الخميس، 5 ديسمبر 2019

ابتسامة

اعتدت على ابتسامتك مع كل إشراقة شمس.
اجعلها حصني الحصين من الأشرار، الأوغاد والسحرة.
أستطيع أن أتخيل السيناريو المحتمل حدوثه ليومي من ابتسامة!
إن كانت منفرجة الأسارير وعيناك متسعتان متلألئتان عندها أتنبأ بصباح جميل.
لو كانت خجولة؟ خافتة؟ غير مطمئنة؟
أحاول وقتها أن أبتعد عن كل فعل يتطلب الجسارة أو الترجّل لفعله؛ الحظ هذا الصباح لايقف في صفي.. أعتقد بأنه سيصيبني شيئا ما.
ماذا لو كنت غاضبة؟ مكشرة عن أنيابها؟
تبقى الحلول معدمة.
لا حل لي سوى الاستئذان والبحث عن متنفس وحيد بعيد عن كل شيء.

رقصتي مرة رقصة مريبة.
رقصة عجيبة.
أضحكتنا كثيرا.
أسميناها رقصة الناقة!
ضحكتي على فشلك وضحكت أنا بعدك .. وشتان ما بين الضحكتين!

عندما تنزوين وتبتعدين عني لسبب أجهله.
اتبّع إحدى الحلول التالية:

أتحدث إليك طويلا عن فلسفة ما، مع أني أعلم بأنك تجهلين حيثياتها ولكنك ترغبين بالاستماع فحسب وهنا مبلغ الملل قد أصابك.
أو أن أحتويك بعبارات الغزل؛ لأنك في هذه اللحظة تعيشين أسوء حالاتك النفسية.
وإما أن أتحدث معك بلهجة كويتية مشوّهة " مكسرة "
وتضحكين بعدها وكأن شيئا لم يكن.
حدثوني عن طفلة جامعية أخبركم بأنها حبيبتي!


طفلتي الجامعية لا تفتأ تتركني لأي سبب كان دون أن أستعيد مزاجي الجيّد.
المعكّرعلى أتفه الأسباب.
المتقلّب لأبسط الأحوال.
فجأة وبدون إنذار مسبق.
قلق متصاعد..
غضب عارم..
 وأكثر..
هاتفي الذكي حينها لا يهدأ أبدا ..
ثورة اتصالات ورسائل..
أغيب عنه فترة حتى أجده مرهقا وقد انخفض معدل استعيابه مادون النصف.
 تلعن أخيرا اليوم الذي أحبتني فيه.
تهدأ .. ثم تعاود الكرّة مجددا. 

تضحك أخيرا على أي تعليق ساخر أو مقطع متداول حتى استسلم طواعية..
 ثم أخبرها بعبارة قد اعتدناها ..
- تعرفين إني أحبك صح؟
- تعرف إني أموت فيك صح؟
- تعرفين إني أعشقك صح؟ ،، وسلسلة لا تنتهي من صح و صح.
هكذا هو الحال معها دائما وبهذه التراتيبية.

اكتشفت حيلتي فيما بعد وابتدأت بالأخير أي حاولت أن تعبث بالترتيب بدءا من الفكاهة..
غضبت منها كثيرا..
زاد حنقي عليها أكثر.
رجل تقليدي مثلي لا يستقر عاطفياً إلا على نظام محدد .. بترتيب معيّن وأولويات مكتوبة إلا فيما ندر!
ألم أخبرك يوما بأن مزاجي لا يتحسّن إلا بك ؟! 


هل أخبرتك من قبل بأني أختلق الدعابات حتى أحصل على ابتسامة ثغرك كمكافأة لجهدي؟!
لا تعلمين أبداً بأني أبذل جهداً عسيرا حتى أضحكك.
وأنت التي تضحكين على كل شيء!
أتساءل: هل يفعل والداك مثلي؟ أخواتك ؟ إخوانك؟
هل يسعون جاهدين لذلك؟ هل أنقم عليهم أم أحسدهم عليك؟!

أخبرتك مراراً بأنك تملكين ابتسامة فريدة.
لا تشبه ابتسامة أحد.
حتى الجميلات المثيرات يمتلكن كل شيء إلا ابتسامتك.
مفتون بها للحد الذي يجعلني أسيرا لها .. مقيّدا بتفاصيلها المغرية.
أنت لوحة جميلة معتّقة تعيدني فيها الذكريات إلى حكايات ألف ليلة وليلة .. أنت صورة باهرة يجب أن تبرز في البهو السادس من الرواق الثالث لمتحف اللوفر بأبوظبي.

يليق بك الضحك كثيراً ..
لا تعبسي طويلاً .. 
حاولي أن تبتسمي على أقل تقدير ..
أحبك جداً.. 
أحبك أكثر منك.

الأربعاء، 13 نوفمبر 2019

الأمر دوما يتعلق بالشغف ..

يحكى عن كاتب مغمور استطاع أن يصل إلى الطموحات المعتادة دون رغبة منه.
الطموحات البائسة عند بني البشر..
الشهرة ، الثراء وتحقيق الذات.
وكل ذلك عن طريق الكتابة.

من يخبرك بأن الشغف هو الألم اللذيذ.
المانح لحياة أفضل وذات معنى.
فعليك أن تبتعد عنه.
لا تحاوره أبدا ؛ لا ترهق نفسك بالحديث معه.
إنه من أولائك الذين يدسون السم في العسل.
يتاجرون بالمفردات الايجابية ..
بالعبارات الرنانة التي تلمس قلبك العاطفي
وأنت على ذلك الحال مادمت معهم.

شاهدت مصادفة محاضرة قيمة على منصة تيدكس كان عنوانها "لإيجاد العمل الذي تحبه ، لا تتبع شغفك"
والمرفق هو رابط المحاضرة ..
https://cutt.us/P1a09
 وأستطيع أن اختزلها بأن الشغف متغير بناء على المرحلة العمرية والفكرية.
فشغفك في العشرين يختلف عن الثلاثين وهكذا ، على افتراض أن الشغف كان بدايته اهتمام في مهارة ما.
وبإعادة صياغة الجملة :
لا تتبع شغفك ولكن إفعل ماهو قيَم.

فيلم Maudie للفنانة المرشحة لجائزة الأوسكارSally Hawkins والفنان المبدع Ethan Hawke
يحكي قصة حقيقية عن الرسامة الكندية Maud Lewis التي استطاعت أن تهزم مرضها وأن تبدع في رسوماتها التجريدية..
ثم تختم لنا الفيلم بعبارة فلسفية " الحياة كلها مؤطرة بالفعل "
و التأطير في اللغة أي جعل الشيء له إطارا أو هيكلا.
ماود لم تكن تسعى للشهرة وإنما سعت في بداية الأمر للهروب من ظلم ألحق بها..
هربت إلى الألوان والفرشاة فقط.
وكبرت حتى ماتت على ذلك.
لا أستطيع أن أجزم بأن شغفها كان الرسم في معناه الأول ولكن وسيلتها للحياة.
الشغف هو أن تأنسن أفعالك..
أن تعمل ما يجعلك أكثر إنسانية على خلاف البقية.

المتتبع لسيكولوجية الجماهير في الوقت الحالي ونماذج القدوات والتفكير الجمعي من حيث التأثر والتأثير سيجد الأمر محبطا للغاية.
صعود الحمقى والرويبضة والسفلة يعود إلى خلل في إعادة مفهوم الشغف.
لم نكن نعي تلك المفاهيم المغلوطة في سياقها والعلوم الساذجة من قبل وكنّا في أوج عطاءاتنا الأخلاقية والسلوكية.
هل يذكر أحدكم بأن جده قد أخبره يوما وعلى انفراد : يابني إتبع شغفك؟!
كان يخبرنا بأن نيّة المؤمن خير من عمله.
وأن أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس.
كان يقول : يابني إعمل ما شئت فإن لك ملكين أحدهما بيمينك والآخر عن شمالك..
إتق الله فيما تفعل وتصنع وأنوي الخير مادمت حيا.

الشغف ياعزيزي كلمة أصعب من أن تفسر على أنها الفعل الذي يحفزك على تحقيق ماتريد..
كفانا عبثا لو سمحتم.

الخميس، 7 نوفمبر 2019

تفاصيل

جرت العادة بأن أحتفظ بالتفاصيل لنفسي..
تلك التفاصيل الهامشية التي لا يهتم لها أحد.. والحديث عنها ضرب من ضروب العبث.
الأمر لايتطلب قدرا من الذكاء حتى يتم تداركه ولكن قليلا من الاهتمام.

أنا أسماء.
أبلغ من العمر الثالثة عشر.
مراهقة عنيدة ذو مزاج صعب.
لا أبحث عن شيء سوى ما يطمئن به قلبي.
وتلك الممارسات الخاطئة أفعلها بمحض إرادتي الكاملة لإيصال رسالة ما..
رسالة مفادها بأن الحياة أجدها في التفاصيل البسيطة ، في الأحاسيس والذائقة.
ليس من السهل أبدا الدخول إلى عالمي الخاص .. الكيان المحصن ؛ إلا بفهم تلك التفاصيل.
وقبل أن أعرج عليها. ينبغي أن أذكر ملاحظتين وعلى عجالة :
الذكاء ليس نعمة في معظم الأوقات والملاحظة التالية الحديث العقلاني المباشر لا يفضي إلى حل بالضرورة.

أكتب الآن وقد سئمت الحياة.
سئمت من تلك الحلول البائسة المتكررة والروتينية.
وأعني ذلك حرفيا وفعليا وقطعيا.
الحياة ليست دائما درس علوم : اتحاد ذرات الهيدروجين مع الأوكسجين سينتج عن ذلك جزيئات الماء.
أو ربما درس رياضيات : أربعة زائد أربعة ينتج عنه العدد ثمانية.
الحياة تصبح أجمل عن طريق التفاصيل.. وأعني السلام الداخلي.
القبلة الحانية والعناق الحميمي.البيئة المستقرة والجو العائلي اللطيف.
التضحيات والتنازلات.. الدراسة الواقعية لفهم المقاصد والنيات!

الأمر يكمن أيضا في التفاصيل حتى في مضمونها السلبي.
الشجارات التي منشؤها عدم فهم الآخر .. عدم استعياب الدافع من وراء الفعل وردة الفعل.
التراكمات الكبيرة كانت يوما تفاصيل صغيرة. 
ليس بالسهل العودة إلى الماضي كما كان أو التغاضي عنها ببساطة.
في حقيقة الأمر تتطلب قدرة واعية ونية قوية وفعل تغيير بطيء.

أعتذر لكم عن كل ضرر ..
عن حبّي لذاتي كثيرا..
أحبكم جدا.
لاحرمني الله منكم.

الأربعاء، 9 أكتوبر 2019

الجوكر

الساعة الآن : الثانية والنصف صباحا.
عدت للتو من دور العرض بعد مشاهدتي للفيلم المثير للجدل .. المسبب للضجة .. المؤدي للحنق والصياح عند أخصائي النفس والسذج.
قررت ألا أنام حتى أنتهي فيما جعبتي ، وأتحمل العواقب لليوم الذي يليه.

جاءني فضول شديد جعلني أشاهد المراجعات والتقييمات العربية. اخترت العربية بكامل إرادتي وقناعتي.
أصابتني لوعة مريرة في المعدة. كدت أستفرغ.
لاسيما فيما يختص بالتحليل النفسي العقيم.
أو تلك المختصة بالنقد الفني.. أو ربما ترجمة لناقد فني آخر.
من يعلم!

لا أجيد فنّ " الحرق " كثيرا هذا أولا!
ثانيا .. لست متخصصا بعلم النفس حتى أدلو بدلوي ولكن قراءات مختلفة فيه وعلم الاجتماع جعلني أنظر للفيلم من زاوية أخرى.

عندما اتخذ مقعده وبيده كتاب يدوّن ملاحظات الكوميدي من على المسرح ؛ مشهد معبّر عمّا يسمى بالتأثير الجمعي.
لم يضحك مثلما ضحك الجمهور. كان عكسهم تماما.
ضحك على عبارات لم تكن تستدعي الضحك وقتها.
الأمر ببساطة أنه ينبغي علينا أن نضحك عندما يفعل الآخرون ذلك، حتى وإن لم نفهم بيت القصيد.
سايرهم بالضحك حتى لا تكون شاذا عنهم .. في إطار مختلف عن التفكير الجمعي.

حتى البنات اللاتي حضرن وجلسن بجانبي وليتهنّ لم يأتوا من الأساس.
انشغلوا بتصوير السناب ليخبروا الآخرين بأنهم هناك .. أينما تواجد فيه الجوكر.
ضحك الجمهور فجأة .. ضحكوا معهم كذلك.
" انشغلوا وأشغلوني معهم الله يسامحهم "

كيف له أن يتصنع الضحك عندما سمع نبأ وفاة والدته!
رقص كثيرا بعدها كما لو أنه يرقص للمرة الأولى.
حقيقة الأمر أنه يصعب علينا نحن البشر من التكهّن بردة فعل شخص ما بناء على أفكاره وتجاربه الخاصة.
كلّ منّا معرّض لظروف حياتية مختلفة. وسيلة التعبيرغالبا تفضي إلى الانطباع العام للشخص دون أن نعي بما خلف المستور.

قبل أن نخرج تماما ..
تذكرت المعاني السامية في نصرة الظالم والمظلوم.
معنى أن يولد الإنسان خيّرا كما في فلسفة هيغل ولكن الحياة من تجبرنا على اتخاذ موقف ما بحسب وعي الفرد وإدراكه.
مرت أمامي العبارة التي لو طبقت بحذافيرها لاستطعنا تجاوز الكثير " لا تسأل الظالم لم ظلم ولكن إسأل المظلوم لم سكت؟! "

خرجنا جميعا وكلنّا الجوكر في داخله إلا البنات.

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

النسويات

كان على وشك الخوض في جدال عقيم بسبب جملة ..
الأمر يجب أن يتوقف عند هذا الحد.
لم يرسلها بعد.
تردد كثيرا حينها.
أصابته نوبة هلع تصيبه في هكذا موقف.
أعاد التفكير مجددا .. أدرك بأن الحكمة تقتضي التريّث.

قرأ عن حكمة أوشو وثورية تولويستوي وهدوء الطنطاوي وسوداوية دوستويفسكي وإيجابية باولو كويلو وغيرهم.
تضاربت الأفكار لديه.
لا يتسع الجواب فيما ان كان على صواب أو غير ذلك لكن يعلم يقينا بأن الإنسان نفس وروح وجسد.
لنقل عقل وقلب.

يتساءل مع نفسه دوما فيما يريده من الآخر.
العلاقة الشائكة والمتوترة في معظم الأوقات.
لم تكن على اتفاق حميم مع عقله. كانت مختلفة فقط.
كانت تشبه مزاجيته المتقلبة.
تستطيع أن تحتويه جيدا.
أعجبه ذلك عدا أن سلسلة الأحداث المستمرة لم تكن تستدعي الاستمرار.
يرتبط كلاهما بالآخر وفق مشاعر ما.. احتياجات عاطفية ربما، دون أن يفصحا عن رغبتهما في الابتعاد مالم يتغير أحدهما على حساب الآخر.
نعلم بأن من يحب أكثر ينبغي عليه أن يتنازل أكثر ولكن بقناعة تامة.
أخذ يتخيل بأن علاقتهما كانت أشبه بحب سارتر لسيمون دي بوفوار.
لم يكن الأمر على هذا النحو مطلقا.

كانت البداية بأن أبتدأ هو بالسؤال الآتي في إحدى المنصات الاجتماعية :
ما رأيكم في النسويات؟ بين مالهم و ماعليهم؟
تفاوتت الإجابات المنطقية عدا واحدة كانت هزلية.
قالت : نحن معشر النساء " ما يعجبنا العجب "!
لم تقل غير ذلك.
فسرّ إجابتها وكأنها تقول : مهما طالبنا بحقنا ضمن مبدأ المساواة إلا أننا سنطالب لأكثر من ذلك.
النسوية وإن كانت حركة شعبية تهدف إلى القضاء على أشكال القهر والظلم في مجتمع ذكوري بحت ولكن قد نختلف في نهاية الأمر على المصلحة العامة.
المصلحة المحايدة عندما تغيرت الكفة إلى تمكين المرأة.
عندما يتنافس جنسان على وظيفة ما بنفس الكفاءات ولكن تنحاز للأنثى على حساب الذكر.
الأمر ليس ردّ اعتبار فحسب وإنما لخلل في سنة كونية منطلقة من تعاليم سماوية مبدأها القوامة بشرطيها المعروفين.
لم يكن الحب من نظرة .. كان الحب من إجابة.

أحبط فيما بعد حينما أدرك بأن الواقع يناقض تخيلاته وأحلامه.
عزّز ثقتها.
حفّز مشاعرها.
أرشدها إلى الوسيلة ولكنها أبت أن تخطو خطوة خارج محيط الأمان.
أسهل طريق لفشل علاقة ما هي بمحاولة تغييره.
ألم يقل درويش :
قالت أمي مرّة .. الذي يحبك هو من رأى فيك 99 عيبا وخصلة حسنة!
أحب الخصلة وترك العيوب!

لم ييأس بعد.
مازال يسعى إلى تجاوز العقبات.
تخطّي المحن و الصعوبات.
بحاجة إلى أن يصبر صبر أيوب .. فهل يمكنه ذلك؟!

السبت، 28 سبتمبر 2019

قصة عشق

لم أكن أتخيل يوما بأن أكون طرفا مساهما لعلاقة حب بريئة بين اثنين رفضهم المجتمع.
طلب مني أحدهم فيما بعد أن أكتب نيابة عنه.
بعد أن حكى لي قصته.



حبيبتي لطيفة..
أدرك بأننا مخلوقات شاءت أن تتقيّد بداخل قفص ذهبي، أن تجتمع على فراش الزوجية.
أحبكِ جدا.
أعلم جيدا بأني محظوظ بكِ.
وأرغب بكِ إلى أن أموت.
سأحظى بكِ يوما ما طالما أتنفس هواءك.
أتعلمين بأن الأمر يرهقني كوننا على سماء واحدة؟
عندما أراك في كل مرة أود أن أحظى بقبلة خاطفة ولكن امتنع عن ذلك خشية الفتنة.
ألم يقل الشاعر :
خلقت الجمال لنا فتنة
وقلت لنا يا عباد اتقون
فأنت جميل تحب الجمال
فكيف عبادك لا يعشقون
أتعلمين كيف هو صراعي الداخلي معك؟! 

هل تذكرين الليلة العاشرة من شهر سبتمبر للعام 2017 ؟
عندما اجتمعنا خلسة لحضور فيلمك المفضل : Our Souls at Night
أخبرتك حينها وللمرة الأولى بأنني أرغب بطفل منك.
ضحكت كثيرا على ملامحك المبعثرة آنذاك .. شعرت بمفاجأتك بهكذا طلب.
توقعتّي منّي على أكثر تقدير بأن أقول لك .. أريد أن أكبر معك.
ألم أقل لك من قبل بأني أريد أن أموت معك؟!

جميلتي لطيفة ..
كنت أسأل نفسي دوما قبل أن أنام.
ماهو الأشد لوعة؛ الظلام أم الفراق؟
أنا أخاف الظلام. كما تعلمين.
يحاصرني دوما ويرهقني بالسواد حتى أشعر بأنه يمتص قوتي.
أنت نوري.
أنت قوتي.
لا أستطيع أن أحيا بدونك.
كيفما اتفقت الحياة على أن تحول بيني وبينك .. سأقاوم أكثر من ذي قبل.
أشعر بأني في وسط معركة مستنزفة ولا سبيل غير ذلك.
حاربت لأجلك كثيرا وسوف أحارب مجددا.
ارتديت الخوذة والدرع لتجاوز الطامحين المنافسين حتى أصل إلى قلبك وعقلك.
أيردعني أحد الآن للحصول عليك ثانية؟

قرّة عيني لطيفة ..
أتعلمين بأني ناقم على المجتمع بأكمله بسببك؟
اعتزلتهم كثيرا.
لم أعد أريد منهم شيئا سوى أن أجتمع معك في منزلنا الذي شيدنّاه في عقولنا.
ألم أخبرك بعد؟ .. أظن أنها ستكون مفاجأة سارة لك.
قررت أخيرا العدول عن رأيي في اختيار لون الجدار في غرفة النوم.
لا أعلم حقيقة كيف رضخت وأنا الممتنع عن التراجع!
فليكن اللون الذي تريدينه .. الأسود!
نعم. لا بأس. مثل قلبك عندما تغضبين!
ومع ذلك أحبك.

يبقى السؤال الأهم ..
أنا أنتمي لأسرة متواضعة بعكسك أنت.
رفضني والدك باسم العادات والتقاليد رغم أنه يحمل درجة الدكتوراة والأشد من ذلك بأنه متدين!
ألم يقرأ يوما بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " لم يرى للمتحابين مثل النكاح " ؟
كيف له أن يرفضني رفضا قاطعا بعد ذلك؟

الخميس، 26 سبتمبر 2019

تأويل النص

النص الذي أمامك الآن.
ليس بمقدور أي قارئ على استعيابه.
أو حتى مدى تشبثه هو بالنص مالم تتفق التجارب الذاتية مع النص المكتوب.
وعليه فإن فهم المجازات والاستعارات تتطلب تجربة مماثلة لفهمها وما عدا ذلك يبقى النص أو تبقى القصيدة حائرة قيد التشكّل.
والقراءة من النوع الأخير تمرّ بعملية منهكة من التأويل والمقاربة ولو لجزء بسيط من تجربة عالمية على نطاقها الأوسع.

أنا ثقب أسود أحيانا وحشرة من ناحية أخرى!
الفضاء الواسع والغرفة المهترئة!
المتناقضات بجميع أحواله.

كل من يكتب يستمتع بالضرورة بمخرجات الجمل، من إحياء الكلمات ؛ بممارسة دور الإله في أن يقول للكلمة كن فتكوني (بإذن الله)
أن يجيد فنّ الحيلة والتحايل في محاولة صريحة لنيل ثقة القارئ كأن يعيد تكرار عبارات مثل ؛ رعاك الله،حفظك الله ..
أن يقدّم جملة ويؤخر أخرى. أن يتلاعب بها كما يتلاعب بها لاعب الشطرنج المحترف.
يداعبها تارة ويقسو عليها تارة ثانية لتخرج ناضجة!
ولكن السعادة الحقيقية والفعلية للكاتب عندما يتفرّغ مما هو فيه، يتخلص من الهمّ الذي أصابه.

المساحة التي يتحرك بها الكاتب أثناء الكتابة لها طقسها الخاص.
لها عواطفها ومشاعرها حينذاك.
أن تكتب بغضب مثلا ليس كما أنك لو تكتب وأنت تحب وأنت تحلق بالسماء مغبوطا من أهل السماوات والأرض!
الكتابة المدفوعة نحو قضيّة ما تعتبر من المسلمّات لدى الكاتب؛ يعيش لأجلها أو يموت.
أو حتى تلك الكتابة المستهلكة في عمود صحيفة ساذجة. 
كلّ تلك الحالات هي بالأخير أسباب تدفع الكاتب من حيّز الصمت إلى فعل مناقض .. فعل إثبات وجود.

لا يمكن أبدا أن تستشعر مدى قوة النص و ضعفه أو مشاعر الكاتب ودوافعه مالم تربطك بأحدهما علاقة!
أن تتجلى بطلة النص بهيئة مغرية بحلّة جميلة وملامح أجمل.
أن تعيش هي الأخرى كما الكاتب.. كلاهما يعيشان مع الآخر وسط الجمل.
نسيت أن أذكر بأن الكاتب لا يموت أبدا.

السبت، 21 سبتمبر 2019

من كان شيخه كتابه!

كنت أتجول في معرض الكتاب.
جولة امتدت لساعات وساعات.
من زاوية لزاوية ، وكتاب لآخر.
كنت حينها متربّصا لكل فعل. منتبها لكل حركة.
الكتب الحديثة ، والعتيقة.
نمط القرّاء وسلوكياتهم؛ كيف يقرأون؟ ماهي المدة التقريبية لكل كتاب من بداية أن يقع على عينيه ويتفحص المقدمة حتى انتهاءه؟
من هو القارئ النبيه ومن هو من أدعياء القراءة؟ هل القراءة تمثل إليه ممارسة حقيقية أو فعلا هامشي؟
حتى الإضاءة الباهتة في الرواق الثالث عشر كانت لها نصيب من تلك الملاحظة.
الأمر لم يكن يستدعي نباهة عالية ولكن الجو المحيط والتجمّع البشري الهائل هي من حفّزتني على تقمّص دور النبيه.

الجولة لم تكن لتنتهي بشكلها الطبيعي الممل حتى باغتني أحدهم وبيده كتاب.
كان الكتاب للمفكر العلماني علي الوردي لإحدى كتبه الناقدة " مهزلة العقل البشري ".
تحدثنا طويلا عن ماهية العقل، لاسيما العقل العربي.
الايدولوجيات المصاحبة، العادات منذ الولادة حتى الممات والتفكير الجمعي المغالط.
مررنا بالذكر عن محمد عابد الجابري في سلسة كتبه عن نقد العقل العربي ، والآخر جورج طرابيشي عن نقد نقد العقل العربي.
وآخرون قد جعلوا من الكتابة سببا فاعلا لنقد ما يمكن نقده تحت أي طائل.

كان مغريا في انتقاء مفرداته. جلّيا عليه بأنه قارئ من العيار الثقيل.
كان لذيذا وملفتا عندما يعيد تكرار مفردات مثل : أيدولوجية، بروليتاريا واستقراطية وهلم جرّا ..
أربكني في بدايته حتى ابتسمت في نهاية الحوار.
الأمر الذي جعلني فيما بعد أدرك مدى فضاعة شأنه وسطحية أفكاره.
ماهي إلا أفكار مستهلكة قد تم تداولها من قبل ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بقرون عدة.
منذ أن أخذ سقراط الفيلسوف الأبرز من فلاسفة أثينا على عاتقه مجابهة السفسطائيين في تعريف الأخلاق والايدولوجيات.

الحديث عن الأفكار والسلوكيات المجتمعية ونقدها من الأحاديث التي تندرج ضمن باب الترويح عن النفس.
التنقل من فكرة لأخرى ، من كاتب لآخر.
لأصل فطري بشري عن التحدث بالشرور في حال عدم الاستطاعة لفعل شيئا ما.
لممارسة السياسة على أبسط أوجهها.
ناهيك عن الخوض في أحاديث التربية الشأن الذي يجيده كل البشر. وأعني حرفيا الكل بمختلف الأعمار والتجارب.
حتى أصبحت لاحقا من العموميات.
الذي تستطيع من خلاله أن تفتح حوارا ما أو لكسر حالة الجمود عند مجموعة من الغرباء.
ما لا يجدر على قارئ نبيه أن يحذو حذوه هو بأن القراءة وحدها ليست كافية بجعلك شخصا متفردا وأكثر وعيا من غيرك.
ولذلك استوعب أحد الحكماء القضية اللامنتهية وأخذ يقول : " من كان شيخه كتابه .. كان خطؤه أكثر من صوابه "

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019

فان غوخ " الرسالة الأخيرة "

كتب فان غوخ رسالته الأخيرة أي قبيل انتحاره لصديقه ثيو معبرا عن البؤس الذي عاشه.
يقول : إلى أين تمضي الحياة بي؟ ما الذي يصنعه العقل بنا؟ أنه يفقدنا الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة.
إنني أتعفن مللا لولا ريشتي وألواني هذه. أعيد بها خلق الأشياء من جديد .. كل الأشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطؤها الزمن .. ماذا أصنع؟ أريد أن ابتكر خطوطا وألوانا جديدة. غير تلك التي يتعثر بصرنا بها كل يوم.
ثم يختم رسالته ..
الأسود والأبيض يلونان الحياة بالرمادي. للرمادي احتمالات لا تنتهي : رمادي أحمر ، رمادي أزرق ورمادي أخضر.
التبغ يحترق والحياة تنسرب. للرماد طعم مر بالعادة نألفه ، ثم ندمنه كالحياة تماما : كلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقا بها .. لأجل ذلك أغادرها وأنا في أوج اشتعالي .. ولكن لماذا؟ إنه الإخفاق مرة أخرى. لن ينتهي هذا البؤس أبدا.
وداعا يا ثيو .. سأغادر نحو الربيع.

رغم كونه رساما ولا ينتمي للأدب بأي صلة إلا إنه كان مبدعا.
حقيقة الأمر.لا يستطيع المبدع من اعتاد على حياة مكررة إلا أن يكتب مثل تلك الرسالة.
تزيد أو تنقص في أسلوب سردها الجمالي ولكنها تخبرنا وبشكل قاطع إلى أن البؤس واحد.
تلك المجاميع الفكرية .. الإخفاقات المتتالية .. التجارب العاثرة لا تفضي إلا لحقيقة واحدة.
الدنيا سجن المؤمن، جنة الكافر.

يرتع في الدنيا : الصغار،الأقزام والملوثون. نعيم بالنسبة لهم.
بينما المبدع والنقي يعيش في دوامة من الحزن.
من اللامبالاة .. من البؤس المحكم.
يتكرر الأمر مع أنطون تيشخوف عندما قال : " كلما ازداد الشخص نقاء ، ازداد تعاسة "

تلك النظرة السوداوية، والعتمة هي ليست زاوية تفكير كما يفهم الكثيرين ولكن من واقع بائس من مجتمع أكثر بؤسا.
والانتحار هو السبيل الوحيد للضعفاء .. للجبناء.

لسنا على وفاق مع ما أنتجته البشرية آنفا : البلداء .. الحمقى والسذّج.
هم مصدر ضوضاء .. منبع الشرور. سواء تم ذلك بإدراك أو لم يتم.
ولكن تبقى الحقيقة في الصراع المحتدم بين المبدع ونقيضه.

أؤمن بفلسفة الخلود القابعة في الكتابة وترك أثر لما بعد الموت.
أيّ كانت تلك الكتابة. طالما قد كتبها مبدع.
طالما قد صاغها فنان استوعب جملة من الحقائق.
ولكنه أبى إلا أن يسير وفق ما يمليه عليه ضميره.
وكفى الله المؤمنين القتال.

الأحد، 8 سبتمبر 2019

بروباغندا

صعدت إلى المنصة دون اهتمام متوجة بجائزة الطالبة المثالية وسط تصفيق الجمهور.
قالت بالنص : " أنا ريم بنت فهد. أنا مثلكم تماما.
منكم وفيكم، لا أستحق الجائزة كثيرا عدا أني نلتها بعد توفيق الله ثم بالجهد الدؤوب. شكرا لكم "
كانت كلمات بسيطة ودون تكلف.
تبرهن على قناعة حتمية ؛ أحكموا على أفعالي فقط. تقول في سرها : لست لأني لا أجيد الحديث المسترسل ولكن لأن الجميع يفعل ذلك وبضراوة فقررت ألا أفعل.

لم تكن تجيد الكلام كثيرا.
انطوائية متفردة.
وقارئة نهمة في مختلف مجالات الفكر والفلسفة.

لديها اعتقاد راسخ بأن الإنسان كائن اجتماعي ويجب أن يحضى بحيز مشترك مع المجتمع البائس ولو بالقدر القليل الذي يسمح بمزاولة إنسانيته على صعيد الأفكار أو العواطف.

كتبت على مذكرتها الشخصية مؤخرا : لا أعتقد بأن أرى نفسي جيدة فكريا أو متزنة عاطفيا مقارنة بمحيطي سوى أني أمتلك أراء غير متوافقة معهم.
ذلك الأمر قد صعّب عليّ كثيرا سبل التواصل وتصنيفي بأني غير اعتيادية وأني أفضل منهم.
ذلك الاعتقاد جعلني منبوذة وأن جدارا سميكا حال بيني وبينهم.

لم يكن سهلا عليها أبدا تجاوز تلك العقبة.
الدائرة المفرغة والحقيقة المطلقة من ضرورة تقديم التنازلات ولكن بوعي أكبر.
مكنتها القراءة لاجتذاب أحاديث عابرة تستطيع من خلالها تفكيك الرموز وتخطي الحواجز ضمن عملية بناء نحو التغيير ولكن ببطء.
استطاعت فيما بعد لاكتشاف زاوية تفكير مختلفة واستبدلت مفرداتها بأخرى.
فبدل أن تحكي عن نيتشه وفلسفته عن الإنسان الأعلى أخذت تتكلم عن سوبرمان ، وعن ذلك الصبي الذي أرضعته ضبية في رواية حي ابن يقظان لابن طفيل راحت تتكلم عن طرزان.
الأمر سيّان ربما ولكن بطريقة تعبير مغايرة.

صار اهتمامها لاحقا منصبّا في إعادة سياقات الحضارة بطريقة قابلة للفهم.
من إعادة الشيء لأصله.
وأن الفكر ليس حكرا من خلال الكتب وإنما يمرر وبشكل مخيف لا يستوعبه العقل من الوهلة الأولى.
فمثلا ماهو الفرق بين كابتن ماجد وكابتن رابح؟
عن طريق الملاحظة فقط لا التقصي نجد أن ماجد يمثل الجانب الديموقراطي وأن النجاح ليس مرهون به فحسب وإنما من خلال فريق متكامل يساند بعضه البعض وحتى خصمه بسام استمر منافسا له حتى النهاية.
بينما رابح يمثل الجانب الشمولي وأن الفريق بدونه هو في عجز مطلق وجميع خصومه فيما بعد قد انتقلوا لفريقه تحت قيادته هو لا أحد غيره.

ومعظم تلك الأفلام الكرتونية لاسيما الشهيرة هو تمرير لأفكار تستقر في اللاوعي تخدم بالدرجة الأولى كاتبها ومخرجها، وكل هذا دون أن ندرك بأن بعضها يكمن من صميم حضارتنا ولكن عدم معرفتنا بذلك تجعلنا منساقين لما هو متوفر ..
أنا متوفر إذا أنا فارض للرأي.

الخميس، 5 سبتمبر 2019

نقطة

أعلم جيدا عما يدور في خلدك.
عن تناقضاتي المريبة، وسلوكي المتعثر.
عن مدى قبحي إليك متى ما استدعى المزاج لذلك.
طالبت بالعقاب مرارا وتكرارا لعلي أعود إلى صوابي ولكنك عاقبتني بما هو أسوء.
تجرعت الألم رغما عني حتى يعود الأمر كما كان.
كتصفية حسابات أو ربما محاولة لمعالجة أخطاء تراكمت.
حينئذ سنعود كما كنّا من قبل.
بصفحة بيضاء.
نقية مثل قلبك ولكن ذلك في الماضي البعيد.
كنتِ مصدر فرح.
تخبريني عن تفاصيلك الساذجة وترويها لي وكأن الأمر لا يتعلق بك. مثل فشلك في شراء حمالة الصدر بنفسك واستعانتك بقدرات أمك التي لا تخطئ، وتضحكين على سوئك وأضحك على ضحكاتك.
أشتاق لنكتك العفوية التي لا تنتهي حتى أعيد كلمة ليه!
- في نملة ماسكه عود أسنان ليه؟
طيب. قول ليه؟
لازم تقول ليه ولا تخرب النكته!
- ليه؟
- ترقص يوله!
ثم أضحك كثيرا كما لم أضحك يوما ما وتسعدين بذلك وأقول بداخلي " ياصبر الأرض "
أحبك طفلة.
تلك الممارسات الطفولية التي تعكس مدى نقائك.
- سميت قبل ما تاكل؟ ايش يقولوا لما ياكلوا؟ طيب يلا كل بالعافية!
أتملص كثيرا حتى أبتعد عن أي نقد منك وهأنذا أفتقدها جدا.
كبرتي فجأة.
تعلمتي مني ما لم أرغب به.
حاولت أن أحيد عن السبيل المفضي للتجاهل.
تجنبتك حتى لا أصيبك بالعدوى وأصبتك!
كانت النقطة هي الرمز المشترك بيننا لإنهاء حوار ما.
لم أكن أتخيل يومها بأنها ستطول إلى الحد الذي ينهك.
المرهق لما اعتدناه.
لعنة الأشياء الجميلة دوما تصيبك بإعياء متى ما اعتدته.

الأحد، 10 فبراير 2019

المصعد

الجو مفعم بالسلبية المطلقة. الأنفس المأخوذة في الحيز الضيق لا يكاد يخلو من طمأنينة.

ذكريات بائسة تنتقل في الأرجاء بخط مستقيم بسلسة متواصلة من الأحداث واللحظات التي لا تتوقف. كشخص حان موعد احتضاره ويشاهد جميع سوابقه دون معية باختيار الأنسب له في ذلك الموقف. مسيّر في مشاهدة ما لايريد.

أخذت لطيفة تستعيد عافيتها بعد برهة من الزمن. لمحت فجأة خيط تستطيع من خلاله تدارك اللحظة السيئة عندما اجتمعت مع زوجها السابق في نفس المصعد الكهربائي. كلاهما في نفس الحيّز المكتوم ولكن بشكل مأساوي. حاولت أن تنشغل بما في يديها من هاتف متجنبة أي حديث محتمل من قبله. نظرات الخيبة بادية في عينيه الواسعتين من خلف زجاج النظارة.

استشعر مدى الألم الذي سببته لك فيما سبق.
كنت ملائكية نقية صافية وخالية من العيوب في حين كنت أنا النقيض. متشبع بكل المساوئ والعيوب، لم يزدني سوءا إلا حينما حاولت أن أغضبك بكل وسيلة أعرفها حتى استدرجك لدائرتي المظلمة، لفعلي الأسود ولكنك كنت عكس ذلك متفهمة وحريصة على احتوائي.

لم أعد أستمع لفيروز صباحات كل يوم سبت أو أتلذذ بطبق الأومليت كما تعدينه يومي الأحد والأربعاء. أيضا تركت الممشى الذي اعتدنا عليه لممارسة الرياضة لباقي الأيام.
أفتقد الدعابات الساذجة التي تلقينها حين أكون معكر الصفو والمزاج. من ذكر تفاصيلك التي لا تنتهي رغم عدم أهميتها البتة إلا أنها تحاصرني بك دوما.

كان جوابك الصمت وكأنك تعاقبينني به.

لم أكن بحال جيدة منذ أن تركتك.
كنت طائشا وكافرا بالنعمة.
أغوتني حصافتي حينها في بديل غيرك، بأنثى تشبهني في الطباع. ظننت بأننا لن نفترق وتركتها أنا فيما بعد طوعا وإرداة مني. حاولت أن أجد المبرر لذلك ولم أستطع إلا بأنها لا تشبهك.
معك الحق فيما سوف تقولينه عني وإن أردتي شتمي فلا بأس، وإن وصل الحال إلى الضرب فسوف أتفهم ذلك جيدا.
هكذا فسرت ماتقوله عينيه.

أجبرت بغير إرادتها على تفحص ملامحه. مدفوعة لاكتشاف حاله الحالي.
حاولت أن لا تلتقي الأعين أبدا متجنبة لأي حوار يمكن أن يصادف.

وسيما بشكله المعتاد.
ازدادت نحافة على ما أظن، زاده هزلا وضعفا.
لا زال يفضل القميص الصيني ذو الخاوي الياقة عن القميص الرسمي.
مازال عطره عالقا في أنفي كما لو أني تركته البارحة. يؤمن بأن الرجل لا ينبغي أن يغير عطره على الدوام؛ هويته الخاصة.

لم يخف عنه بطبيعة الحال بأنها كانت مجرد نظرة فاحصة.
نظرة بسيطة وعفوية.

مازلت جميلة كما أنت.
فاتنة كما عهدتك.
لذيذة في نظراتك.
بريئة في تصرفاتك.
قالها مسترسلا وعلى عجالة. خاف أن يفقدها.
ألا تجد مستقرها، أن تفهم بغير صياغها المناسب.

وجدت الأعين ملاذها بعد سبع سنوات فراق.
حينها لم تنبس الشفاه، لم تنطق الحروف.
وحدها لغة العين تتكلم وتعبر وتفصح بضراوة ببسالة عن كل حالات الفقد والوجع والألم والقهر.

السبت، 9 فبراير 2019

السلوك المضطرب

السلوك الذي يدعوك لانتهاك مسلّمات فطرية بدوافع مدفونة ولا منطقية.
التعصب، اللاحيادية والتفكير الأهوج والمنغلق.
أن تتحيز لجنس مثلا مبرر لا يثير للشك بأن تدعو للفوقية إن كنت ذكرا أو من الفئة التي تميل لتمثيل دور الضحية في حال مناقضة.
أن نتعاطف مع شخصية روائية كعزيز في أحببتك أكثر مما ينبغي ونبرء جميع سلوكياته المريبة وأفعاله الشنيعة من زاوية ذكورية، في حين التعاطف مع جمانة من ناحية أنثوية.

نبحث دائما عمّن يشبهنا في كل شيء.
نتعاطف مع أبناء جنسيتنا لكونهم يحملون نفس لون الجواز الذي نحمله وربما كان عدونا يظهر الخير لنا ويبطن السوء أو مختلف عنّا في نواحي عدة كالكفاءة مثلا ولكنه أقرب إلينا من ذلك الذي يشبهنا في أطباعنا ، في نطق مخارج الحروف وفي اهتماماتنا ولكنه ذو لون جواز مختلف.

ما يدفعنا وبشكل حتمي لإطلاق أحكام عشوائية على نقيضنا باعتباره أنه المختلف والذي لا يشبهنا بطبيعة الحال هو المجهول.
كل ماهو غير جيد يقع ضمن المجهول. تبريرات فشلنا العاطفية، المهنية وغيرها مبنية على مبررات انحيازية.
نستشعر بطمأنينة أكثر.. براحة وكأن جبل مستعصي زواله ذهب من عاتقنا كأدراج الرياح.

التحيّزات المبنية على أحكام غيبية ولكنها متوفرة في عقلنا اللاواعي من خلال التجربة المعيشية مع الاخرين والتي نصنفها في ملفات عقلية ندرك خطأها من صوابها فيما بعد، ولاسيما حينما نستشعر بمدى فظاعة الأمر من التصنيف.
كأن نحكم على الأشخاص من المظهر لا الجوهر.
من الكلمة لا الفكرة..  من النية المسبقة لا الموضوعية.
منطق الحياة النسبوي أو بالمعنى الفلسفي الحديث لا وجود للحقيقة المطلقة، والسائرون على الصواب المطلق والحقيقة الدائمة هم بالضرورة أتباع مدرسة أفلاطون.
هم ذاتهم كما قال فلاديمير لينين " المثقفون هم الأقدر على الخيانة لأنهم الأجدر على تبريرها "
التحيّز سلوك مكتسب بفعل الطبيعة، بقوى خارجية تسمى الثقافة المحلية. كعدوى منتشرة بين الأشرار، كوباء قاتل لا مصل له ولا شفاء.
نتجاوزها بمفردات مختلفة ، بمغالطات لغوية وتبريرات عقلية ونعيد ذات السلوك الشائك والمضطرب.

نجهل أو نتجاهل بأن شكل العالم الذي نراه اليوم يختلف كليا عن السابق خصوصا في مدى التصور المبني على خبرات حياتية وتجارب معيشية بالواقع الحقيقي لا المفترض أو القراءة.
بمدى استعياب حواسنا وترجمة مدركاتنا للأشخاص، للأفعال ، لحسن الظن أو سوءه.
من يمارس التحيّز لقضايا غير أخلاقية وتصرفات سلوكية بائسة هو في المقام الأول شخص فاشل بجميع المقاييس.

كلنا وبالضرورة متحيزين. وفي نهاية المطاف التحيّز المصاحب لفعل الخيرأمر لابد منه.
مثل أن تعمل في شركة ناجحة نجحت في الدخول إليها عن طريق شخص متحيّز. شفع لك في ما يؤهلك ضمن النطاق المسموح ونجحت وبجدارة.

الأحد، 3 فبراير 2019

الفراغ العاطفي

في مساء يوم السبت والجو كان ممطرا حينها وأثناء تواجدي في إحدى المكتبات التجارية أقتني بعض الكتب في مجال ريادة الأعمال.
استوقفني موقف غريب وجميل بنفس الوقت.
فتاة في مقتبل العمر كانت لاترتدي العباءة كما ينبغي وإنما كعادة متوارثة يجب اتباعها تجنبا لردات فعل سيئة.
ترتشف كوب القهوة بتلذذ دون حرج من تعليمات المكتبة والتي تمنع ذلك لأسباب تجارية.
مستعينة بسماعات كاتمة للصوت ؛ للضجيج والهواء.
أرادت أن تعتزل عن الكون بمفردها وحصل ما أرادت.
عدة روايات كانت حاضرة في ذلك الوقت أمامها أعلى الطاولة.
قواعد العشق الأربعون ، في قبوي والأخيرة كان كتاب هكذا حدثني زرادشت.
اعتقدت للحظتها بأني افتتنت بها. متمردة وقارئة وجميلة!
كنت أخشى أن أتورط معها في بادئ الأمر.
في حين أن البدايات هي الصراط الذي يوصل للنهايات.
بحثت كثيرا عن حجة أستطيع بها تجاوز هالتها العجيبة في العزلة. ذلك الطقس المريب الذي يشعرك بأنك غير متواجد في الأرجاء .. في عالمها الواسع .. في كونها المظلم.
ظننت لوهلة بأنها تنزوي تحت مكتبتها في كل مرة تشعر فيها بالوحدة، تصمت طويلا ثم تبكي كل شيء.
ربما يخجلها البكاء أمام العامة أو ربما لأن الأماكن ذات الحيّز الضيق قادرة على احتوائنا بتفاصيلنا المتبعثرة وأعماقنا المتعثرة، بأوجعانا وخيبات أملنا.

- أأستطيع أن أهديك كتابا من ذائقتي؟ قلتها بجرأة لم أعهدها من قبل. قلتها بعد أن تأكدت من إلتقاء عيني بعينيها.
- وما هي المناسبة؟ ردت برد أقرب إلى القبول من الرفض.
- أ لكل إهداء مناسبة؟
- لا يفعل ذلك إلا وله سبب في غالب الظن.
- من منطلق تهادوا تحابوا !
- أليست الأعمال بالنيات؟ هل تمتلك نيّة جيّدة؟ قالتها وهي تبتسم.
- بلى. على أغلب الظن!
مالم يكن هناك عارض فيما بعد.
- ما تعريفك للعارض؟
- السبب الفجائي لوجود دخيل لم يكن في الحسبان. في الخقيقة قد أخوض معك ساعات في جدالات تخص هذا الأمر ولكن دعك من تلك الترهات. ماعنوان الكتاب؟
- بناء على المعطيات التي تجدها أمامي. وجدت بأن رواية آنا كارنينا هي الأنسب.
أخذت تبحلق في الفراغ وكأنها تستعيد ذكريات ما
- ما الذي دفعك لإقتناء رواية بطلتها تنتحر في نهاية الأمر؟
- السوداوية ولا شيء غيرها. فكرت كثيرا برواية السعادة الزوجية لتوليستوي ولكن وجدتها متكلفة بعض الشيء.
يداخلني الفضول لأعرف ذائقتك.
- إليك المفضل عندي : اختراع العزلة.

عزلت نفسي عن كل ماهو حولي من الأشخاص والأشياء.
حقيقة الأمر بأني أغرمت بها للتو!
أي فتاة تلك التي تهديك رواية بائسة عن أب بائس!

لطالما انتظرت تلك اللحظة بشكل أكثر إجهادا، بما يصيب به المرء حد اليأس.
نتوهم كثيرا نتيجة فراغنا العاطفي بأننا في دائرة الحب بممارسات لفظية أو فعلية تثبت من شأنها العلاقة بين شخصين.
نخشى من الوحدة، من أن نفقد تلك الرغبة في اعتبار ذواتنا في محل اهتمام لا لشيء عابر.
لا ندرك بأن كل علاقة أفقية تنجح أو تفشل بحجم التنازلات وحجم الروابط المشتركة فيما بينهم.
كانت تلك المتمردة والقارئة والجميلة هي من أريد.

السبت، 2 فبراير 2019

الرفيقة المختارة

كنت ولا زلت أنتمي لتلك المدرسة المفعمة بالسلبية ،المحفّزة للكتابة ، السوداوية التي تجعلني أنظر للأمور بزاوية مغايرة عن جميع السذّج!

ليس من الهيّن أن تجد تلك الرفيقة التي تسعدك في خيبات أملك. تتفهمك على الحماقات البسيطة التي تفعلها دون دراية في معظم الأحيان ، تلمس جانبا فيك لا تشعر بإنه ذات أهمية إلا أنها تستطيع أن تثير الكينونة لتظهر أحسن ما فيك.
متجاوز العثرات.
متخطي الصعوبات
 متقبلا ذاتك بكل مساوئك وأخطاؤك.
 قادر على أن تكون نفسك.

الرفيقة التي تلهمك لفعل شيء ما هو من الأمور الاعتيادية ولاسيما فيما تستطيع أن تفعله بنفسك. فعل غريزي يحمل فيما وراءه تداعيات الحب والاهتمام ؛ القوى الخفية لتفعيل هرمون الدوبامين والتيستيترون.
لكن ماذا لو تلك الرفيقة التي ترى فيك ما لا تراه في نفسك؟
   
 الرفيقة لإحتياجات عاطفية والجنسية كما هو الشائع في الوقت الراهن ليست هي الرفيقة المختارة.
رفيقة أقرب مايكون حالها إلا النزوية. علاقة مؤقتة مبنية على احتياجات لحظية مبنية على هرمونات معطوبة ودورة قمرية.
رفيقة بطبيعة الحال ليست كمن تجد فيك ذلك الرجل التي تستطيع بفطنتها وذكاؤها أن تخرج فيك المواهب المدفونة والتي بالضرورة لا تعلم كيف تخرجها بمفردك.

المواصفات الخارجية كالجمال والمال مجرد معايير عقلية في ذهن كل كائن حي. تزيد أو تنقص بحجم زاوية التفكير في المآلات المترتبة عليها فيما بعد. أشبه بالنقاط التي يتم تجميعها لنيل دمية. لعبة ثمينة تتطلب مجهودا وعملا مثمرا ونقاطا بحجم السماء.
يبحث السذّج من الرجال والساذجات من النساء عن تلك القيمة. كما لو أنها كل شيء،
رغم كونها خارجية إلا أنها في محل فخر واعتزاز في حالات كثيرة.

رفيقتي غجرية حنطية.
بشعرها الأسود الداكن والمجعد (Curely).
بملامحها الظاهرة وعينيها المها.
بجسدها الفاتن وشفتيها اللوزتان.
شهيّة مبعثرة لذيذة كالكراميل.
وكل ذلك على سبيل المثال!

يختلف الأمر تماما مع المواصفات الداخلية..
الوداعة، الطيبة، الإيثار، التفهم.
معايير قلبية تدرك بالحس.
ليست في محل إختبار كونها مخفية عن العيان سوى عن بعض المقرّبين.

رفيقتي تحمل في داخلها قلب السماء.
دفء الكون.
ملاذ السوداويون.
حياة المضطربون.
وأكثر...


أؤمن وبشكل قطعي بأن كل تجربة ناجحة وفاشلة أنثوية للرجال خصوصا هي في محل نظر.
ليست من البطولة تعددها وكأنها ضمن حيّز المكافآت.
وإنما تجارب بنيت على عوامل مختلفة كان نصيب المرء منها في تكوينه الشيء الكثير.

وما يقلقني في حقيقة الأمر بأن العدوى المنتشرة بين السذّج في انتقاء الرفيقة تجاوزت ذروتها.
ولا عزاء عليهم.

الأربعاء، 23 يناير 2019

تجربة تستحق بها دراسة الحالة!

أخبرني صديق مقرب عن حالته النفسية المكتئبة. كان مفعلا لدرجة أن أوداجه قد تباينت حينها وظهرت :

لم أشعر يوما بأني أستطيع مجاراة الأمر يوما ما.
أجدها منهكة ومستنزفة لطاقتي العقلية.
أن أستمر في خذلان نفسي بتجاوزها وحسب، تقبّل الأمر كما يجب أن يكون.


حاولت جاهدا مستبسلا في تقبّل من تجمعني به طباع بفعل الطبيعة والجينات.
العلاقة الثابتة التي لا تتغير.خطان لا يتقاطعان، متوازيان وبينهما جدار.

يضحك صديقي معلقا :
مازالت تلك الحادثة تستحضرني وكأنني عشتها البارحة. كان عمري وقتها لا يتجاوز التاسعة وكنت لاعبا ماهرا كوفئت على أثرها العديد من الميداليات الذهبية ..الذهبية فقط.
كانت رغبتي بفعل شيء استثنائي. فعل أستطيع من خلاله أن ينبهر به. أن أرى تلك الملامح الفرحة المبتسمة و الفخورة.

دعوت والدي إلى المدرسة لحضور المباراة النهائية بين الصفوف والتي كنت أحد طرفيها دون شك، وما كان ليحضر لولا أنها لم تكن دعوة رسمية من مدير المدرسة.
غنيّ عن القول أنني أخفقت تماما.
لم أكن حاضرا كما يجب، كانت أسوء مباراة خضتها في فترة نشأتي حتى تم استبدالي.
بطبيعة الحال خسرنا المباراة، خسرت ما كنت أرنو إليه من تحقيق الهدف الاستثنائي.
في طريقنا للخروج، أثنى علي بأن طريقة لعبي كانت جيدة، قالها مبتذلا بصورة شبه آلية، بعبارة ينبغي أن تقال بتلك المناسبة.
أخبرته بأني كنت سيئا جدا.
لا يمكنك أن تنجح كل مرة، تلك إجابته.

أجده من المستحيل بأن أخوض في تفاصيل امرئ يأبى أن أقتحم جدار عزلته إلا في الحد المسموح لذلك.
يتعنت الحديث عن نفسه وكأنها من المحرّمات ولكن تستطيع أن تدرك بعضها بالمجاراة.
يخبرك بتفاصيل غيره، فيما هم جيدون فيه وفيما هم مخفقون.
لي جار في القرية كان مضحكا جدا ، كان يضحكني دوما ، كنت أستمتع معه كثيرا؛ لم يكن يجيد نطق حرف الراء بالشكل السليم.
أخبره على الدوام .. قل بربر!

لم أتعرّض للضرب كثيرا وإنما تعرّضت لما أهو أخطر.
البرود العاطفي الذي يشعرك بالخواء ، كأنك شيء ما .. سلعة متطلبة بقدر حاجتها.
لا أخفيك القول بأني أقنعت نفسي بتجاوز العقدة ، ربما أجد ذلك المخرج سببا رئيسا في نشأتي الاعتيادية. أصرّ دوما على أنّي ابن امي.
عشت في أرضها. قمرا صغيرا وإن كبرت، كنت ومازلت لها كل شيء.. الجاذبية ، المشاعر والأحاسيس بتناقضاتها وأعني بذلك كل شيء. ينبغي في نهاية المطاف أن تكون ابن لأحدهما لا كليهما وذلك أمر محتوم متى ما أردت أن تجد السلام الداخلي.

ينظر للفراغ دون ملامح:
أخشى على أبنائي فيما إن كنت قادرا على تجاوز العقدة بأن لا أنكفئ على نفسي ، لا أنزوي على محيطي العائلي ، بعدم تكرار تجربة معيشية قد عشتها ، بأن لا أكون مثل أبي.

نحن أنانيون غالبا .. نستمتع بعجز غيرنا ونلبي لهم جميع الرغبات طالما كان طفلا ملائكيا صغيرا.
يسهل جدا أن أتبنى مفهوم الرعاية من حيث أنها وجدت كغريزة متأصلة في دواخلنا ، أن أشاهد كائنا حيا تتضخم بنيته العضلية مع مرور الزمن. تكتمل مراحلها وأطوارها ، من عائل لا يجد القدرة على تحقيق أدنى احتياجاته إلى معيل يستطيع أن يساهم في احتياجات أبيه!

تلك الرعاية المبنية على أنانية محضة باعتقادي ليست قائمة على مفهوم البرّ. اتفقنا على ذلك أو اختلفنا.
المؤلم في الأمر بأن الأفكار التي أخبرك بها ليست من المسلّمات التي هي متداولة بين العامة. بمعنى الخوض فيها يجعلني في محل تمرد ، والتمرد الأكثر من ذلك ولم أمتلك الشجاعة الكافية لتحقيق ذلك هو بأن أجابه أبي وأخبره بذلك.

في حال كنّا مدّعين الحكمة فإننا ولابد بأن نتقبّل الموضوع من زاوية اختبار إلهي.
الاختبار الذي على أثره تستطيع النجاة أو الخسران في حالات كثيرة.