الأربعاء، 11 نوفمبر 2020

يوم غير اعتيادي

 لم يكن يومي اعتيادياً – أي روتينيّاً – كباقي الأيام.
كان مختلفاً للحد الذي أستطيع به رؤية الأشياء بشكل مختلف.

على الرغم من أنّني أرتدي نفس النظارة ونفس العدسة الزجاجيّة التي ارتديها كل يوم، مع ذلك كانت تفاصيل الحياة أكثر وضوحاً وربما أكثر بهجة.
حتى جاري الذي اعتدت مناكفته في الصباح لم يتكرر هذا الفعل ولأول مرّة.
شعرت وقتها بشعور غريب لم اتكهّنه للحظتها، الغريب في الأمر أنه بادر بالسلام من تلقاء نفسه.
وتأتي تلك التساؤلات المبعثرة تقتحم عقلي فيما إن كان مريضاً أو حزيناً لوفاة قريب له أو ربما قد سرّح من عمله مما عكّر صفوه وبعثرت أحلامه وخططه التي تنبّا بها مسبقاً نتيجة عارض ما لم يكن في الحسبان، وهذه الأفكار إنما أتت نتيجة ملامحه المتجهّمة عدا ذلك لافترضت النقيض تماما من السعادة والبهجة.

وأنا على هذه الأفكار يأتيني اتّصال مباغت من صديق طفولة لم نكن على وفاق حينها عدا أن الحياة تفعل فعلتها في المفاجآت وتتحوّل تلك العلاقة الرديئة والمشحونة بالغضب والمنافسة إلى علاقة واعية تتميّز بوجود أرضيّات مشتركة يكمّل فيها أحدهم الآخر.
سألني عمّا إن كنت متفرّغا في المساء حتى نستكمل الخطّة.
وأنا أفكّر بصوت منخفض عن الخطّة التي يقصدها؟ إذ أن الخطط فيما بيننا كثيرة والتي ننوي استكمالها خطّة تلو خطّة؛ والحقيقة فإننا نكمل بعضها ونتوقف عند بعضها متى ما طرأت فكرة أفضل!
ذلك الاتصّال أيضاً كان مختلفاً.
لم يرسل رسالة جامدة كعادته في التواصل وإنما اتصّال هاتفي بدأ حديثه بعبارة: اشتقت إليك. آمل بأن تكون متاحاً الليلة على أمل أن نلتقي في المساء، لديّ ما يسرّك ويبهجك، يكفي فقط أن تكون على الموعد في نفس مكاننا المعتاد، ويختم حديثه : متشوّق لضحكة عينيك بعد سماعك الخبر، كن بخير يا عضيد.

وأنا في طريقي إلى الخارج وجدّت الزهرة البيضاء والتي اعتني بها في كل صباح وجدتها اليوم مبتسمة. نعم زهرة تبتسم لي لكن لأول مرّة!
والقطّة الأم التي تعيل قططها الصغار وجدّتهم حولي جميعهم ينتظرونني حتى أناولهم طعام الإفطار ومواءهم وأصواتهم كانت أيضاً مختلفة على غير عادتهم.
كانوا مختلفين.
كانوا بحاجة إلى اللعب وبعض التطبيب اللطيف التي تشعر معها القطط بالأمان والسكينة. فعلهم كان إشارة على أنهم يبادلونني الحب وأنهم بذلك يشاركونني ذلك الاهتمام وذلك الأمان.

أ تعلمين ياحبيبتي لم كان يومي مختلفاً؟
بسبب الرسالة التي استقبلتها منك اليوم والتي تقول:
وأنت في أسوء أحوالك، وفي أحلك ظروفك وفي أشدّ معاركك العقليّة والنفسيّة التي تخوضها منفرداً و لوحدك .. تذّكر بأني أحبّك للحد الذي ينتشلك من غمامة السواد التي تحاصرك إلى نعيم الطمأنينة .. تذّكر جيّدا بأنّي سأقاتل وسأحارب معك وفي كل وقت.
أحبّك. 

السبت، 7 نوفمبر 2020

لم يخذلونا بل كنّا حمقى

 أفضل درس مجّاني ومدفوع التكاليف ويغنيك عن ألف دورة ونصيحة يمكن أن يتعلمه إنسان على وجه الأرض هو درس الخذلان. درس مهما قرأت عنه، ومهما كنت تحمل من الذكاء الشيء الكثير ومهما سمعت من تجارب الآخرين إلا أنك لا تتعلّمه إلا بعد أن تدفع ثمنه من الألم والحسرة وقد يستمر كندبة مخفيّة أو تظهر عبر سلوك عدواني ناتج عن حماية لا إرادية من درس آخر محتمل أو ربما تمتلك الإرادة الواعية لتجاوزها بحنكة وبأقل الأضرار.

ويأتي نتيجة سببين اثنين واضحين وضوح الشمس:
- الخبرة الغير كافية
- رفع سقف الطموحات

احفظها جيّدا وأعدك بألا تٌخذل مجدداً طيلة سنوات حياتك الباقية.

ما سبق هو أمر بديهي ندركه بالتجربة.
لكن اللابديهي في الأمر وكعادتي في الكتابة وتحرّي وانتقاء زاوية تفكير مختلفة واستثنائية هو الجواب على سؤالين اثنين:
- لماذا نكرر نفس التجربة أحيانا باختلاف معطياتها؟
- كيف نتجاوز الألم بأقل الأضرار؟

دعونا يارفاق نصمت دقيقة صمت حداد على جميع أولائك الذين خُذلوا بغضّ النظر عن الأسباب والظروف والمعطيات عدا أن الموقف يستدعي معه التعاطف كشعور إنساني حيّ أو ربما تجسيد لنظرية اجتماعية تعرّب وتعرّف بالكلب المستضعف (The Underdog Effect)
بالتالي الشماتة في هذا المقام حتى لمن مارس دول الخاذل ودارت عليه الدنيا وأصبح في موقف المخذول به هو أمر خطير ننأى عنه كسِمة حلم وعقل نسعى الوصول إليه.

وبالتالي وحتى نستفيض في الشرح فإن العادة قد جرت فإننا نعيش ونتعايش في حياتنا ضمن مبدأ النفعية القائم بالأخذ والعطاء عدا إننا في بادئ الأمر نتحرّى عن الأشخاص وفق معايير مثل: اختبارات وسلوكيات وأحاديث تقيّم مدى حسن أو سوء الشخص من خلال الأفعال، المبادئ، التصوّرات والأرضيّات المشتركة التي تمثّلنا بالضرورة وقد تنجح وتفشل تلك العلاقة مع الآخر بحسب قوّة وضعف المعايير وهنا تكمن الصدمة.
الإنسان هو كائن اجتماعي رغب بذلك أم لم يرغب، طوعاً أو كرهاً المهم أن يدرك الحد الأدنى من واجباته وحقوقه تجاه الآخر (ماله وماعليه) ومن هذا المنطلق فإن تقديم الحد الأدنى لا ينتج عنه تطوّر للعلاقة التي تأخذ مجراها مع الوقت سواء كان ناتج عن عدم اتفاق المعايير أو خوف من الخذلان ولذلك نجد أنفسنا نستجيب لعاطفتنا ومنطقنا بأن المضي قدما لطور العلاقة تستحق التجربة مع استيعاب حسناتها وسيئاتها ولذلك نعيد ونكرر نفس التجربة باختلاف معطياتها.

أمّا جواب السؤال الآخر فهو أكثر صعوبة لما يحمله من آثار نفسيّة ومنطقيّة لها تراكماتها على المدى البعيد، وجواب لسؤال كيف نتجاوزها فهو معضلة مازلت أعيشها ولم تسعفني خبرتي الحياتية لإدراك هذا الجانب العميق ولذلك فأجد نفسي متورّطا إلى هذا اليوم وهذا العمر في كشف دهاليز الجوانب العلاجيّة لأن خبرتي فيها تخذلني وبكل أسف.

الحياة تستحق التجربة في أي علاقة كانت.
المهم والأهم ألا ترفع سقف الطموحات وأن تتوقع الخذلان ولا تسلك سلوك الحذر الخائف مما قد يصيبك لأنها تفقد بريق وجودة العلاقة في وقتها.
ثق بالله أولً وآخراً، وثق بنفسك واستمتع بالحياة كما ينبغي.

الجمعة، 6 نوفمبر 2020

كافكا وشعلة النار

ضمن رسائله التي كتبها إلى حبيبته ميلينا.
يبدأ كافكا باستعراض أدبيته في عدم جدّيته للخوض في أي علاقة حب نتيجة تجارب حب فاشلة وخيبات أمل كثيرة جعلته يعبّر عما يختلج في وجدانه دون أن يعبأ للعواقب وربما الفرص الجميلة التي يمكن بسببها أن يفقدها جرّاء طيش وتبلّد: 
"لن تستطيعي البقاء إلى جانبي مدّة يومين، أنا رخو، أزحف على الأرض. أنا صامت طول الوقت، انطوائي، كئيب، متذمر، أناني وسوداوي. هل ستتحملين حياة الرهبنة كما أحياها؟"
ثم يقول بجملة صريحة لا تتطلب التأويل: "لا أريد تعاستك يا ميلينا، أخرجي من هذه الحلقة الملعونة التي سجنتك فيها، عندما أعماني الحب"

ويأتي ردّها البارد: " وإن كنت مجرّد جثّة في العالم؛ فأنا أحبك "
هذا السيناريو وهذه الحبكة هي نتيجة وعي وإدراك متأصل لكليهما وفي فهم الدواعي النفسيّة فيما وراء تلك الرسائل.
ثقة مفرطة، تفهّم، احتواء وتقبّل الآخر بسجيّته لا كما يرغب به الآخر.
هذا الحب يتجسّد بأحد رسائله عندما كتب: " مجرّد أن أكتب لكِ يهدأ عقلي"
أحبّت أفكاره رغم ظلاميتها وضوضائها وعبثيّتها .. أحبّها أنثى وكاتبة أحبّها نفس وعقل.  
 
فرانس كافكا الروائي التشيكي السوداوي ورائد الكتابة الكابوسية والقاصّ للمشاهد السريالية هو أكثر من يبدع في تناقضاته الصادقة.
تناقضات تحمل في كينونتها المشاعر الحقيقية.
ينتمي إلى عائلة يهودية وأب متسلّط، هذا التسلّط سبّب لكافكا شخصية مضطربة جعله يكتب كتاب أسماه " رسالة إلى أبيه "
نشأ حينها نشأة طبيعية من حيث الحياة العلمية والعملية عدا أن حياته النفسيّة والاجتماعيّة كانت في أوج اضطراباتها، الأمر الذي ساهم في خلق هذا الكاتب السوداوي المبدع، الذي عبّر عما يختلج مشاعره واضطراباته بل وازدراءه لذاته إلى مؤلفات روائية وقصص قصيرة لم تنتشر معظمها إلا بعد وفاته، ولم تكن لتنشر لولا وصيّته التي من سوء حظه وحسن حظّنا بأنها لم تنفّذ ووقع حينها تعنّت من صديقه ماكس برود الذي نشر جميع مخطوطاته وأعماله المكتملة وغير المكتملة المخالفة لوصيّته.

شعلة النار هي من أشعلت حياته وأنارت طريقه وأغدقت عليه المشاعر من فيض الحب.
شعلة النار هي من زرعت في قلبه البذرة واعتنت بها كما لو أنها تستثمر في حديقة زهور مثل التي نجدها في حديقة كيوكينهوف في هولندا.
شعلة النار رغم كونها مسيحية وهذا التعارض في الدين والقومية لم يكن ليعترض طريق القلب.
كانت ميلينا تعمل كمترجمة لكتبه ورواياته للغة التشيكية!
كافكا التشيكي الأصل لم يكن ليستمتع بلغته التشيكية أكثر من الألمانية والتي بها برز.
أحب عملها جداً ولقبّها بشعلة النار.

لم يكن كافكا بالشخص السهل المعشر والذي يميل إلى تكوين العلاقات والمنفتح القلب والخاطر وإنما على النقيض تماما وهذه الشخصيّة على صعوبتها جعلته ينظر للأمور من زاوية تفكير مختلفة تجسّدت في قلمه المبدع وهنا الحقيقة الغائبة في تصوراتنا وتعريفنا للفن والإبداع؛ هل هو بالضرورة الأدب الرخو، الإيجابي والممتلئ بالأفكار والمفردات الإيجابية والنهايات السعيدة أو مصدر آخر نستطيع به أن نعبّر عنه دون خجل وحياء ولكن بالذكاء الذي لا يجعلنا متورطين بسببه ولكن يعكس بالضرورة مدى الإبداع الذي نشعر به في الاستعارات والرمزيات وربما في تشابه القصص والتجارب، ولم تكن الحياة لتستقيم لولا التنازلات وفق مبدأ الأخذ والعطاء للمنطق البشري عدا أن الممتنع يفقد نصيبه من الأخذ بمطلق الأحوال وهذا ما فعله كافكا ونيتشه ومبدعون آخرون آثروا على أن يثقوا بذواتهم الثقة المفرطة، ضاربين بعرض الحائط الانطباعات التي يستقبلونها عن شخصياتهم المريبة وكان لهم هذا الزخم وهذا الاحتفاء ولكن بعد الممات.

كان يقول لها باستمرار: "حياة الكاتب تبدأ بعد موت مؤلفه، أو بالأغلب بعد وفاته بفترات، فأولائك الرجال التواقون يحاربون من أجل قصصهم وحتى بعد موتهم، لكن حينها فقط يترك الكتاب لوحده، ويبدأ يستمد القوّة من ضربات قلبه"
مات كافكا بعمر الأربعين، ونبضت مؤلفاته لتدرس في الجامعات ولتكون قصّته معها قصّة وحكاية تنبض بالحب والعشق حتى بعد مماته.

الاثنين، 12 أكتوبر 2020

ثلاثة رجال

في قصّة كنت قد سمعتها مؤخرا عن ثلاثة رجال كانوا قد ابتلوا بابتلاءات مختلفة، فالأول كان أبرصا والثاني أقرعا بينما الأخير كان أعمى. فزارهم مَلَك يسألهم جميعا هذين السؤالين.

ما هي أكثر الأشياء أحب إليك؟

أي الماشية أحب إليك؟

فقال الأول: جلد ولون حسن فقد قذرني الناس بسببه، وأحب الماشية هي الناقة.

وقال الثاني: شعر حسن فقد قذرني الناس بسببه، وأحب الماشية هي البقر.

 وقال الثالث: أن أستعيد بصري، وأحب الماشية هي الغنم

فأعطي كلّ منهما سؤلَه.

مرّت السنوات وهم في زحام من النعم بل وتكاثرت المواشي والأموال لدرجة أن أصبح لديهم واديا كاملا بحسب الماشية التي اختارها كلّ منهم.
حتى عاد الملك.
ولكن بصورة مختلفة، لكل منهما ما كان عليه في السابق.
فجاء إلى الأول بصورته القديمة الأبرص الفقير فقال له:تقطّعت بي السبل وليس لي نجاة إلا بالله ثم بك، فأعطني مما أعطاك الله.
ثم سأله أن يعطيه ناقة يتبلّغ بها في سفره.
ولم يعطه. فقال له المَلَك:
 ألم تكن أبرصا يقذرك الناس فشفاك الله؟
وفقيرامعدما فأغناك الله؟

أنكر الرجل عليه ذلك وجحده وقال له : الحقوق كثيرة وإنما ورثت ذلك من كابرعن كابر.
وجاء إلى الثاني وسأل نفس السؤال ووجد نفس الجواب.
حتى جاء إلى الثالث وسأله نفس السؤال عدا أن الأعمى لم ينكر ولم يجحد وقال له خذ لك ما بدا لك فقد كنت أعمى ورد الله إليّ بصري وكنت فقيرا فأغناني الله.
فعاد الرجلين الأولين إلى وضعهما كما كان بالسابق (أبرصا فقيرا، وأقرعا فقيرا) واستمر الأخير ببصره ورزقه.
هذا حديث شريف رواه البخاري ومسلم عن ثلاثة رجال من بني إسرائيل، ولم تكن مجرّد قصّة عابرة.

يحدث كثيرا أن نغفل ونجحد مما نحن فيه من النعم الوافرة المحسوسة والغير محسوسة أي التي لا ندركها في وقتها مثل العافية والصحة بينما نستشعرها مع عارض بسيط تنهك قوانا ويخور به نشاطنا وتجعلنا دمى لا نقوى على التفكير أو العمل.
والأدهى من ذلك والأمر أن نعتقد جازمين بأن ما نحن فيه هي نتيجة قرارات منطقية عوّلنا عليها وبذلنا فيها الأسباب وها نحن نجني ما حصدناه
!

هذا النص وهذه الخاطرة كنت قد عزمت فيها على تبرير المنطق العشوائي والجحود المتنامي خلف المعنى الجوهري في معنى الرزق، وإنما أردت في حقيقتها هو التذكير بحقيقتنا الدنيوية وإننا مجرد كائنات لا ترى أبعد من أنفها وإن إدّعينا المنطق واستحضرنا فيه العقل.
ولا يمكن لمسلم موحّد عاقل أن يزعم بمجرد الزعم أن ما يجنيه هي نتاج جهوده بصرف النظر عن الظروف المؤاتية والمعطيات الفعلية التي سهّلت له كل هذا الزخم وهذا النجاح.
حتى في الدول الغربيّة لم يكن أحدٌ لينجح لولا ورثٌ قد ورثَه أو مبادئ وقيم وجوبيّة قد أسقطها ليصعد ويتسلّق على أكتاف الضعفاء ناهيك عن الممارسات والحيل التي نعلمها مثل استغلال الجهود البشرية و حتى التي نجهلها أو توفيق سماوي ميتافيزيقي ناتج من فعل وردة فعل، ولا يمكن بكافّة الأحوال أن نقارن نجاح فرد استطاع أن يتغلب على صعوبات جمّة في فانزويلا مثله مثل من نجح في أمريكا أو الشرق الأوسط، وهذا لا يلغي طموح وتعب سنوات أبدا وإنما المعادلة تقتضي خلف كل نجاح جهد لكن بعد توفيق الله أو الإله أو الكون والطبيعة أو ...

وللنظر للأمور من زاوية عقلانيّة محضة ولنسلّم جدلاً بأن الناجح نجح في تكوين ثروة جرّاء جهوده الخارقة ألا نستطيع أن نتساءل عن ماهو نموذج العمل الأمثل لتحقيق الربح دون الخضوع للحكومة وممارساتها؟
أو دون الاستعانة بخدمات واستثمارات رجال أعمال آخرين لا يعلم عن مصدر أموالهم، وإذا افترضنا بأنه لم يستعن بهم وإنما عرضها على سوق المال والبورصة فما هو حجم رؤوس الأموال التي يستطيع جمعها؟      
ولا نستطيع أن نحكم حكم قاطع على سوء وفساد دون أدلّة بطبيعة الحال ولكن لا يقبل منطق أو عقل أن ينجح إنسان على وجه الأرض بنجاح مادي أو معنوي دون أن تخدمه الظروف أو التوفيق بتعبير أدق.

الجمعة، 2 أكتوبر 2020

هل أنت فريسة أم صيّاد؟

يحدث كثيرا أن نَظلم أو نُظلم جرّاء منطق نعتدّ به.
وما هو المنطق سوى آلية تفكير ومنهجية إتّباع أدّلة عقلية للحكم على فعل ما.
وهذا العرف في التحليل والحكم هو مدرسة فلسفية قام بها فلاسفة أثينا بدأ من أفلاطون.
أفلاطون الذي كان منظّرا من الدرجة الأولى، الفيلسوف الذي حُكي عنه يوما ما أنه اختلف مع فلاسفة آخرين لمعرفة عدد أسنان الحصان!
فأخذ بعقله يحسب حساباته المبنيّة على تفكير منطقي لطول وعرض السن الواحد ومجموعها ليصل إلى جواب قطعي لا جدال عليه، في حين كان بالإمكان الذهاب إلى الحصان مباشرة وعدّ أسنانه دون مبالغة وتنظير ولكنها الفلسفة الذي سعى إليها وطموحه في تأسيس دولة فاضلة لا يحكمها إلا الفلاسفة!

المنطق لعنة متى ما وظّف بمنأى عن عوامل أخرى مثل المبادئ والقيم.
ننظر وقتها للأمور من زاوية مزاجية ولكن بمبرّر عقلي.
في جميع الأصعدة المختلفة: السياسية ، الاقتصادية والمعاملات الحياتية..
هل حرّر أبراهام لينكون العبيد لإيمانه بمبدأ المساواة؟!
هل الأعمال الخيرية لمشاهير المنصّات الإجتماعية منبعها الخير المحض أو تسويق الذات؟!
هل تعاملاتنا الشخصية مع الآخرين مبنيّة على أخذ وعطاء؟ وهل الأخذ مثل العطاء؟ وهل تم نتيجة منطق الإنسانية ومنطق العقل أو نتيجة استغلال ظروف قاهرة وجشع مستميت؟

الحياة وأسلوب معيشتها لا تبنى على المنطق وحده، بمعزل عن الاعتبارات الأخلاقية.
تلك الاعتبارات تكمن بدرجة أساسية في التعامل مع الآخرين من منطلق قوّة أو ضعف بحسب المنصب المصاحب لمتخذّ القرار؛ فإن كان في حال قوّة فهل راعى الله في حق ممن هو دونه؟ وهل الضعيف طالب ودافع عن حقّه بالطرق الشرعية السلميّة دون تخريب أو إيذاء؟
في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تسأل الظالم لم ظلم ولكن إسأل المظلوم لم سكت "

ولأن الحياة غير منصفة في هذا الشأن.
فليس الكل قادر على البوح بدوافعه أو ربما لا يمتلك الأدوات الأساسية للدفاع في ظروف مغايرة ولبيئة قد لا تتّسم بالديموقراطية الحقيقة التي من شأنها أن يعترض دون أن يخشى العواقب المترتبة بعد ذلك..
هل يجرؤ أحد أن يعترض على الأفعال الصادرة من الحكومات المستبدّة مثل الشيوعية مثلا؟!
ماذا عن الشركات البيروقراطية أو العائلية ربما؟!

ولذلك فإن المنطق السديد في ذهني هو من خلال ألا نرى الأمور من زاوية واحدة، دون أن نستعين بخطوة للخلف وننظر إليها من زوايا أخرى تساعدنا على الحكم بمنهجية أوضح، في المقابل لا تتّضح تلك الزوايا المختلفة دون أن نسمع وجهات النظر الأخرى أو ما هي دوافعها وأسبابها ولكن هل نصدُق دوما في معرفتها والعمل عليها؟
إلى جانب استراتيجية فعالّة في اتخاذ القرارات وهي تصنّع دور القاضي أو المحايد.
ماذا لو كنت في مكانه، هل سأفعل هذا الفعل؟
تبديل الأدوار لا يعني بالضرورة استحضار تجارب سابقة والعمل عليها وإنما تصنّع دور الآخر والتفكير بما يتناسب مع مبادئ الشخص ولكن بظروف الآخر، على سبيل المثال: لو كنت تمتلك صلاحيات كثيرة ومسؤوليات على نفس القدر من الصلاحيات، أيّ القرارت هي أنجح وأنجع بنظرية الثواب والعقاب؟
متى أعطي ومتى أمنع؟ متى أمدح ومتى أوبّخ؟
وهكذا دواليك..

قال لي حكيم يوما ما وهو رجل أعمال أيضا: نشعر بأننا مظلومين عندما لا نفعل اللازم للمحافظة على الشيء، نتيجة تقصير بالضرورة، ومتى ما قصّرنا فيه وعوقبنا بسببه حينها تقوم القيامة ولا تقعد. ثم يختم : لا نخاف الله إلا بعد ما نتجرّع المرارة بسبب أفعالنا الهوجاء. أين مخافة الله عندما قصّرنا؟!
هذا الكلام منطقي لأبعد درجة ممكنة عدا أن الحكيم نسي سهوا أن يقول: ما هي الدوافع الممكنة للتقصير؟
فعندما ننظر للأمور من زاوية التقصير ينبغي علينا أن ننظر للأمور من زاوية المنفعة المترتبة على الجميع، من ناحية التاجر ومن ناحية الموظف.
لا نعيش الآن حياة إقطاعية يستبدّ فيه التاجر بشتى الوسائل والطرق طالما كان ممتلكا للقوة المالية والسياسية من حيث أن الحكومة تقف في صفّه دون رادع، ولا نعيش بالمقابل حياة عشوائية يتساوى فيه الجميع.
وإن عشنا وفق بيئة حيوية وصالحة تضمن العدل والمساواة فلا بد من حيل واستثناءات لذلك.
يبقى المعيار الأساسي هو الضمير الحي الذي به يستبعد الهوى المتّبع وإن وظّف المنطق بحقّ أو بغير حقّ. 
حالة التذاكي والاستغفال والجشع أثرها قد لا تبدو واضحة في بداية الأمر ولكن تراكماتها تسبب حالة التبلّد و في خلق حالة جدل نفسيّة وفي التداعيات المستقبلية من ناحية الولاء والانتماء؛ الأمر الذي يساهم للعمل لأجل العمل دون أي طموح آخر. 
ينبغي على النبيه واللبيب أن يحكّم عقله وقلبه حتى لا يتعرض لمحاسبة ربّانية إلهية عادلة وأن يستخدم منطقه حتى لا يجد خصم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

خلاصة الحديث..
 إن كنت في محل قوّة لا تدع لغيرك أن يستغفلك.
وإيّاك ثم إيّاك من الظلم فإنها ظلمات يوم القيامة، ولا تركن لعقلك ومنطقك دائما.
وما علامة ذلك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك " الحديث.
بينما إن كنت في محل ضعف لا تتنازل عن الدفاع عن حقّك طالما بذلت الأسباب وعملت ما يجب عليك فعله.
وإيّاك ثم إيّاك من تمثيل دور الضحيّة ودور الفريسة فإنها لا تليق بإنسان ميّزه الله وجعله خليفة له في الأرض.
ينبغي عليك أن تكون صيّادا ماهرا تصيد بذكاء وتعمل بدهاء وتنتج بما وهبه الله لك من جدّ واجتهاد و ألا تتنازل عن حقّك مخافة قطع رزق قد كتبه الله لك .. أنت قوي بالله وحده.

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

وهلمّ جرّاً

.أجد نفسي مؤخرا مدفوعا للكتابة
بحرارة مشتعلة.
وكأن الحروف تسابقني مسار الجري.
حيث أنني بالكاد التقطها لأتفحّصها وأمحّصها وأدقّقها ثم أعيد صياغتها وتوظيفها من جديد.
أليس هذا ما يبدعه الكاتب؟!
خلق الكلمات؟
صنع الأفكار؟
وهلمّ جرّاً..

مايجعل حماسي أكثر اشتطاطا من ذي قبل.
لا سيما في الآونة الأخيرة.
هو لأنني أكتب مذكرات شخصية.
إرث ثقافي أعوّل عليه في المستقبل.
قد يبدو الأمر ساخرا ويدعوا للتهكم.
إلا أنني مؤمن بذلك.
هذا الإيمان وربما هذا التحيّز الشخصي.

هو ما يجعل فرد متفوّق على الآخر.
ليس بالنتيجة الظاهرة طبعا..
أي بعدد انتشار المدوّنة أو عدد متابعيها وقرّاءها.
وإنما بجودة تلك الأفكار.
وأفكاري التي تقرأها هنا وإن تكررّت أحيانا.
بصورة مملّة ؛ فهي أفضل بمراحل..
بسنين ضوئيّة عمّا تقرأه في معارض الكتب الساذجة.
لا سيما تطوير الذات وعلى شاكلتها.
حتى الكتب الفكرية المتأخرة ما هي إلا نسخ واستحداث للقديمة.
حتى الصحف الورقية ومواضيعها الروتينية ليست بذات الجودة العالية.
الأفكار مأساوية إلى درجة يشمئز معها العقل ومع ذلك نقرأ ولا نكتب.
لن تصل إلى مرحلة الضحالة الفكريّة طالما أنك قرأت بعض مما ورد في هذه المدوّنة.
لأنك عميق.
نخبوي.
وهلمّ جرّاً

يبدع درويش كعادته في استحضار همّ الكتابة ويقول :
" قال الغيب لي : اكتب !
فقلت : على السراب كتابةٌ أخرى
فقال : اكتب ليخضرّ السراب
فقلت : ينقصني الغياب 
وقلت : لم أتعلم الكلمات بعد
فقال لي : أكتب لتعرفها وتعرف أين كنت
            وأين أنت وكيف جئت ومن تكون غداً
            ضع اسمك في يدي وأكتب لتعرف من أنا
           وإذهب غماما في المدى 
فكتبت : من يكتب حكايته يرث أرض الكلام 
           ويملك المعنى تماما "

الإشكالية التي نقع فيها في الغالب.
هي ما نتوجّس به من خلال أفكارنا فيما إن كانت فعلا جديرة لكتابتها أو لا.
وتلك باعتقادي نابعة من عدميّة وعدم ثقة بدواخلنا.
من حيث أن الكتابة هي فعل مقدّس.
الكتابة هي فعل بريء.
لا يجدر بنا إلا لكتابة نصّ محكم متّزن يتفرّد عن غيره من النصوص.
وهذا محال.
الواقع المعاصر وأيضا القديم هو نموذج لسلسلة متكاملة من الأفكار.
نظريات متتابعة أو فلسفات مغايرة تمحو التي قبلها أو تستند عليها بحكم المنطق والعقل.
بالتالي الأفكار لا تفنى ولا تستحدث من العدم.
وكل فكرة هي بالضرورة مبنيّة على تجربة وقراءة منطلقة من الخطأ أو الصواب.

اكتبوا ولا تكبتوا.
طالما أن الكتابة متنفّس.
طالما أن الكتابة ليست أبدا فعل بريء.
طالما أن الكتابة تفضح عمّا نعجز عن قوله.
طالما أن الكتابة رسالة سامية ينتهي بها المطاف إلى فعل سامي مثل " إقرأ "
وهلمّ جرّاَ

الجمعة، 25 سبتمبر 2020

النخبوية المزعومة

لم أصنّف نفسي يوما بأنّي شخص نخبوي.
فرد مثقّف يتفرّد بالأفكار والاستشهادات العبقرية.
ولم أدّعي المثالية الساذجة والزائفة.
ربما أحمل زاوية تفكير استثنائية تميّزني عنهم. 
هذا التميّز وهذا التفرّد يخلق هالة خفيّة لا تدرك بالعين المجرّدة.
هي ما تجعلني بعيدا عنهم، وكأنني أنتمي إلى عوالم مختلفة.
ربما جئت من كوكب آخر غير الذي نعيش فيه.
لم أدرك ذلك بسبب نباهتي أو حذاقتي لكن الجميع من محيطي المقرّب يدرك ذلك.
هذا الشعور وهذا الإحساس بالضرورة يساهم في رفع حالة الأنا بداخلي.
غرور لذيذ متوّج بتاج العلم والثقافة.
وإن لم أكن أنا هذا الشخص وإنما فيما يراه الآخرين في.
هل يجدر بي إدّعاء الغباء وتصنّع الحماقة حتى أنتمي إليهم؟!

لم اقرأ لفيلسوف سبق زمانه وعصره أو مثقّف شطح بأفكاره الأزمان إلا ووجدت فيه خصلتين اثنتين :
- لا يعتدّ بتواجد الآخرين حوله.
- يتكيّف مع الغباء بصعوبة.
هذه الاعتبارات قد نجدها فوضوية نوعاً ما في حال ما قارنّاها مع قيم الفضيلة المتجسّدة في التواضع وطريقة التعامل مع الآخرين؛ على إن الفضيلة هي القيم المثلى والعليا للإنسان بحسب أيدلوجيته الفكرية والفلسفية.
فمثلا الرواقيون يستمدون فلسفتهم من نظامها المنطقي وتأملاتها على الطبيعة، كذلك تعاليمهم تنساق خلف كبح الشهوة وعدم الانقياد إلى اللذّة وبالحديث عن مقتضى العقل والمنطق فمتى ما وجد الضرر المحض والأراء المشوبة بالحكمة وجب على العاقل الحذر منها بكل الطرق السليمة.

لم أكن لأتبنّى ذلك النهج المتطرّف لولا أحاديث نبوية شجّعتني وحملتني على سلوك النهج الأوسط من حيث لا إفراط ولا تفريط.
" أحسنكم أحسنكم أخلاقا " ، " الدين المعاملة " ..  
لكن لنعود إلى نواة القضيّة.
وهي رؤية الآخرين لي وطريقة تعاملهم معي لا تتطلب التفكير الجاد والمبني على حدس ظنّي بائس وسيء
كل مافي الأمر أنّي لا أشترك معهم في أرضية مشتركة.
هذه الأرضية الخصبة التي نجتمع فيها مع الأصدقاء المقرّبين أو حتى الأصدقاء في الفضاء الواسع الخياليين الذين لا نلمسهم ولا نشعر بهم عدا تلك الأفكار والمناقشات التي نتناولها من حين لأخرى.

لا بأس من بعض المجاملات العابرة.
المجاملات التي لا نستطيع معها بأريحية كسر حالة الجمود والصمت الثقيل.
لكن لابد من رأيي الخاص ومن تجربة خاصة وقناعة راسخة ألا تتجاوز مدتها الثلاثون دقيقة للشخص.
حاول بعدها أن تفيض بالأسئلة التي تحتاج إلى إجاباتها من باب المعرفة لا أكثر.
مثل تلك الأسئلة :
ما هو هامش الربح للخدمات التي تقدمونها في عملكم؟
كم تبلغ ميزانية التشغيل والتسويق لديكم؟
ما هي الأفكار الإبداعية التي تمّ تنفيذها لزيادة المبيعات أو زيادة عدد العملاء المحتملين؟
هل أنتم بحاجة إلى صانع محتوى إبداعي يستطيع من خلال المفردات جذب العملاء واستقطاب المتابعين؟!
وهلمّ جرا..

وفي حال وجدت أن الإجابات لا تغني ولا تسمن من جوع.
أو لم تتم الإجابة عنها بتفاصيل أنا أبحث عنها، أبسّط تلك الأسئلة إلى أسئلة أكثر احتياجا لكن مع ذلك إجابات لا أعرفها.
الأمر دوما يستدعي في كيفية أن تسأل أسئلة ذكيّة.
والرغبة في استحضار الدهشة وممارسة الفلسفة من خلال أوسع أبوابها " البحث عن الحكمة "
مالم نبحث عن موضوع نستطيع جميعا الاشتراك فيه ومناقشتها بحماس مفرط..
مواضيع مثل : النسوية و تمكين المرأة – الزواج – المطاعم – الحفلات الترفيهية والأفلام الحديثة .. الخ

قال أحد الحكماء :
العقول على ثلاثة أنواع :
- العقول الكبيرة والتي تناقش الغايات.
- العقول المتوسطة والتي تناقش الأحداث.
- العقول الصغيرة والتي تناقش الأشخاص.
إن لم أكن الأول فلا يجب على الواعي العاقل أن ينحدر إلى أسفل السافلين ومناقشة الأشخاص بغير فائدة تذكر وغير "سنع"
 

الخميس، 24 سبتمبر 2020

الكوميديا السوداء

.يقال عندما تصبح الأمور في حالة عجز تام ولا تستطيع معها إيجاد الحلول
عندها فقط تستطيع التهكّم، ممارسة السخرية النبيهة.
وتفعيل الكوميديا السوداء.
عندها فقط تستطيع أن تتجاوز المحنة بأقل الأضرار النفسية.
من تلك القصص التي تعني بالكوميديا السوداء هي قصّة الفقير والحكيم ..
يحكى أن شخص أبتلي بالفقر وتجرّع الذل ليجد قوت يومه وعياله،
اضطرت به الحاجة لسؤال الناس ولا يعطونه.
ذهب بعدها إلى حكيم اشتهر بحكمته في تلك القرية.
وقال له : أيها الحكيم اللبيب، إنني أقف على الطريق وأسأل الناس ولا أجد منهم ما ينتشلني من الفقر.
فكّر الحكيم لوهلة ثم سأله : أ كنت تقف على الخط أم بعده؟
جاوب الفقير : أقف بعده، حتى لا يصيبني عارض ما.
فقال الحكيم : لكن أنت في موقف تسلل!
- النهاية -

يحكى أيضا حكاية قد سمعتها مرّة والعتب على الراوي.
يقول : أنه في ظل حكم الإتحاد السوفييتي وبالخصوص في زمن ستالين.
عقد ستالين مؤتمر شعبيا لمناقشة مواضيع عامّة.
حتى إذا ما انتهى من حديثه طلب من الحضور التصفيق إشارة إلى نهاية المؤتمر.
صفّق الحضور بحرارة عالية جدا.
لدقائق معدودة.
ولم يتوقفوا!
استمر الأمر على نفس الحال أكثر من 7 دقائق.
ولم يتوقفوا أيضا.
أصبح الأمر مثير السخرية، حاول أحدهم أن يشير إلى ذلك ولم يتوقف عن التصفيق.
وحده الشجاع مدير أحد الشركات الورقية توقف عن ذلك،
بعد مرور 11 دقيقة تقريبا.
توقف لسبب.
من التعب.
وفعل الحضور مثله وتوقفوا عن التصفيق.
على الرغم من كبر سنّه إلا أنه تعرض فيما بعد لعقوبة على فعله الأرعن.
سجن 11 سنة!
- النهاية -

وعن القصائد المثيرة للتهكم والسخرية.
قصيدة كتبها الشاعر أحمد مطر.
عن شخص يدعى عبّاس.
عبّاس كان يشحذ سيفه.
رأى لص يحوم حول بيته.
دخل اللص بيته وأصبح ضيفه.
وهو مستمرا على شحذ سيفه.
قدّم عبّاس له القهوة.
واستمر على شحذ سيفه.
صرخت زوجة عبّاس.
ضيفك راودني عبّاس.
أبناؤك قتلى عبّاس.
قم أنقذني عبّاس.
عبّاس لم يفعل شيئا.
عبّاس أرسل برقيّة تهديد.
سألت زوجة عبّاس:
فلمن تصقل سيفك يا عبّاس؟
قال: لوقت الشدّة.
قالت : أصقل سيفك يا عبّاس.
- النهاية -

لا تعبأ البشرية عن مدى جديّة تعاطيك مع مواضيع قد تجدها هامّة بنظرك.
والتي لا تخصّهم بالضرورة.
مالم تندرج ضمن المنفعة الفردية.
ربما تجد تعاطف كبير مع من يشاركونك نفس الهمّ ونفس المحنة.
تجدهم يصفّقون لك بحرارة، يقلّدونك الأوسمة ويحتفون بك في مجالسهم الخاصّة والمغلقة.
وتتحمّل أنت نتيجة أفعالك وكتاباتك.
وإذا ما خفت ضوءك .. حينها السلام على كل من شجّعك وصفّق لك.

هكذا تَعلّمنا في قانون الحياة.
هكذا تُعلّمنا التجارب السابقة.
أنت حين تناضل وتقف في صفّ المظلوم والمغلوب على أمره.
إسأل نفسك سؤال مهم : هل أستطيع تحمّل عواقب ذلك؟
ما نيّتي وراء هذا الفعل؟

وأمضي قدما ولا تعبأ بالجماهير الفارغة.
أكتب لنفسك.
ناضل لإحقاق الحق.
وتذكّر حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم : "يا ابن ادم لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ولو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشئ لن ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك.رفعت الأقلام وجفّت الصحف
"

طالما أن الكتابة لن تصل إلى الجماهير المتعطّشة لتلك الأراء الاستثنائية، الشجاعة والتي تنمّ عن جسارة قلبيّة!
يبقى السؤال المطروح: لماذا أكتب دون أن أصيب الهدف؟
اعتبرها حالة من الفضفضة الشخصية، حالة من التفرّغ.
لا أكثر من ذلك ولا أقل.
لا تطمح لأعلى من ذلك حتى لا تتجرّع الندم لاحقا!

يكفي أن تمارس الكوميديا السوداء قدر ما تستطيع.
انتقد بأسلوب ملتوي.
غير مباشر.
حتى لا يتم تصنيفك لأي صنف أو حزب.
حتى لا يتم وضعك في قالب أنت بعيد عنه.
كن غريبا.
كن مريبا.
واسخر على كل شيء لكن بحذاقة.
ولا تبالي بأي شيء آخر.
بعدها إرفع يدك عن الكتابة ..

وصيّة

جرت العادة عندما أعزم على كتابة خاطرة ما.
خاطرة تجسّد حالة شعورية ألمّت بي أو فكرة من وحي الخيال.
أجد نفسي أكتبها بعد أن أجمع الأفكار بعقلي حتى أكتبها بتلقائية وعفوية مفرطة.
تاركا العواقب والأراء المجحفة أو المعارضة لجودة النص أو الفكرة.
وهذا ما يجعلني أكتب بروح خفيفة مثل ريشة تطير في السماء ولا تعبأ في أين مكان تسقط.
إلا هذه المرّة.
بدأت من العنوان.

حقيقة الأمر أنه مربك للغاية.
في توقيت غير ملائم البتّة.
عدا أن الأفكار اقتحمتني عنوة وبلا رحمة.
وتلك الرحمة تظهر في الضعفاء.
المغلوب عليهم بلا حول ولا قوّة.
البائسين المظلومين المنكوبين..
الذين لا ناقة لهم ولا جمل في مصيرهم البائس، اللهم إلا المناضلة البسيطة أو المجابهة الخفيفة.
لا فعل لهم غير التسليم لظروف عصيّة،والدعاء على الجاني الظالم والكافر أيضا.
هي قلّة الحيلة؛ ربما تكون أنسب تعبير لهذا الفعل.
لكن أليست قلّة الحيلة مرتبطة بالنساء أكثر؟
قلّة الحيلة عند الرجال هي قهر مؤلم ومؤذي وتؤدي إلى الانتحار في أحايين كثيرة!
ولذلك دعى بها نبيّنا محمد أفضل الصلوات والسلام عليه " اللهم إنّي أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال "

وأنا معهم في قهر الرجال عدا أن ظروفي وأوضاعي ومعطياتي مختلفة عنهم.
فهي نسبة وتناسب بطبيعة الحال.
وددت لو كان بإمكاني الإسهاب أكثر.
التفصيل في ذكر أمثلة منطقية أستطيع بها دحض حالة الشجب والغباء المتفشي من العامّة.
السذّج والمنتفعين كذلك.
" لكنّي صغير خاف من بؤس المصير " !

لطالما تلبّستني نصوص شخصيات عظيمة.
أفنوا حياتهم في نضال مستمر وماتوا على ذلك.
كانوا شعلة مضيئة.
لم تحترق.
ولن تحترق أبدا.
يتلّقف الشمعة أحدهم ويستمر على غرار الفعل.
نفس المشهد المعبّر والذكي في فيلم عمر المختار.
عندما أراد المستعمر الإيطالي التخلص منه.
نصبوا له مكيدة وشنقوه فيما بعد.
هل مات؟ هل توقف عندها طموح طرد الاستعمار؟
لا.
سقطت نظارته بعد أن نطق الشهادة وتلقّفها أحد الصبية.
واستمر على نفس النضال ونفس الحماس حتى تحقق الحلم.

لا يموت الكتّاب الأحرار أبدا.
ماذا عن ديوان الشعر لأحمد مطر؟
الشاعر الشجاع الذي ألقى بنفسه في دائرة النار ولم يخف.
لم تطاوعه نفسه على الصمت، ضميره الحيّ كان مشتعلا متوّقدا بنور الجسارة والإيمان.
ماذا عن شاعر البسطاء والمهزومين الشاعر الحرّ أمل دنقل وأعماله الكاملة التي تنضح بالقومية،
 وبعض أفكاره الاشتراكية؟
هل انتهت القائمة؟
لا.
مظفّر النواب ، بدر شاكر السيّاب ، نازك الملائكة وغيرهم.
ما زالت نصوصهم الأدبية والحرّة تتجول في أعماق وجداني وخيالاتي.


إلى كل كاتب حر.
أكتب وناضل واستبسل ولا تخف.
لعلّ الكتابة تكون لك شافعة يوم القيامة في ماجاء في باب نصرة المظلوم ولو بكلمة حق.

الجمعة، 18 سبتمبر 2020

في معنى الحب

جرت العادة بأن طريقة التعبير عن الحب هي بالحديث المتواصل.
الحديث اللذيذ الذي لا يعكر صفوه عارض ما.
حديث عفوي وتلقائي ومسهب دون الشعور بالملل أو الضجر.
حديث لا يحمل معه مقدمة أو نهاية بل االقفز المثير للسخرية من موضوع لآخر دون أي رابط.
المهم ألا يتوقف.
ومتى ما توقف الحديث بعثرت على إثره خيوط التواصل التي حبكت بشكل متقن.
وهذا الكلام لم يصدر من عبث.
لم يأتي من فراغ.
لم يستنتج من منطق بوهيمي مريب.
وإنما من واقع جدير بأن يحدث لكل عاشق.
إذا لم تعش مثل تلك التفاصيل البسيطة فغالبا لم تعرف معنى الحب بعد.

جرت العادة أيضا ولكن بتجربة خاصّة تمثّلني بالضرورة.
أن أبدأ حديثي مع حبيبتي عن امتعاض ما.
امتعاض يحدث بسبب مواقف وأحداث سياسية محليّة أو دوليّة تخص الشأن العام.
في حق تقرير مصير الشعوب، والوقوف بجانب الضعيف المظلوم.
واضطّر بعد ذلك إلى الإسهاب الممل.
في تفنيد الآراء الغير منطقية والتي يرجوا أصحابها مصلحة فردية، ضاربين بعرض الحائط المنفعة الجمعية والعامة.
حبيبتي لم تكن من أولائك الذين يعوا المنطق السليم لما يحدث خلف الكواليس.
عدا أنها تجيد فنّ الاحتواء.
تحتويني بعاطفتها الجيّاشة والمثيرة للحب.
من خلال أسئلة بديهية ساذجة حتى لا أتوقف.
لا تقاطعني البتة.
تتجرّع المرارة لمتابعة الأخبار السياسية علّها تصيب في تأويل ما يجري من أحداث عاجلة.
ولم تصب لا من قريب ولا من بعيد.
لن تصيب أبدا.
لأني أمتلك قلب أبيض نقي وعقل واعي يهتم في أمور أعظم من مجريات ما تحدثه السياسة النجسة!
هكذا ترد علي متى ما وجدت نفسها غافلة وبعيدة عما أتحدث عنه.

نتطرق بعدها إلى أحاديث أكثر نخبوية.
عن الكتاب الأخير التي كانت على وشك الانتهاء من قراءته.
كان يحمل عنوان : الرجال من المريخ والنساء من الزهرة.
وتعلّمني بطريقتها العفوية بعض النقاط والاستنتاجات وكثير من الخواطر التي دوّنتها في المذكرة الوردية التي تحتفظ بها في مكان خفي ؛ أسفل مرتبة السرير من عند القدم.
وعندما بوغتت مرة بأن لم تجده في مكانه المعتاد. 
لم تعد تعبأ في إخفاءه ولكن كتبت على مقدمة الغلاف : ستصيبك لعناتي عندما تبدأ في تصفّح تلك الأوراق.
ولم يجرؤ أحد على الاقتراب من تلك المذكرة أبدا.

معها أشعر بأن الكون أصبح أكثر دفئا.
أكثر احتواءا.
كيف لا وأنا المتيّم بقارئة تغمرني بحب العقل والنفس.

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020

نحو الكمال

اعتقادات راسخة كبرت معنا منذ الطفولة.
قناعات مختلفة تشبّثنا بها منذ المراهقة.
ونحن إذ نكبر تزيد وتنقص تلك الأفكار بشكلها الطردي المعتاد.
بحجم المعطيات والظروف والتجارب التي مرّينا بها.

تبدأ الرحلة بسلوك أهوج غير مدرّس ؛الحب المشروط.
أنا أحبك إذا أنهيت طعامك،
نظّفت ثيابك،
نفّذت أوامري وهكذا..
أو يختلف السلوك ولكن بشكل آخر؛المقارنة.
 لماذا أخيك أفضل منك؟
ما الذي يميّزه عنك؟
ما الذي تستطيع فعله بينما هو لا يستطيع؟
وغالب الظن بأن الأمر قد يمتد إلى ماوراء ذلك..
كالحصول على الدرجات الكاملة في الرحلة الدراسية البائسة.
وكأن الدرجات هي برهنة صريحة على تربية حسنة وسلوك مهذب!

هذا الذعر من الإخفاق تغذّيها التوقعات.
الفروقات المبنيّة على تصوّرات داخلية بين الواقع والخيال.
والأمر في نهاية المطاف فشل سحيق وثقة متزعزعة بالذات والعمل.

لا تبحثوا عن الكمال أبدا.
وكما يقول سلفادور دالي الرسّام الأسباني المعروف بالمدرسة السريالية،
 أو المشهور بالقناع المستخدم في مسلسل البروفيسور :
" لا تخف من الكمال فلن تدركه "

الاثنين، 3 أغسطس 2020

المعركة الصعبة

كل امرئ لابد له من معترك نفسي خاص به.
هذا المعترك يجسّد حالة ذعر وهلع داخلية تتوافق طرديا مع طموحاته وآماله.
معركة لا تحتمل معها أنصاف الحلول.
تكون أو لا تكون.
ما لم يسعى المرء تدريجيا للتغلب عليها أصابته حالة من الاكتئاب الموحش.
على النقيض تماما.. 
متى ما أصاب بعضها ذهب إلى ماهو أبعد منها..
وهكذا دواليك.

يعلّمنا نيتشه في كتابه العميق" هكذا علّمني زرادشت " عن فلسفة الخلود.
وهذه الفلسفة لا يجدر لمتبنّيها إلا أن يمتاز بمعايير وأوصاف استثنائية.
وهذه الحقيقة ليست اعتباطا حيث أريد بها تهويل تلك الفلسفة الخالدة.
كلّنا نطمح ونسعى لتحقيق أكبر عدد من الأهداف والإنجازات الحياتية.
بغض النظر عن جودتها وطريق الوصول إليها.
لكن قلّة من الناس من تجرّع الألم حتى ينالها!

في لقاء خفيف جمعني مع الكاتب اللطيف نجيب الزامل رحمه الله حيث عرّج على نقطة مهمة أشعل معه مصباح التساؤل.
قال: لم أرزق بالمال مثل أقراني وإنما رزقت العلم والأدب!
هل فعلا من أراد أن يسلك الأدب طريقا ومنهجا فعليه أن يترك ما دونه؟!

دوستويفسكي حين اعترض على النظام القمعي الحاكم النظام الشيوعي البائس سجن على إثرها.
وأوكلت إليه مهام صعبة ومنهكة.
لم يعترض.
لم يمتعض.
قال جملته الخالدة : اللهم لا تحرمني معاناتي.
حيث الألم صاحب معه كتاباته السوداوية الخالدة.
عبارة متكلفة؟
غير منطقية؟
أ لم يقل أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب : ربي إني لا أسألك أن تخفّف حملي، لكنني أسألك أن تمنحني ظهرا قويّا؟!

عندما استحضر في مخيّلتي شخصيات بارزة ساهمت في تغيير القناعات والأفكار من منطلق كتابات فقط.
حيث مازالوا خالدين معنا إلى قيام الساعة.
ربّ كتاب واحد خير من ألف كتاب فارغ.
لكن من يمتلك الحكمة والصبر للتفرغ على تحقيقها؟
الإمام حجّة الإسلام أبي حامد الغزّالي وأعني به الغزّالي فيلسوف القرن الخامس الهجري حيث نال العلم وهو صغير.
يقول عن نفسه : أصابنا الفقر وتجرّعنا ألمه واضطررت مع أخي أحمد إلى الدراسة حيث يتوفر الطعام.
يقول بعدها طلبت العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله!
كتب ذلك في كتابه إحياء علوم الدين: وسوس لي الشيطان بأن هؤلاء الجمع الغفير أراد به الناس أن ينتفعوا من علمك، وهذا إن دلّ على نباهة وحسن إطلاع . دخل إليّ الشيطان من باب العجب.
ما كان من الإمام الغزّالي إلا أن يرتحل الأمصار ويختلي البشر حيث قبع على كتابة إحياء علوم الدين قرابة الربع قرن.
حتى وصفه أحدهم بجملة : من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء!

المعركة الصعبة للإنسان الواعي تتجسّد في فلسفة الخلود.
أيّ كانت تلك المعركة.
لا يهم كيف تصل.
بطرق سليمة أو ملتوية.
بالنزاهة أو بالفساد.
المهم أن تصل.
المهم أن يذكرك غيرك بها.
أن تضع بصمة بعد مماتك.

الجمعة، 17 يوليو 2020

ثلاثيني جاد كتوم

لم يحن التاريخ بعد.
تبقّى فقط يومان وثلاث ساعات ونصف الساعة من هذا اليوم الفضيل.
حيث ولدت قبل غزو الكويت بثمانية عشر يوم.
وقبل توحيد ألمانيا بستّ وخمسين يوم.
وبعد الوحدة اليمنيّة المشؤومة بتسع وخمسين يوم.
هذا كل ما في الأمر.

أنا هنا حيث مفترق الطرق.
أنا هنا حيث الضباب ينقشع والغمامة تزول.
أنا هنا حيث أعتزل وحيدا لتقديم واجب العزاء لنفسي ودون مواساة أحد.
أنا هنا حيث أندب حظّي على ما سبق.

لطالما ترسّخت في ذهني تلك الصورة النمطيّة أن الثلاثين هو عمر الحكمة.
ولم أبلغها بعد.
لطالما تبنّيت ذلك المنظر الرجولي الآخاذ البالغ من العمر ثلاثين ونيّف.
وها أنذا أصله لكن دون ذلك المنظر.
وحده الشعر الأبيض هو من تجلّى المظهر.

أكتب الآن لنفسي دون غيري.
حيث أمارس عادتي ولكن بطريقة مختلفة.
في الحقيقة تجاوزت تلك المرحلة التي أخشى فيها النقد.
لم أعد أبالي كثيرا.
أصابني التبلّد مبكّرا.
ولذلك آثرت اليوم وفي هذا العمر المميّز بألاّ أمارسها بالسرّ وإنما أمام الملأ.
عادتي التي اعتدتها هي عادة منهكة.
تشعرني باللذّة لكن مرهقة.
حالما أنتهي منها أشعر بشعور مرهفة.
لا سيما عندما أقضي وطري المتعبة.

عادتي السرّية تبدأ بأسئلة متنوّعة عدا أن هذه المرّة متخصصّة :
ماذا أنجزت أيّها الأحمق؟
كيف تأثّرت وأثّرت أيّها الصعلوك المبعثر؟
إلا متى ستضلّ هكذا أيّها الحيوان المدلّل؟
متى يفترض بك أن تنضج أيّها الطفل المتكبّر؟
لماذا أنت زائدا على الحياة؟ ألا يفترض بك أن تموت؟
ولا أجيب.
عدا أنّي تصالحت مع نفسي مؤخرا.

صيّرتني الحياة بطباعها، تشكّلت على إثرها وغرارها كيفما تشاء.
مرّغتني بتجاربها المؤذية حتى اعتدت عليها.
نعم. التجارب مختلفة لكن أنا الآن أقوى مما كنت عليه في السابق.
أليس ذلك من الحكمة؟!
ما هي الحكمة يا ترى؟

الجمعة، 15 مايو 2020

المكتبة الوطنية

كانت المكتبة الوطنية هي العذر المباح لإلتقاء الأعين.
هي من جمعتنا على طاولة واحدة فيما بعد.
هذا عذرها هي للهروب من سطوة أهلها ، بينما كان عذري الشوق.
صادف اليوم عيد ميلادها العشرون.
أنا شيء عتيق بالنسبة إليها في حال خضنا في فارق العمر!

ابتهجت الكتب والمكتبة والمجمع والعاملون والمتسوقون أجمع.
أستطيع أن أرى ابتسامتهم الواسعة.
كانوا مثلي.
سعداء لوجودها.
أصرّوا على أن يشاركوني الفرحة.
كلّ على طريقته الخاصة.
أجمل مافي الفرحة هي أنها تبتعد عن مظاهر التكلّف.
وحدهم الطيبون ، الجميلون و اللطفاء هم من نسعد لسعادتهم.

أكاد أجزم بأننا نستطيع دراسة لغة الجسد بوضوح تام في تلك الأجواء.

كان لقاء خجولا، يطغى عليه الاستحياء في معظم الوقت.
لا سيما هي.
لم تكن تكاد تتمالك نفسها من شدة الخجل!
أغرمت بها للحظتها.
استأذنت سريعا لتتوارى عن ذلك.
فعليا.لم يحن اللقاء بعد.
التقينا بعدها بهنيهات عند إحدى متاجر الحلويات المعروفة.
مازلت أذكر موقعه : في الدور الأرضي من المجمع ويقبع بالزاوية مزهو بعلامته التجارية.

هنا جميع الأفعال وردود الأفعال المريبة والعجيبة والتلقائية كانت حاضرة.
سكبَت القهوة على يديّ دون عمد.
تحدثتٌ عن دوستويفسكي السوداوي في لقاء غرام!
لم أكن أعلم بميلادها إلا متأخرا جدا.
وتلك معضلة لا تغفر في قاموس العشق.
بحثت عن هدية ملائمة وما وجدت إلا النص المحكم.
نص شاعري صادق عن ألف هدية ثمينة!
المفاجأة أن جميع المكتبات في ذلك اليوم، في ذلك التوقيت قد نفذت منها ظروف التهنئة، يبدو الأمر و كأنه مدبر!
الأمر الذي جعلني أتعثر بالمجيء فارغ اليد ولذلك أهدتيها رسالة حب دون ظرف!
في المقابل أهدتني ساعة جميلة وكأنها تحتفي بي وليس العكس!
شعرت حينها بالحرج لولا أنها احتوتني كما تفعل دوما.
آمنت للحظتها أن أجمل اللقاءات تلك التي لا تتقيد بنص أو ترتيب مسبق.
فقط الأعين هي من تتكلم.

السبت، 2 مايو 2020

الماضي

الاقتحام هو فعل غير إرادي يحدث لسبب مقنع ولكنه سلبي في نهاية المطاف.
بعض الاقتحامات رغم سلبياتها الا أنها لذيذة؛ ولذتها هي في الأثر الذي يحدث بعد ذلك.

نتوهم بأننا نستطيع نسيان الماضي.
ما الماضي إلى سلسة طويلة من ذكريات وأحداث وتجارب نستطيع فيما بعد أن نتحكم بها قدر ماشئنا!
نغفل بأنها تشكّلنا بطريقة أو بأخرى، تصنع منّا شخصياتنا التي عليها الآن.
الأمر المثير للشفقة فعلا هي أننا ضحايا لذلك الماضي سواء تمّ بقناعة منّا أو إكراه فالنتيجة واحدة.الشجاعة تتطلب منّا المضي قدما.. السير بخطى واثقة نحو الهدف المنشود وأن ننسى الماضي الذي جرّعنا خيبات أمل لا تنتهي ..
 لكن هل عسانا أن نفعل؟!
هل نستطيع فعل ذلك أصلا؟

لطالما قد آنست بالماضي.
حرصت على انتقاء اللحظات كيفما أريد وكيفما أرغب.
أن أروض تلك الذاكرة اللعينة بما يتناسب مع تصوراتي الحالية.
والنتيجة نفسها..تكرار الألم.

دوما أتساءل مع نفسي عمّا إذا ابتكروا علاجا للنسيان؟
بل وأكثر من ذلك..
أتابع آخر ما توصل به الطب الحديث، ماذا أنتجت شركة فايزر هذا العام؟
ماذا عن شركة سانوفي مثلا؟
ماذا عن الشركات الأخرى والتي تحقق إيردات تتجاوز 1.1 تريليون دولار؟
أ لم تجد شركة عالمية منتجا يساعد على النسيان بعد ؟
وهكذا أتصفح المستجدات عن آخر العلاجات لأفضل الشركات لكن دون جدوى.

حتى اهتديت إلى الحل المثالي.
والذي أزعم بأنه ساذج ولكن ما يترتب عليه هو العلاج الأمثل.
ألا أتجاوز الماضي أبدا.
ألا أتقبله أيضا.
ما أنا عليه الآن هو تفوّق وانتصارعلى كل تجربة عشتها سابقا بحلوها ومرها.
هي الوسيلة الناجحة،الناجعة التي خولتني على تدارك الأخطاء والانتباه على عدم تكرارها مجددا.
وأخيرا..
قلّل طموحاتك مستقبلا حتى لا تندب حظك وتعيد تكرار الخطأ.

السبت، 25 يناير 2020

حيث أجد نفسي

الكتابة هي وسيلة فعالة للتخلي عن الهموم والأوهام العالقة في الشق الأيسر من الدماغ.
أسلوب مغري للتخلص من العوائق والمنغصات.
توظيف المفردات بشكلها الجيد وكتابة حبكة جيدة تتطلب عبقرية ملازمة من الكاتب.
المحصلة النهائية هي ثمرة يجدها في حياته أو مماته أو الاثنين معا.

فان غوخ الرسام استطاع أن يرسم مئات الرسمات وأحصيت عددها ما يقارب 900 رسمة والتي عكست أعماق فلسفته السوداوية ولم يستطع في وجوده أن يبع منها إلا واحدة!
عدا ذلك انتشرت في متاحف عدة وبيعت في مزادات مختلفة دون أن يتوج بشيء ما .. لم يحتفى فان غوخ إلا بعد وفاته.
هذا الخذلان لم يسقطه طريحا في الفراش أو أن تتضخم لديه الأفكار المأساوية لفشله والتساؤل المطروح : لماذا لم تنشر أعمالي؟
لم يجد الجواب بطبيعة الحال وأرسل رسالة إلى أخيه يقول فيها :
وداعا يا ثيو .. سأغادر نحو الربيع.
انتحر فان غوخ.

الكاتب في كتاباته والرسام في رسوماته والفنان في فنونه بقدر مايستمتع بأدائه إلا أن النفس البشرية في الجهة الأخرى تحتاج إلى هذا النوع من التحفيز والتشجيع، انعدام ذلك يولد خيبة أمل حتمية قد لا يستشعرها في لحظتها ولكنها سلسلة من التراكمات والتساؤلات المطروحة حيث لا إجابة.
الإحباط الفعلي لا يكمن فقط في عدم تقدير العمل وإنما من انتشار أعمال أخرى ساذجة تصف بالدونية ولكنها تنتشر وتتداول من جمهور سذج وعقلية أكثر سذاجة من العمل الساذج.


أستطيع الآن أن أكتب كما أشاء واصفا كتاباتي بأنها جيدة نسبيا ولا ترتقي إلى كتابات تولويستوي أو إحسان عبدالقدوس أو أي عبقري آخر، وعلى الرغم من ذلك تنتابني حالة الرضاء الشكلي من تقييمي لنفسي دون أن أعود إلى أحد، ويأتي التساؤل الأهم : هل يستطيع المبدع أن يقيّم نفسه؟!
ربما الأمر لا يتعلق بجودة الكتابة بقدر مايتعلق بكيفية تسويق الكاتب لنفسه، بمعنى آخر ماهي الوسائل المتاحة لنشر الكتابات إلى أكبر عدد من القراء ونيل المديح المصطنع والمجاملات الكذّابة لكتابة ما.

المضحك فعلا هو بأنني مختص لهذا النوع من التسويق الرقمي إلا أنني لا أحبّذ اتّباع هذا النهج الرخيص وإن كانت نتيجته إيجابية دون أدنى شك.

إلى الزائر الجديد المتعطش لروح النص وقدسية الأثر والمؤمن بفلسفة الخلود لما بعد الموت إليك هذه الخاطرة.
وأما المخلصين من الزوار أولائك الذين لا يتجاوزوا أصابع اليد الواحدة .. كنتم سعادتي المطلقة؛ أحبكم كثيرا.

الثلاثاء، 21 يناير 2020

ليلة مختلفة

كانت ليلة غير اعتيادية لسكان الأرض أجمع.
اتفقت البشرية وقتها أن تعلن الهدنة للخلافات الشائكة والحروب الأهلية والنزاعات السياسية والتدخلات العسكرية وكل حدث يعكر صفو تلك الليلة وهذا مختص بالجماعات أي- الحكومات، وفيما يختص بالأفراد فلا ينبغي في ليلتها أن تثار فتنة محتملة أو نشوب اختلاف عقيم لا يفضي إلى شيء.
ليلة يفرق فيها كل فعل حكيم، وكان فعلي محبطا.

كانت الساعة تشارف على انتصاب عقارب الساعة إلى الثانية عشر تماما، معلنة بقدوم رأس سنة ميلادية جديدة حيث الجميع على أفضل حال.
الناس فيها على ثلاثة أصناف : مابين مهنئ أو مستقبل تهنئة أو لا يعنيه الأمر مطلقا ويلعن في سره كل مباهج الحياة وهذا ديدني مع عيد الكفار!

استقبلت رسالة خطية بداخل ظرف محكم وله رائحة مميزة أقرب إلى بودرة الأطفال وقد كتبت بخط متعرج :
"أشعر بغربة موحشة، بوطن ضائع كنت قد استوطنته. لم أفهمك جيدا، أعتذر لك عن كل شيء.. سامحني كما تفعل دوما. أشتاق إليك كثيرا وأعدك بأني سأكون كما تريد أن أكون.. أنا ملكك فلتعاقبني كيفما أردت"
لم يكن الأمر يستدعي نباهة عالية حتى أعرف مرسلها ليس من محتواها وإنما من رائحة الأطفال.
كان ردي بسيطا جدا وكأن الكلمات قد فقدت طريقها إليك : انتهى كل شيء يا نونتي!

لم تنتهي الحكاية هنا..
لا تعلمين ما أصابني بعد تلك الليلة وتلك الرسالة.
فقدت بوصلة الحياة منذ أن بعدت عنك.
أصبت بإعياء شديد حينها طرحتني في الفراش كجثة هامدة.
شعرت بالتبلد، كل شيء يدعو للبؤس.
وددت أن أكتب لك عن لوعة اشتياقي لك، لهفة الذكريات والحنين إلى تفاصيلنا الساذجة التي لا تنتهي.
هل تذكرين ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه إلى إحدى الفنادق الراقية لتناول طعام العشاء؟
صادفنا عرسا جماعيا مبهرا والكل كانوا فيه سعداء بما فيهم نحن.
رقصنا فيه حد الثمالة.. رقصنا على أنغام thinking out loud
لم نكن ننتمي إلى فئة الحضور وإنما جرى الاحتفاء بنا من ضمن الأزواج.

مازلت أذكر أول قبلة خاطفة زرعتها على خدك عندما تصادفنا في إحدى المجمعات التجارية المكتظة بالمراهقين والعشاق!
كنت متوجسة مني لسبب لا أعلمه، من أن نجتمع بمعزل عن الآخرين وجرى اختيارك حيث يوجد الازدحام ونلت مبتغاي!

ليلة ليست كسائر الليالي.. ليلة رأس سنة ميلادية موجعة.