الجمعة، 18 سبتمبر 2020

في معنى الحب

جرت العادة بأن طريقة التعبير عن الحب هي بالحديث المتواصل.
الحديث اللذيذ الذي لا يعكر صفوه عارض ما.
حديث عفوي وتلقائي ومسهب دون الشعور بالملل أو الضجر.
حديث لا يحمل معه مقدمة أو نهاية بل االقفز المثير للسخرية من موضوع لآخر دون أي رابط.
المهم ألا يتوقف.
ومتى ما توقف الحديث بعثرت على إثره خيوط التواصل التي حبكت بشكل متقن.
وهذا الكلام لم يصدر من عبث.
لم يأتي من فراغ.
لم يستنتج من منطق بوهيمي مريب.
وإنما من واقع جدير بأن يحدث لكل عاشق.
إذا لم تعش مثل تلك التفاصيل البسيطة فغالبا لم تعرف معنى الحب بعد.

جرت العادة أيضا ولكن بتجربة خاصّة تمثّلني بالضرورة.
أن أبدأ حديثي مع حبيبتي عن امتعاض ما.
امتعاض يحدث بسبب مواقف وأحداث سياسية محليّة أو دوليّة تخص الشأن العام.
في حق تقرير مصير الشعوب، والوقوف بجانب الضعيف المظلوم.
واضطّر بعد ذلك إلى الإسهاب الممل.
في تفنيد الآراء الغير منطقية والتي يرجوا أصحابها مصلحة فردية، ضاربين بعرض الحائط المنفعة الجمعية والعامة.
حبيبتي لم تكن من أولائك الذين يعوا المنطق السليم لما يحدث خلف الكواليس.
عدا أنها تجيد فنّ الاحتواء.
تحتويني بعاطفتها الجيّاشة والمثيرة للحب.
من خلال أسئلة بديهية ساذجة حتى لا أتوقف.
لا تقاطعني البتة.
تتجرّع المرارة لمتابعة الأخبار السياسية علّها تصيب في تأويل ما يجري من أحداث عاجلة.
ولم تصب لا من قريب ولا من بعيد.
لن تصيب أبدا.
لأني أمتلك قلب أبيض نقي وعقل واعي يهتم في أمور أعظم من مجريات ما تحدثه السياسة النجسة!
هكذا ترد علي متى ما وجدت نفسها غافلة وبعيدة عما أتحدث عنه.

نتطرق بعدها إلى أحاديث أكثر نخبوية.
عن الكتاب الأخير التي كانت على وشك الانتهاء من قراءته.
كان يحمل عنوان : الرجال من المريخ والنساء من الزهرة.
وتعلّمني بطريقتها العفوية بعض النقاط والاستنتاجات وكثير من الخواطر التي دوّنتها في المذكرة الوردية التي تحتفظ بها في مكان خفي ؛ أسفل مرتبة السرير من عند القدم.
وعندما بوغتت مرة بأن لم تجده في مكانه المعتاد. 
لم تعد تعبأ في إخفاءه ولكن كتبت على مقدمة الغلاف : ستصيبك لعناتي عندما تبدأ في تصفّح تلك الأوراق.
ولم يجرؤ أحد على الاقتراب من تلك المذكرة أبدا.

معها أشعر بأن الكون أصبح أكثر دفئا.
أكثر احتواءا.
كيف لا وأنا المتيّم بقارئة تغمرني بحب العقل والنفس.

ليست هناك تعليقات: