إيجابية أو سلبية على بذل مزيد من الجهد للوصول إلى غايات عظيمة!

ننسى أو نتناسى ظلمة الأيام عليهم أو محاولاتهم البائسة أو اختبار الله لهم في الصبر وانتظار المكافأة الكبرى، ولا نشعر بهم إلا إذا انتكسنا عندها لا نجد أنفسنا إلا متقوقعين حول ذواتنا، نرغب بالمساعدة ولكن عزّة النفس تأبى الطلب ولكن ليس للإنسان إلا السعي والتوفيق من الله.

نعم. دوام الحال من المحال.

لا يجدر بك أن تغتر بنفسك على نجاحاتك أو أن تنسبها لنفسك دون توفيق الله ولكن ينبغي أن تعلم بأن المال رزق من الله لك يسوقه لك كيفما شاء وأينما شاء وما عليك سوى الرضا واليقين به، وما يتداوله كثير من السفهاء حول أن المال لا يأتي إلا بالسعي والاجتهاد وبمعزل عن توفيق الله الواحد فهذا ضرب من ضروب الشرك والعياذ بالله لأنه فقد ألوهيته لله القهار وجعل اجتهاده سبباً للنجاح وهو بذلك مَثل قارون عندما قال (إنما أوتيته على علم عندي)، وإن اجتهد وبذل من الاجتهاد أقصاه ونال ما ناله فليحمد الله أولاً على توفيقه إذ سخّر له الأسباب التي قد تجهلها في أثناء رحلتك؛ بمعنى أن الظروف ليست مؤاتية عند الجميع، ورحلة اجتهادك إن كانت صعبة فهي أسهل كثيراً عند آخرين، فلا أنت الذي ولدت في قرية نائية يبعد ماؤها كيلو مترات وسمتها الفقر المدقع وانتشار الأمراض والأبواء والحشرات، لا صحة ولا تعليم ولكن هو مبدأ النجاة لليوم إلى اليوم الذي يليه. وكن على يقين بأنك أحوالك ميسّرة وظروفك مهيّأة وعند التفكّر ستجد بأن الله سخّر لك الظروف والأسباب ما أدركتها سواء كانت دولة آمنة، عائلة معطاءة ومحيط داعم، أو تلك الأسباب التي لم تدركها بعد!
فلا تغتر بنتائج اجتهادك وكن حامداً شاكراً لله وحده.
وليكن دأبك هو السعي مع التسليم بقضاءِ الله وقدره ولتستحضر دوماً أبيات الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه:
                فلو كانت الدنيا تنال بفطنةٍ             وفضلٍ وعقلٍ نلت أعلى المراتب
                ولكنما الأرزاق حظٌ وقسمةٌ             بفضل مليكٍ لا بحيلة طالب