الجمعة، 26 أغسطس 2022

مشروع مقاومة

كنتُ في إحدى اللقاءات حاضراً لكن بصمت.
كنتُ قد عزمت على المشاركة لكن أبيت في آخر لحظة.
كان الحديث يتناول عن سبب تفاقم حالات الطلاق.
هذا كان عنوان اللقاء.

بدأ أحد الحضور كلامه بإحصاءات: عدد حالات الطلاق في السعودية لعام 2010 بلغت 9233 حالة بينما في عام 2022 ارتفعت بنسبة 60% وتجاوزت عدد الحالات لتصبح 7 حالات طلاق لكل ساعة! أو مقابل كل 10 حالات زواج 3 حالات طلاق!
هذه الأرقام تبدو مخيفة لمن يرغب بالزواج، مرعبة لمن ينوي أن يستقر ويؤسس أسرة.
وأخذ اللقاء يأخذ مساراً جدلياً ما بين مؤيد ومعارض.
والجميع دون مبالغة، ارتدوا قبعة الحكيم وأخذوا يدلون بدلوهم وكأن الحكمة وحدها تخرج من فيهم.
وباعتقادي الأمر أسهل من هذا كله!
من منطلق الشرع والعقل.

الزواج هو ميثاق غليظ لفردين، وارتباط لأسرتين بالتعبير العام.
وكلا الزوج والزوجة هما حصيلة بيئة متغيرة ومختلفة.
ومدى إيجاد الأرضيات المشتركة بينهما تستند على تراكمات تربوية ونفسية وخبرات حياتية وليس من الحكمة أن يمارس أحدهما سلطة أو قوة بهدف التغيير.
محاولات التغيير تتطلّب وقت.
تحتاج إلى صبر.
إلى فهم الآخر من زاوية مختلفة تماماً عن زاوية تفكيره.
عن الوعي الذي يساعدنا على الصراحة والبوح عمّا في أعماقنا.
عن الوضوح التام دون خجل أو ارتياب.
عن الطمأنينة التي تشعرنا بالراحة عند طلب المساعدة في التغيير إلى الأفضل؛ في محاولة صريحة لتفكيك العقد والمشاكل بالاستماع والاحتواء، في المحاولة الأولى والمحاولات المتكررة بأساليب مختلفة.
التغيير يتم بناء على رغبة داخلية، على حس بالمسؤولية، على حب ناتج بتنازلات منطقية لكن الأهم من هذا كله هو الأساس وهو التربية.

إحدى الحِكم التي نُشرت عن باب العلم عن الحكيم علي بن أبي طالب رضي الله عنه مقولته: "لا تربوا أبناءكم على زمانكم فقد ولدوا لزمان غير زمانكم" فالتربية تخضع لمعيارين اثنين: ثابت ومتغيّر؛ فأما الثابت فهو القيم الأصيلة والأخلاق النبوية، وأما المتغير فهو آلية التفاعل مع مقتضيات العصر والزمان وعبر الممارسات السلوكية والمناهج التربوية ولا يمكن بمطلق الأحوال تربية الأبناء اليوم بنفس تربية الأمس، ولذلك وضع سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام معيار مفاضلة في الاختيار: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" والدين هنا هي المظلة الشاملة للتربية والأخلاق.

في ربع المنجيات من كتاب إحياء علوم الدين يقول حجة الإسلام أبي حامد الغزالي وفي الخبر إن لكل أمة عجلاً وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم. وهذا هو واقع اليوم والمستقبل إذ نعيش أبشع مراحل الرأسمالية وبها تتغير الأنفس والأخلاق والناس متفاوتة ما بين الثراء والفقر؛ ونمط المعيشة بدلاً من أن تستقيم على الفرد الواحد وهو الزوج في حين أن الزوجة تمارس وظيفتها في البيت والتربية تغيّرت الظروف وتوزّعت المسؤوليات على الزوج والزوجة في لقمة العيش ومهام البيت، وبدلاً من أن تكون المهام الخارجية مقتصرة على الزوج والمهام الداخلية على الزوجة أصبح كلاهما مسؤولان عن المهام الداخلية والخارجية ضمن بيئة عمل محترمة، محتوية للموهبة يستطيع فيها الإنسان أن يعمل بنفسية جيدة وبإبداع؛ وكل هذا في سبيل أن تحيا الأسرة حياة كريمة متعففة، وتضمن الحد الأدنى من جودة الحياة للأسرة والأطفال.

اختيار الزيجة ما هي إلا أقدار من الله دون أدنى شك ضمن مفهوم القسمة والنصيب.
ويبقى الاختيار هو فعل نابع من وعي وقرار.
والإنسان بطبيعة الحال: "مخيّر فيما يعلم، مسيّر فيما يجهل" ومن منطلق المفاضلة والتنازلات تستقيم الأولويات شريطة أن تكون مبنية على قناعة وحب وإدراك.
راهنوا دوماً على التربية.
من تعتقدون بأن الآخر هو شريك حياة.
الشريك القادر على تقدير الأولويات وتقديم التضحيات.
لمشروع حياة زوجية سعيدة؛ لمشروع مقاومة ضد الفتن والحرام والإلحاد.
فلا المال يدوم ولا الجمال يبقى.
واطلبوا العون أولاً وآخراً من الله.

الأربعاء، 27 يوليو 2022

في رثاء المربي المشهور

هي اللحظة الصعبة التي أفعل فيها كل شيء لا إرادياً.
أترك ما بيدي، أختلي بنفسي، أحبس دموعي وأبحث عن صفحة فارغة لكتابة هذه السطور؛ حال سماعي لنبأ وفاته.
رحل علم الأمة.
شيخها وكبيرها.
معلمها ومربيها.
رحل الحبيب أبوبكر العدني بن علي المشهور.

أعود بالذاكرة إلى العام 2017 لشهر نوفمبر وحسب. لا أذكر اليوم بالضبط.
عندما أخبرني عبر رسول له بأنه يود لقائي في منزله العامر بجدة.
لم أزره من قبل.
كنت لا أعرفه حق المعرفة؛ عدا مؤلفاته التي قرأت بعضها.
حجز لي تذكرة لأسافر بها جواً من الدمام، اختصاراً للوقت وتقليلاً للجهد والتعب.

ما إن وصلت بيته إلا واستقبلني استقبال الأب لابنه، استقبال المريد لتلميذه النجيب.
وما أنا بالنجيب و لا النبيه دون توفيق الله ثم مباركته.
لم تكن مجرّد مباركة فحسب.
احتوى الطاقة الخفية التي لم أعلم عنها.
حفّز الإبداع الذي بداخلي.
كان ملهماً، صبوراً ومربياً للأفكار الكثيرة؛ قبيحها قبل حسنها.
أعاد توظيفها مجدداً.
بالحجة السليمة والمنطق الواعي.
أجاب على تساؤلاتي بابتسامة، تحمّل تمّردي نحو المسلّمات.
لم يسأم، لم يمل.
انطلقنا نتحدث عن المفاهيم الشيوعية، الأفكار الاشتراكية، العلمانية ...
ودورنا كمسلمين بل كمدرسة تنتمي للمدرسة الباعلوية من ضرورة التأليف والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقبل أن أرحل حتى أهداني عباءته، ورسالة وظرف.
فأما العباءة فلازلت أحتفظ برائحتها كما استلمتها تماماً.

وأما الرسالة فكتب فيها بخط يده:
بين الهوى والهوية             قرأت عين القضيّة
وجدت نفسي وذاتي            بين السطور النديّة
قد أولدت من جديد             وعياً وذوقاً  ونيّة
أسدي إليها منها                خلاصة فدعقيّة
مجدداً ومضيفاً                 قلائداً معرفيّة
عندي شعور عميق           براحة معنويّة
تشير أنا سنمضي             على الطريق سويّة
لخدمة الدين حقاً               ومنهج العلويّة
نضفي على الوعي روحاً    يحي الفروع السنيّة
والعصر عصر حريّ        بهمة هاشميّة
تبني جدار المعالي            برؤية عالميّة
جوزيت خيراً عميماً            وجزت أعلى مزيّة
(بين الهوى والهويّة) هو اجتهاد لمؤلف كنت قد شاركته إياه يتحدث عن عادات وتحديّات وممارسات السادة الباعلويّة بين الماضي والحاضر.

وأما الظرف فكان بداخله المال.
المال الذي شجّعني على استثمار نفسي وعقلي.
 لم تكن تلك الزيارة الأولى ولا الأخيرة.
لحقها فيما بعد عدة لقاءات وزيارات واتصالات.
ولم أكن أنا هذا الشخص اليوم مما حباني الله به من فضائل ومميزات دون معيّة مباركته واحتوائه ودعواته.

رحم الله العِلم العَلم الشيخ المربي أبي بكر المشهور وأسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والأولياء والصالحين.
ونفعنا به في دار الدنيا والآخرة.

الاثنين، 25 يوليو 2022

استراحة محارب

 كان عالمه يتمحور حول نفسه.
لم يكن أنانياً، وإن فهمت العبارة من هذا المنطلق.
ليس لديه أصدقاء، بل زملاء.
لديه أفكاره الخاصة؛ حسنها وقبيحها.
كان يتمتع بتعلّم الأشياء الجديدة.
يستمتع بالمعلومات الحصرية التي تثري عقله وتنير زاوية تفكيره.
معلومات ذات أهمية وأثر، وليست التقليدية أو المعتادة.
كما لديه ذلك الغموض المثير.
من الإنصات بنوعيه: الحكيم أو المفتعل.
هذا النمط من الحياة ولّد لديه الروتين اليومي الكئيب.
عند الجميع إلا هو.

يرتبط بفتاة.
تكون هي أحلامه.
تملأ الفراغ الذي بداخله.
تتغيّر حياته وروتينه.
وتصبح هي كل شيء.
العالم الذي يتمحور حولها ونفسه.

على الرغم من الصفات النبيلة التي يمتلكها.
الصفات التي يحلمن بها الفتيات.
التفهم، الكرم والاحتواء.
والكتابة.
إلا أنه كان ساذجاً بطريقة تستدعي الغرابة.
على الرغم من ذكائه في تحليل الأمور، تلك التي تبنى على معطيات واضحة أو فرضيات غير مثبتة.
 إلا أنه كان جاهلاً في طريقة تعامله مع النساء.
استند على المنطق.
مع الكائنات اللطيفة، الخفيفة والعاطفية.
حتى فقدها في نهاية المطاف.

كتب إليها رسالة.
لم تكن إلكترونية بل خطّها بخطّ اليد.
سأل فيها بعجب:
ما الذي دفعك للرحيل؟
ما الذي قصّرت فيه معك؟
أ لم تكوني عالمي الذي أتمحور فيه؟
وأسئلة كثيرة سئلت بغضب.
 
حتى جاء جوابها في صفحة واحدة.
الصفحة ذات المقاس الملائم لحجم الطابعة.
وكتبت:
حاولت، ولكن الحمل كبير ولم أستطع تحمّله.
ليتك وعيت بأن لكلٍ منّا مساحته الخاصة.
عجزت أن أكون المحور الذي يتشّكل به عالمك.
خسرت الكثير؛ آمل بأن لا أخسرك.
كانت مختصرة لكن مباشرة.
ثم أرادت أن تأخذ طابعه في الرسالة.
في الحقيقة أرادت أن تستمر هذه المراسلات:
ما رأيك لو كان غيابي ما هو إلا استراحة محارب؟!
استراحة نعيد فيها بناء أنفسنا، أولوياتنا ونجدد فيه الحب؟! 

وكان لها ما أرادت..

الأربعاء، 20 يوليو 2022

الثلاثيني العقلاني

 اليوم..
أنا في الثانية والثلاثين من العمر.
أكتب كل تاريخ 20 يوليو من السنة الكاملة.
أقرب ما تكون إلى عادة سنوية في يوم الميلاد.
عدا أن هذه المرة ليست كمثلها من السنوات الماضية.
سابقاً - أي السنة قبل الماضية - كان الأمر يستدعي معه الكتابة البائسة واجتذاب الأفكار اليائسة.
بطبيعة الحال؛ نتيجة عدم تحقيق الأهداف التي عزمت على تحقيقها في تلك السنة.

هذه السنة مختلفة.
وأقصد بها الهجرية.
فهي تبدو أكثر اختلافاً.
أشد وهجاً. طمأنينة وسكينة.
من الناحية العملية في بدايتها والزوجية في آخرها.

اليوم..
بقاموسي تتغيّر فيه ضمائر اللغة.
كنتُ "أنا" في معظم الوقت، جميع الأيام.
أما الآن، فلا أجد متسع لضمير المفرد "أنا"
ضمير "نحن" هو السائد فقط.

ارتبطتُ بأنقى قلب وأطيب روح.
هاشمية. تحمل جينات أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم)
تتمتع بخصوصيتهم من الطباع والتربية.
كثيرة الحياء ومدركة لخصائص علم النفس.
هي أنثى النفس والعقل.

أجد نفسي مضطراً بعد كل هذه السنوات بأن أبوح بأمر مهم عبر قراءاتي البسيطة واستماعي لتجارب الآخرين ساهمت بخلق هذه القناعة.
لا وجود لقطار العلاقات.
لا وجود لمعنى تأخر الوقت.
ولو على سبيل التعبير المجازي.
هي أقدار يسوقها الله لنا من حيث جودة العلاقة.
هو توفيق إلهي ثم حسن اختيار.
الوعي في ترتيب الأولويات.
الرهان دائماً على التربية والأخلاق النبوية.

أنت لا تعلم متى يحين ذلك اليوم.
لكن يجب في حينها أن تتعلم فضيلة الصبر.
أن تصبر بحكمة عالية.
ألا تمتعض، ولا تعترض.
أن تثق بحسن اختيارات الله لك.
وقتها ستكافئ مكافأة لن تجد أفضل منها أبداً.

أخيراً..
وهنا أتكلم من واقع تجربة حقيقة وأحداث مستمرة حدثت لي.
متى ما تيسّرت الإجراءات ولو كان في ظاهرها العسر والمشقة؛ فهي إشارة قدر بالتوفيق.
بالتسهيل.
بحصول السعادة والبركة.
وينبغي أن تعاهد الله بدايةً ثم الشهود:
على الإخلاص.
على حسن العشرة.
على الالتزام بخارطة طريق للدنيا والآخرة.

السبت، 16 يوليو 2022

الحاجة للحب

أكتب لنفسي رسالة.
أعتقد بأنها من ضمن أصدق الرسائل التي أكتبها لنفسي منذ فترة طويلة.
عن مشاعري التي فقدت بريقها، وهجي الذي اعتدته.
تألقي مع تحديات الحياة والتفاعل مع ظروفها.
أصبحت أكثر انعزالاً، انزواءً عن الآخرين.
أكثر خوفاً لاتخاذ قرارات شجاعة.
حتى اهتماماتي أصبحت أكثر بلادة.
لم أعد اقرأ بنهم.
لم أعد أكتب بحب.
أنا فعلاً افتقد الحب.

شاهدتُ بالأمس.
فيلماً تركياً ذو رسالة هادفة لكنه أيضاً كوميدياً من الدرجة الأولى.
عن (عزيز) الأعرج، غير القادرعلى تحمل مسؤوليته بنفسه.
وهو يرى أخوانه الخمسة يتزوجون واحداً تلو الآخر، والمفارقة العجيبة بأن فتيات القرية ولابد وأن يكون بهما عيب ما.
عيب ظاهر بطبيعة الحال.
أحدهما حولاء، الأخرى بأسنان معطوبة وهكذا..
عزيز في نهاية المطاف يرتبط بفتاة من قرية أخرى.
فتاة يحلم بها أخوانه الخمسة.
ويحدث أن تحصل تلك المنابزات، المضايقات من أخوانه والزوجات نتيجة الغيرة. فبدلاً من أن تحدث بينهما المشاكل. اضطرا للرحيل عن القرية.
تركا كل شيئاً خلفهما ورحلا.
بعد 7 سنوات.
يعود عزيز ومعه طفل وطفلة وزوجته الجميلة الصابرة.
يعود عزيز بحلّة جديدة، وبشكل آخر.
عزيز غير عاجز كما كان في السابق.
وينتهي الفيلم بنهاية سعيدة، وعبارة أصيلة.
يسأله أهل القرية: هل أجريت عملية جراحية؟
ويجيب: لا. لقد وقعت في حب زوجتي!
بالمناسبة أحداث هذه القصة حقيقية.

أفكّر الآن بعد أن هدأت ثورة أفكاري.
بأن الحب بطريقة مباشرة ينتشلنا من شخصياتنا المظلمة.
يعزّز فينا الثقة.
ينير لنا الطريق، والحياة.
مهما بدت معالم الحب غير متقينة.
من التردد عن كلمة أحبك وأثرها على النفس والجسد.
إلى الاعتيادـ.
إلى اليوم الناقص دون أن نسمعها فضلاً عن أن نعيشها.
قد تبدو هذه النظرة أقرب إلى العودة لمرحلة المراهقة؛ مرحلة أن نتعاطى الحب ثم نكتفي عند القدر المعين من الإشباع العاطفي.

الحب واحد.
من الطفولة إلى الشيخوخة.
والحب ضرورة في مطلق الأحوال وجميع المراحل عدا أن الفرق عند الإنسان الواعي هو في آلية التعبير عن الحب.
في الذكاء الذي نمارسه أثناء تداولنا للحب بما يتناسب مع احتياجنا له وملائمته مع الحبيب.
من القبلة للاحتضان.
من مهارة الانتقال للسمع العابر إلى الاستماع المحب.
في النظرات الصامتة؛ الحب بلغة العين.
في الحب لا قيود:
كل مبادرة طيبة هو تعبير للحب.
كل تنازل مبني عن طيب خاطر هو تعبير آخر للحب.
التعبيرات كثيرة.
التعبيرات لا تنتهي.
الحب حاجة واحتياج لا يتأتى العيش دونه.

الخميس، 14 يوليو 2022

أنا في صف الكتابة

أنا مبدع لكن مضطرب.
لا أستطيع الجزم بأنها ضريبة الإبداع أو نتيجة ذكائي اللغوي.
أو بسبب التفرّد بهذه الميزة.
ولكني غير مطمئن في معظم الأوقات.
مثل ما أشعر به الآن.
شعور يجتاحني للكتابة السلبية.
الكتابة السوداوية.
الكتابة التي أقولها للعامة دون الخاصة.

أنا مبدع لكن مضطرب.
لا أستطيع الجزم بأنها ضريبة الإبداع أو نتيجة ذكائي اللغوي.
أو بسبب التفرّد بهذه الميزة.
ولكني غير مطمئن في معظم الأوقات.
مثل ما أشعر به الآن.
شعور يجتاحني للكتابة السلبية؛ الكتابة السوداوية.
الكتابة التي أقولها للعامة دون الخاصة.

حديث النفس.
ما لا أقوله للآخرين.
المقربين فضلاً عن البعيدين.
هل لاحظت أيها القارئ النبيه الفرق بعد؟
 بالفرق الشاسع بين الكتابة والإخبار؟
في الكتابة..
نحن الكتّاب نتعرّى بالضرورة بعكس القول والإخبار الذي نحاول فيه أن نبدو أذكياء.
لذلك أنا من مرتادي مدرسة الكتابة؛ التعبير والتعري عن المشاعر فيهما متساويان.
الذكاء والغباء واحد ولا فرق بينهما.
يكفي أن تكتب ولا تتحدث.
وإن رغبت بالحديث فراعي الآتي:
من الكلمات ما يجب ألا تقال.
من المشاعر يجب أن تُكبت بداخل الفؤاد؛ لا تحتاج إلا الإفصاح.
حيث الصمت في هذا الزمان هو العنوان.
عنوانه الحكمة، الرزانة والرصانة.
الغموض والكثير من الحب ليس لأجل الحب بل نتيجة تفادي الأخطاء.

لذلك أنا في صف الكتابة.
أنا مع هؤلاء المبدعين الذين ينزوون لوحدهم للتعبير عن دواخلهم بأريحية مطلقة.
مع الصامتين الذين يعيدون رسم الحياة بطريقة مبدعة.
غير مكررة.
لتجاوز الخطر، الملل وتفادي العلل.

كتبتُ على ورقة مقصوصة باللون الأصفر.
كتبتُ بالخط العريض عبارتين؛ كانت تذكراني بماهيتي دائماً.
بشخصيتي الحقيقية.
بقناعي الشفاف؛ دون تصنّع، مبالغة وتزلّف.
كتبت:
هي حياة أولية، لا نهائية.
كن كعابر سبيل ولا تخشى تجارب الحياة.

هوى ومزاجية

 مزاجي الآن يحمل من السوداوية الشيء الكثير.
مثل غيمة مشبعة بالهموم.
بالغموم.
لا أفعل شيء بتاتاً سوى الانتظار.
بأقل الأضرار.

أشعر بأني ضائع.
وكأني بذلك قد فقدت جهاز البوصلة؛ خارطة الطريق.
هذا الضياع هو التوه والتيهان والتيه في آن واحد.
ليتني أدرك نفسي قبل فوات الآوان.

يقول نيتشه:
"الأفعال السيئة تأتي من دافع غريزة البقاء.
والحفاظ على الذات وبعبارة أخرى:
في البحث عن اللذة وتفادي الألم"
لا أرغب أن أحذو هذا الطريق من الشر.
لا أحبّذ فكرة أن أكون شريراً في الحياة الشريرة.
ربما أفضّل أن أعيش كحيوان مسالم على أن أعيش كفاسد بليد.
وما نحن في الأصل إلا حيوانات.
تحكمنا الشهوة.

يتعارض عقلي كثيراً بين الحينة والأخرى.
بنفس مقدار الصراع بين الروح المطمئنة والأمارة.
أ مؤشر هو على عاطفيتي الطاغية؟!
أو ربما على ضعف في أدوات التحليل واستراتيجيات المعرفة؟!
كلاهما في الأمر سيان.
تحمل نفس النتيجة.
هوى ومزاجية.

الخميس، 30 يونيو 2022

لست بماء

يتفرّد الشاعر أحمد مطر ضمن أحد قصائده يقول فيها:
وضعوني في إناء
ثم قالوا لي: تأقلم
وأنا لست بماء
أنا من طين السماء
وإذا ضاق إنائي بنموّي ..
يتحطّم!

هي صعوبة التأقلم.
هي لعنة التكيّف مع الواقع والمعطيات.

في نفس السياق يعبّر درويش فكرته أو يبرّر وجهة نظره لمأزق التأقلم بقصيدته "لا شيء يعجبني"
والتي تجد امتعاض المسافرين؛ جميعهم دون استثناء.
حتى يختم القصيدة أحدهم:
أما انا فأقول
:
أنزلني هنا (المحطة) أنا مثلهم لا شيء يعجبني
ولكن تعبت من السفر..

يريد درويش بعد طول تأمّل أن يصل إلى قناعة بأن الكل يائس، بائس من كل شيء ولكنك في نهاية المطاف ستجد نفسك لا محالة قد تعبت فتأقلم.

الأمر باعتقادي يزداد خطورة مع الوقت.
لا أعني بوجوب التأقلم ولكن في المقاومة الداخلية التي تحدث معك.
هي معركة قائمة على العقل.
هو صراع بسبب الناس والمجتمع.

وغالباً الفكرة التي أجدها مناسبة لك هي بأن تحاول التكيّف مع وحدتك، التأقلم مع ذاتك.
من الآن؛ من هذه اللحظة.
حاول بأن تنظر الأمور من زاوية مختلفة.
هو الشعور الضيّق في بدايته ولكنه الحُرُّ في منتهاه.
بأن تصادق أفكارك على حقيقتها؛ الصالحة والطالحة منهما.
بأن لا تجلد ذاتك، لا تحاربها ولا تصارعها أبداً.
دع الحياة تسير كما هي فحسب؛ لا تقاوم.
فأنت عابر سبيل.
لا تجبر نفسك على التأقلم ولكن جامل أو اجبر الخواطر أو ارحل واكتفي عند هذا الحد.

الاثنين، 27 يونيو 2022

إثراء

 في كل مرة أشاهد الحفل الختامي لمسابقة أقرأ في إثراء إلا أجد نفسي مدفوعاً للكتابة ولكن بغضب. كطفل أراد الانتقام أو ربما التعبير عن نفسه بتعبير أدق.
تشير الساعة الآن إلى الخامسة صباحاً حيث شاهدت البث المعاد للحفل من على منصة اليوتوب، هو حفل بنهاية المطاف يتوّج فيه القرّاء المشاركين وتحتفي بهم عوائلهم أمام لجنة التحكيم، المحبين من الداعمين والحضور إلا أنا حيث أقف موقفاً محايداً مرتدياً قبعة الغبطة لا الحسد، كذلك لا موقف المتفرّج فحسب.

هي تجربة في حقيقة الأمر لم تنجح.
حاولت فعلاً أن أجسّد هذا الدور من القارئ الذكي.
ضمن محاولة مستميتة لنيل الفرصة الأولى من نسخة البرنامج الأولى في عام 2013 ولم أنجح.
على الرغم من عمق التجربة التي خلّدتها في نفسي ولكنها قبعت في داخلي دون أن أعي عدم سبب ترشيحي وأدركت فيما بعد للسبب الخارج عن إرادتي والذي بمجرد معرفته انزاح معه جميع الأوهام ومعظم الأفكار السلبية التي تصرّح بالإخفاق.

كانت تجربتي مع كتاب حياة في الإدارة للدكتور الأديب غازي القصيبي.
كنت ولازلت مفتوناً بهذا الكتاب، مولعاً بهذه الشخصية الاستثنائية.
حاولت باجتهاد أن ألخّص الكتاب بعظيم تجاربه وسيرته الذاتية في اثنتي عشرة صفحة فقط!
اثنتا عشر صفحة من أصل مائتي وثلاثٌ وسبعين صفحة من مجمل الصفحات على ما أعتقد.
لازلت على نفس قناعتي بأن السيرة الذاتية يمكن أن تلّخص بعكس الأعمال الأدبية أو الروائية كما هو الحال مع تعاطينا للحياة الواقعية حيث نقدم سيرتنا الذاتية في صفحات رغم عظم تجاربنا العملية، الصعوبات العلمية، التحديات غير المرئية وقصص النجاح والإخفاقات غير المروية في صفحتين على أكثر تقدير فقط. بينما من الصعوبة أن أجتزئ أحداث رواية عالمية مثل آنا كارنينا لتوليستوي أو اسمي أحمر لأورهان باموق أو حتى لرواية محلية كشقة الحرية لغازي القصيبي وهلم جرا.

هذا الغضب الذي يحدث في كل عام، ومع نهاية كل دورة سنوية لذات المناسبة؛ أشعر كذلك بعظيم الامتنان، بوافر التقدير والاحترام كونها تحفّزني على المضي قدماً، على أن أتقدّم خطوة إلى الأمام مقارنة بنفسي خلال الأعوام السابقة، وهذه الخطوات وإن كانت مبنية على حافز سلبي إلا أنها تساهم في تقديم حلول واضحة للمنافسة مع الذات بشكل أكبر.

شكراً لله.
شكراً لنفسي غير المتصالحة مع إثراء.
شكراً لإثراء.

السبت، 25 يونيو 2022

مبدأ الاستحقاق

 تستهويني الشخصيات القوية، الشخصيات الواثقة والمعتدة بنفسها.
التي لا تسقط سريعاً، ولا تمثّل دور الضحية أبداً.
لا تخضع لفرد، ولا تخنع لمنصب ولا تتملق أحد.
متمركزة بذاتها، منطلقة من دوافع داخلية لا حوافز خارجية، واثقة بنقاط قوتها ولا يعنيها أي رأي آخر.
حالة من تلك النرجسية التي تجسّد معنى الاستحقاق، مبدأ التفرّد والتفوّق على الأقران.

يقال بأن النرجسية هي تسمية من الميثولوجيا الإغريقية.
ونرجسية بطلها هو نرسيس الذي رأى ذات يوم خيال وجهه على صفحة الماء، فهام عشقاً بذاته، واضطربت أحواله، وأرهقه العياء، حتى مات!
ضمن مقال قرأته لصحيفة الإمارات اليوم تقول بأن صدام حسين لم يكن اجتماعياً منذ صغره، وكان صديقه الوحيد حصاناً، وعندما مات الحصان تعرّض صدام حسين إلى شلل في يده استمر لمدة 10 أيام، عجز بعدها عن تكوين صداقات مما ساهم بشخصيته النرجسية وقوته في ترهيب أجهزة الدولة.


أنا مع النرجسية المعززة لمبدأ الاستحقاق، لحب الذات دون التعرّض للغير أو التقليل من شأنهم.
هتلر النازي بطبعه اللامبالي والديكتاتوري بشخصيته احتقر شعوب الأرض اللا-منتمية للعرق الآري؛ تجبّر وطغى في الأرض الفساد نتيجة اضطراب مزاجي وأنانية مقيتة.

ملك ملوك أفريقيا، عميد الحكام العرب، العقيد معمر القذافي رغم ديكتاتوريته إلا أن آخر كلماته كانت: حرام عليكم في استجداء واضح للخاتمة التي نالها.

آدم نومان (مؤسس شركة وي وورك) المؤثر والذي استطاع أن يقنع المستثمرين بالاستثمار معه إلى أن وصلت القيمة السوقية للشركة 47 مليار دولار والتي اعتبرت ثاني أكبر الشركات الناشئة قيمة بعد شركة أوبر.
يراهن
SoftBank ويستثمر مبلغ 6 مليار دولار ضمن أولى جولاته بناء على شخصية نومان وقدرته على الإقناع.
هذه القدرة لم تكن لتكتمل لولا اكتمال الأحجية؛ من خلال تصوراته الداخلية عن نفسه وغروره وتقليده للآخرين مثل ستيف جوبز سواء في اللباس أو المشي حافي القدمين دون حذاء.


إبراهيموفيتش؛ سلطان كرة القدم.
- في لقاء مباشر ومصور يسأل المذيع إبراهيموفيتش بأنه لا يقوم بتمرير الكرة بشكل جيد.
عادةً سيكون الرد التلقائي هو التبرير أو شرح الموقف عدا أن رده كان بأسئلة مباغتة:
هل تعرف كرة القدم أفضل مني؟
هل أنت صحفي أم مصور؟
إذا أنت صحفي، فلماذا تمسك بالكاميرا؟
ثم يختم اللقاء دون أن يسمع الجواب: شكراً لك.

- ضمن أحد تصريحاته يصرّح رايولا وكيل أعمال إبراهيموفيتش وعدد من اللاعبين: "صحيح أنني وكيل أعمال ماريو بالوتيلي، ولكنني أقولها واضحة، لو كان بالوتيلي يمتلك نفس عقلية زلاتان، لكان حقّق على الأقل بما يمتلكه من موهبة 4 كرات ذهبية"

غرور.
نرجسية.
تكبّر.
استعلاء.
هي مفردات تؤدي لنفس الهدف من الاستحقاق ونتيجة ثقة داخلية عالية لا تهتم غالباً بمشاعر الآخرين.
سواء اتفقنا أو اختلفنا ولكن هي شخصيات تعد على الأصابع من حيث إثباتها لكاريزما قوية تجسّد شخصية استثنائية وأما التصنّع فهي حالة من رغبة الوصول إلى تلك الشخصية التي بنيت في العقل اللاواعي ولا ضير ولكن تبقى على ذلك في حال لم تثبت إنها قادرة على التأثير والإقناع. 

الثلاثاء، 21 يونيو 2022

Authenticity

I am used to write an Arabic articles in my own blog for a long time. nothing particulars but that articles who taking about less feelings and much more logic, yet in the end i have to deliver a clear message that be good for the reader.

This time, I have decided to do something unusual to break the ice berg first while writing is my core business!
I’m listening to a Podcast called MO podcast and motivate me to write this down a spontaneous message and not to be that clever writer to show off.
this episode Number 59 with Suha Nowailaty  and they Chet-chat of almost everything in her privet live, career path and so on.
Suah was adorable with her accent and the most character that I have obsessed with is her personality, you know that person who talks without
exaggeration
and you listening her like you are sitting in the living room and no judgmental. Just authentic speech from heart to heart.

Be authentic is probably the keyword by Suha.
escape competition through authenticity, be yourself, don’t ever be copy of someone else. Mo Said

The question is why I am writing this for the moment?
It's not a coincidence for sure, I had an interview recently for a better opportunity and I wasn’t me at all. It was a guy who play a different role just to get it and still waiting if I was good enough or not. I punished myself so hard as a psychology term known as self-flagellation for not being me. Life is always goes on and definitely there’s ups and downs, sometimes works on sometimes not but at least you have an honest impression of you.

To sum up: Never ever try to impress too much, and one more thing i could say give a shit of anyone, being yourself is only the way to give an excellent impression than exaggeration or introduce a fake personal of you.

الاثنين، 20 يونيو 2022

صديقك من صدقك لا صدّقك

يعاتبني أحد الأصدقاء عن أحد خصالي غير الجيدة.
طبعي الأهوج وآلية تعاملي مع الآخرين وفق عاطفتي لا منطقي الواعي.
وهذه معضلة في حقيقة الأمر.
وهو صديق جيد بالمناسبة؛ من ينصحك، من يعاتبك، من يسعى لتصويبك وجعلك شخص أفضل على الدوام، حتى وإن لم يدرك جميع أبعاد المعضلة وتلك المشكلة التي أقبع بها منذ فترة ليست بالبسيطة.
طالما أن يستشعر المسؤولية لإسداء النصيحة فهو صديق مخلص قلّما نجده في هذه الفترة من تسارع الحياة وبناء العلاقات والتخلص منها سريعاً بناءً على المصلحة المترتبة والبحث عن بديل آخر وكأننا بذلك لا نتعامل مع شخصيات لنا حقوق وعلينا واجبات تجاهها بل مجرد أدوات على هيئة كائنات حية متى ما وجدت المنفعة والمصلحة تشبّثنا بها أو نتخلص منها كما نتخلص من أثاث متهالك.

لدي قناعة حتمية بأن معيار الصداقة الحقيقية تبنى على معيار أخروي ودنيوي.
الأخروي ففي قوله تعالى: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين
" وفي الحديث الشريف: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه"
وأما المعيار الدنيوي فهي بالأريحية.
بأن نكون على طبيعتنا دون تكلّف أو تصنّع.
لا نحتاج إلى وضع الاحتمالات أو التفكير بالطريقة التي تجعلنا نبدو أكثر ذكاءً وأقل حماقةً.
هي الصداقة التي نكون فيها في أبهى حالاتنا، بحماقاتنا ورعوناتنا.
ومتى ما اقتضت الحاجة بأن نجد أنفسنا مضطرين للتفكير في المآلات أو أن نرتدي قبعة الحكيم باستمرار فهذا مؤشر يهدد بانتهاء العلاقة – أي كانت مدتها – سنة واحدة أو سنوات عدة.

جميعنا ذاك الشخص الذي يسعى لتجاوز التراكمات القديمة، الاضطرابات التي تخنقه وهو كإنسان في هذه الحياة في حرب ضروس مع نفسه وهواه وشيطانه، سواء صرّح بها أم لم يصرّح.
إيماني التام بأن الصديق الحقيقي هو من يلتمس لك العذر في أسوء ظروفك وأمرّ صراعاتك النفسية؛ بأن تعلم يقيناً بأن الصديق ينبغي أن يتصرف على أقل تقدير من باب الصداقة في التصديق عدا ذلك فأسفي على كل صداقة لا ترعى من الصداقة إلا صفتها. يروى عن باب العلم سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه قولته المشهورة: "صديقك من صدقك لا من صدّقك"

الرهان دوماً ليس على كم عدد الأصدقاء تمتلك بل في جودة تلك الصداقات عندك.
هو توفيق من الله بأن سخّر لك الصديق الذي لا أجد أعمق ولا أصدق من وصف الشافعي عنه:
إذا المـرء لا يرعـاك إلا تكلـفا
فدعـه ولا تكثـر عليـه التأسـفـا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة
وفي القلب صبر للحبيب ولـو جفا
فلا كل مـن تهـواه يهـواك قلبـه
ولا كل من صافيته لـك قـد صفا
إذا لم يكـن صفـو الـوداد طبيعـة
فلا خير فـي ود يجـيء تكلفــــا
ولا خير في خل يخون خليله
ويرميه من بعد المودة بالجفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصـفا

السبت، 18 يونيو 2022

الزواج ولا العزوبية

نشهد الآن صراع فكري محتدم في الأوساط المجتمعية حول أيهما تختار الزواج أم العزوبية؟!
ضمن تساؤل يبدو تهكمياً من حيث الضرورة واستكمال الجزء الآخر من الدين إلى أن عبثية تداول الموضوع في هكذا قرار مهم ومقدس يدعو للحيرة فعلاً.
ولا أدعي التخصص في هذا الشأن أو الزعم بأني فارس في هذا الميدان.
وهو حديث نفس وخاطرة قلب؛ ليس بالضرورة أن تكون ذات مغزى أو فائدة ولكن بالضرورة تشير إلى خطورة في المستقبل من التهاون في العواقب الوخيمة للتفكك العائلي، والترابط المجتمعي والانحلال الأخلاقي للأسرة والمجتمع. 
من جهة اللغط بين الفهم الشرعي والمدني للزواج.
من جهة القوامة وإثبات النفقة على الزوج والخلع والطلاق من الزوجة على أتفه الأسباب.
وبناءً على عشوائية اختيار شريك الحياة دون الأخذ بالاعتبار للمعايير النبوية والمعايير المبنية وفق الظروف الاقتصادية، الاجتماعية والفكرية الحالية، بالتالي فَقُد الزواج قدسيته ودوره السامي في تعزيز الشراكة وتنشئة جيل صالح لهم قيمتهم في المجتمع.

باعتقادي أن أهم معضلة للعزوف عن الزواج هو فقد قوامة الرجل من حيث معياري التفضيل والنفقة.
تمكين المرأة هو أمر لابد منه لكن عودة للشرع فهو يتضمن شروط وأحكام واضحة وأن الخلل الصريح في عمل المرأة دون الرجل لأي سبب كان هو الوقوع في مأزق القوامة التي تقع على الرجل دون المرأة، وأصبحت الندية معيار تفاضل مع تفوّق المرأة وعدم حاجتها للرجل وأصبح الأخير بين سندان الشرع في إثبات القوامة عبر النفقة والاحتفاظ براتبها تحسباً لأي طارئ ومطرقة المنطق في استمرارية القيام بواجباته مع تلمّس العذر لواجباتها من حيث أنها إمرأة عاملة، أنثى منتجة.
لا ضير في عمل المرأة ضمن الاتفاق على ماهو أصلح لهم في توزيع الأدوار ضمن نطاق التكليف سواء في المسؤوليات الخارجية كالنفقة أو المسؤوليات المنزلية والداخلية مثل الطبخ، الترتيب أو التنظيف والتربية.  

العزوبية قد تكون خياراً مثالياً للراغبين بالاستقلالية، العيش وفق نمط حياة حر؛ دون مسؤوليات والكثير من الحرية.
التمتّع بالتنوّع لا التقيّد بشخص، ولاسيما إن توفرت المادة للعيش بجودة عالية بأي الطرق المتاحة!
سمة العزوبية واحدة للذكر والأنثى.
ما جاء عن طريق القناعة والاختيار كالطلاق باتفاق الطرفين وبعد التشاور بخصوص مصلحة الأطفال أو التذاكي بوسائل الخلع والتنعّم بنفقات المخلوع على أمره، وقلت التذاكي لأنها ممارسة انتشرت في الآونة الأخيرة ليستفيد طرف دون الآخر، وأما ما ندر من تلك الحالات لسوء العشرة فهذا يخضع للمثل: آخر الدواء الكي.
أما الخيانة فهي لا تندرج ضمن التصنيف؛ فالخطأ لا يبرر مطلقاً.

يُعنى الزواج بالمقام الأول في حفظ النفس والفرج.
يُبنى على توفير الاحتياجات وتوزيع المسؤوليات.
الأرضيات المشتركة حتماً تساهم في تعزيز المودة والرحمة، في فهم الآخر من جوانب متعددة والالتقاء بمحاور تكمّل الآخر من ناحية جودة الاهتمامات وليس بمجرد التواصل لأجل التواصل وكسر حالة الجمود.
الوعي بين الشريكين يخلق ثقة عالية بينهم، يحقق التناغم والسعادة، يعزز الأهداف المشتركة، يقلل الخلافات وغيرها..

بزعمي أن جودة العلاقة تكمن في حضور الدهشة.
بالفضول المريب الذي يختلج عوالمنا المعتادة.
يحدث غالباً بأن نغوص في دواخلنا ونمارس اهتماماتنا بشكل فردي أو مع من يشاطرنا التفكير، لكن ماذا لو كان هذا الذي يشاطرنا العالم هو شريك الحياة؛ لاسيما عندما يفعله بحب وبرغبة ودون تكلّف؟!
ما حجم الفائدة التي سأجنيها عندما أتعلّم أساسيات المكياج؟ أو الفرق بين مصممي الأزياء إيلي صعب أو زهير مراد وهم رجال برزوا في هذا الجانب أكثر من النساء أنفسهم؟!
ماذا عن طريقة طبخ اللازانيا الإيطالية أو طبخة شعبية؟
على الجانب الآخر ..
ماذا لو تحدثت عن دي بوفوار الناشطة الاجتماعية وزوجها العدمي سارتر؟
لعنة الحداثة والدولة الحديثة وتأصيلها للماديات والرأسمالية؟
هذه سيل من فيض من الأمثلة وهلمّ جراً ..  

يتحدث الفيزيائي الحالم ستيفن هويكنج الذي أخبره الأطباء بعد إجرائه الفحوصات الطبية إثر مرضه بتصلب 
الجانب الضموري بأنه سيعيش سنتين، بل ثلاث إلى حد أقصى!
عدا أن ما جعله عظيماً، مساعداً لبقائه على قيد الإبداع لا الحياة والذي انتشله من الهم الذي وقع فيه
هو حب جين وايلد الأكاديمية والكاتبة التي أحبته رغم مرضه؛ أحبته لضحكته العريضة، عيناه الرماديتان الغريبتان وحس دعابته.
تقول عنه: قررت أن أنصف قلباً لمحت عيناه في حفل رقص في أكسفورد!
يقول عنها: كانت سبباً أعيش من أجله
.
كيف لفتاة تمتلك من الطموح أعلاه ومن القدرات أفضلها لنيل أعلى المراتب ومع ذلك تؤخر نجاحاتها عبر الارتباط بفتى مريض؟!

الزواج واجب للفرد الواعي.
ويجب أن يختار أحدهما شريك حياته بعناية فائقة.
لأن المنطق في هذه الحالة؛ أن تتأخر خير لك من استحضار الندم مستقبلاً.
والله الموفق عاجلاً أو آجلاً طالما وجدت النية والسعي.
وكما ورد في الحديث: "ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عزَّ وجلَّ عونُهم؛ والنَّاكحُ الذي يريدُ العفافَ
"

الجمعة، 17 يونيو 2022

احتساب الصبر

 أشعر بأن الأمور أصبحت لا تسير ضمن الخطة التي عزمت السير عليها عبر خارطة الطريق الواضحة.
هي بطبيعة الحال أقدار الله في التيسير أو التعسير.
ولكن ما أخشاه هو بأن أفقد عزيمتي وصبري.
بأن أصبح متخاذلاً إلى تلك الدرجة من التبلّد.
كردة فعل غير واعية وغير حكيمة.
أشعر بأني منهك فعلاً، وكأن الحلول التي أمامي قد نفدت.

أنا واقع ضمن مأزق الإصرار والعزيمة بهدف تحقيقه وبين التقاعس والتوقف.
أميل كثيراً إلى البحث عن حلول أخرى.
عن اقتراحات بديلة لعلها تكون الأكثر خيرة من تلك التي أنوي الوصول إليها.
الأمور لا تسير بصفي هذه المرة.
استخرت الله بطبيعة الحال، ولم استشر أحداً.
فعلت ذلك مراراً – أي فعل الاستشارة – ولم أصبو على شيء سوى حلول مستهلكة سبق أن فكرت بها ولكن الجميع ينصح، الكل يرتدي قبعة الحكيم ويرى الأمر من زاوية نظره لا بالنظرة الكلية وفقاً لمعطياتي وظروفي الراهنة.

الأمر مرهق بالنسبة لي.
إلى الحد الذي يصيبني باكتئاب مزمن.
لا أستطيع أن أتخذ قراراً مصيرياً سوى أن أصبر أكثر.
وفي نفس الوقت؛ بأن أبحث عن حلول أخرى لإرضاء الضمير فحسب.
لأن تكون حجتي أمام الله في بذلي الأسباب ضمن ما هو متاح لي من الخيارات.
أتمنى ألا أسقط.
ألا أسأم.
ألا اعترض فأكون من خاسري الدنيا والآخرة.

يارب فألهمني التوفيق والخيرة.
فأنا عاجز.

الثلاثاء، 22 مارس 2022

يوم أن تزوجت الفتى الهاشمي

 يذكر الدكتور محمد عبده يماني غفر الله له وأسكنه جنّات النعيم في كتابه العظيم (علّموا أولادكم حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم) قصّة زواج أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين السيدة خديجة بن خويلد رضي الله عنها وأرضاها، حيث تجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب الشريف في قصي من جهة أبيها، وفي لؤي من جهة أمها؛ فهي قرشية أباً وأماً.

فخديجة بنت خويلد كريمة الأصل، شريفة المنبت، نبيلة الفعال، طيبة المعشر ذات رأي سديد، وفعل حميد، وعمل مجيد رضي الله عنها وأرضاها. فقد تأيّمت بعد زواجها الثاني وعاشت عقيلة قريش وأشرف نساء مكة تتطلع إليها نفوس السادة، وسادة القبائل، وتخطب ودها العظماء والكبراء الأمجاد ولكنها رغبت عنهم وتخلّت عن اتخاذ الزوج إلى إدارة مالها الوافر، وتجارتها الواسعة ورعاية أسرتها.

حتى سمعت بحديث عطر عن فتى كريم أمين من بني عبدالمطلب؛ سمح سهل مشغول بنفسه عن الناس. له جاه وهيبة، وعليه وقار وحشمة، يحفه التواضع، وتظهر عليه سمات الرفعة والجاه على قلة ماله ورقة حاله، كان أميناً جواداً حسن الطلعة، سمح المحيا، يألف الناس ويألفونه، ويحبهم ويحبونه، كان على شبابه لا يخالط اللاهين ولا يشارك العابثين. يتكلم نزراً وينطق فصلاً ولا يقول هجراً ولا لغواً.

وتهيأت تجارة خديجة لرحلة تاريخية تقصد البصرة، وقد ذُكر غير مجهول – محمد بن عبدالله الهاشمي – ليقوم في تجارتها فأثنت ورحّبت ووعدت وأضعفت، وأرسلت معه مولاها ميسرة خادماً ومعيناً، وتمضي أيام الرحلة وكل يوم يرى ميسرة عجباً من صدقه وبره، وأمانته وكرامته، ويشهد الأعاجيب من بركة يده في المطاعم والمشارب؛ فهو لا يحلف باللات والعزى كما يحلفون، بل ولا يحلف في بيع ولا شراء حتى يروج تجارته، وكم رأى من التجار قبله من لجاجة وحلف وهو سمح في بيعه وشرائه واقتضائه.
حتى ذلك اليوم الذي عادت القافلة إلى مقرها وسبق ميسرة إلى مولاته يقول ما عنده ويحدّث بما رأى وما سمع وعن الربح والمال والرحلة وعجائبها ولكن قلب خديجة وعينها الساهمة لا تجد في وجدانها ولا لمحاتها إلا شخص محمد.

وكانت خديجة تتحرج مما كانت عليه قريش وقبائل العرب من عبادة الأصنام والأوثان، التي عرفت من ابن عمها ورقة بن نوفل أنها لا تضر ولا تنفع، وأنها تخالف ما في الحنيفية الأولى التي كان عليها إبراهيم وإسماعيل عليها السلام؛ وها هي ذي ترى أمامها محمداً الأمين الذي شغل أندية مكة بخلقه وصدقه وعظيم سجاياه، فهو لا يسجد لصنم ولا يتقرب إلى وثن، ولا يشاركهم في إثم ولا يعاقر الخمر ولا يقارف مجوناً أو عبثاً.

وتمر الأيام بطيئة ثقيلة، وخديجة في تساؤلاتها الملحة، وآمالها الباسمة، فلقد ساقت الأقدار إليها أعظم الرجال، وهي أشد ما تكون حاجة إلى الأنيس بعد سنوات من التأيم، والعيش بلا زوج تسكن إليه، وتجد في الحامي والنصير والمعين ولكن كيف السبيل إلى الظفر بهذا الزوج الكريم، وماذا تفعل، وماذا تقول، ولمن تبوح بسرها الذي تكتمه عن كل إنسان!
وتلمح صديقتها نفيسة بنت منية شرودها وحيرتها ما تخفيه من أمر نفسها فتسألها عما يدور في أعماقها؛ وتحرجت خديجة أول الأمر أن تفصح عن خواطرها وراجعتها نفيسة في إلحاح ودود حتى دار الحديث حول محمد بن عبدالله عن سبب عزوفه عن الزواج!
فتقول نفيسة: أويرضيك أن يتقدم إليك محمد بن عبدالله خاطباً؟ فتسكت خديجة، ولكنه صمت أبلغ من الكلام فقد تكلمت حمرة الحياء في محياها تعبر عن أمنيتها الغالية وتقول نفيسة: يا ابنة العم سيكون لك ما تريدين!
 
وتنطلق نفيسة تطلب محمداً فوجدته ثم سألته عن انصرافه عن الزواج وهو زين شباب مكة وابن سادتها الأمجاد من آل هاشم، ويجبيها الفتى الكريم: ما عندي ما أتزوج به. فتقول له نفيسة: فإذا كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والشرف؟ فتقول له: هي خديجة بنت خويلد سيدة نساء قريش؛ خديجة الشريفة التي عمل في تجارتها وعرف نبلها وفضلها وتطلّع الكبراء من قريش إلى اتخاذها زوجة وردها لهم ثم تعرض نفسها عليه؟!

ويحدّث أعمامه فيسرعون في تحقيق أمنيته ويلتقي حمزة والعباس وأبو طالب ويذهبون خاطبين إلى بيت خديجة ويقوم أبو طالب خطيباً فيقول: "الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم .. ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوزن به رجل إلا رجح به، فإن كان في المال قل، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، محمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو بعد هذا والله له نبأ عظيم وخطر جليل"

وتزوجا..
فكانت هي الزوجة، الحبيبة، الصديقة والأم.
كانت له عوناً وسنداً، فقد صدقته يوم كذبه الناس، وأيدته يوم حاربه الناس، وأعطته يوم حرمه الناس، وزملته ودثرته وعضدته، وظل وفياً لها حتى بعد وفاتها رضي الله عنها.


السبت، 12 مارس 2022

الله جميل

 يجسّد الجمال جميع تلك المعاني المريحة، المطمئنة والسكينة.
ومتى ما عُبد الله الجميل فاستحضارك الجمال هو فعل يستلزم الإخلاص والإتقان فيه؛ من استدعاء النيّات الصالحة والتعامل مع الإنسان وسائر العبادات والمعاملات.
الجمال يجعلك تخضع ويجعلك تعبد كذلك؛ والله جميل حيث يستوجب معه أن تستشعر جمال من تعبد وعظمة من تلجأ.

وأنت تستعد لأداء الصلاة المعتادة جرّب أن تحضر بعقلك وقلبك، فكّر بأنها خلوة أمام الله الجميل وليس لمجرد أداء عادة واجبة.
وأنت تعمل في عملك وضمن مهامك ومسؤولياتك فكّر أن تكون هذه الساعات لله الجميل عبر استذكار معاني الإخلاص، الإتقان وإطعام أهلك وعيالك، وليس مجرّد وظيفة وراتب بنهاية الشهر.
وأنت بجميع أحوالك الظاهرة والباطنة فأنت مع الله الجميل في سكناتك وحركاتك، وأنت تتعبّده ضمن المرتبة الثالثة لمرتبة الدين وهي الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)

واستشعر دائماً..
بأن الله جميل.
وتذكّر أيضاً..
بأن الله غني عنك بمطلق الأحوال.

الخميس، 17 فبراير 2022

مقابلة تلفزيونية

 في إحدى مقابلاته التلفزيونية يعلّق الفنان السينمائي المدعو بسلطان عبدالعزيز عن سبب نجاحه كممثل في الجانب الدرامي يقول: أشيد بالفضل لله أولاً ثم لدعوات أمي ثم لأبي من انتزعت من قلبه الرحمة وعدد من الشخصيات القريبة مني؛ لا أعتقد بأني استحق هذا الوهج وهذا النجاح دون أن أشكرهم.

فطنة المذيع أبت أن تتجاوز تلك العبارة والتي قد تكون مادة إعلامية مثيرة للجدل؛ ماذا تعني بقولك وهنا استشهد من حديثك: "أبي من انتزعت من قلبه الرحمة" ؟
يجيب الفنان: ليست من عادتي الخوض في حديث نفسي ممل طويل عدا أن استشهادي بهذا القول جاء نتيجة تراكمات ورغبت بأن أفصح عنها ليستفيد غيري بها.
هي تجربة حدثت معي وليست بالضرورة أن تحدث مع كل أحد ولكن إن حدثت أنصح بأن يتصرف بطريقة أكثر عقلانية مما فعلت أنا.

الأب والأم أرزاق من السماء؛ وأعني بالرزق بالسبب الرئيسي في تشكيل شخصية أطفالهم.
هذا الأمر خارج عن سيطرتنا بالكلية.
من يتمتع بوالد ذو عقل نظيف وشخصية قيادية حازمة ورحيمة فهو قد رزق الحكمة، ومن تمتع بوالدة حنونة، معطاءة ومتفهمة فقد رزق بالبطولة، وما بين تلك الظروف والأرزاق يتشكل الإنسان وفقاً لتجارب الحياة ودروس الشارع.

على هذا الأساس عرّجت على تلك النقطة.
حكمة الله لي أن رزقني بأبٍ غير واعٍ، غير قيادي بطبيعة الحال، يجسّد معاني الأنانيّة وعدم امتلاك البصيرة ولكن والحق يقال كان عصامياً ومازال.
شخصية والدي لم تعزز فيني الصفات التي تؤهلني في وقت مضى من أن أصبح ما عليه الآن؛ من إدراك وفهم نشأة الأطفال مع أب مثل أبي، حيث مكّنتني تلك المعرفة من استلهام العذر لكل طفل تجرّع ألم تلك الشخصية وتلك التربية عبر سلوكيات غير مفهومة أو ردود أفعال غير مدروسة.
كاكفا، نيشته وتولويستوي روائيين ومفكرين عظماء كان لهم نفس النصيب من سلوك الأب وحماقته في التربية إلا أن ذلك لم يمنعهم من النجاح أو التفرّد فيما وصلوا إليه من العظمة.

حتى لا استفيض أكثر وتصبح هذه المقابلة حلقة درامية متلفزة؛ أردت أن أقول وبشكل واضح: الأب والأم ما لا يمكن للإنسان اختياره مطلقاً. هم خير بمطلق الأحوال لأنك ستجني العظمة منهم عبر التربية الحسنة والتمكين أو الحماقة والخذلان؛ فإما أن تنزوي على نفسك وتندب حظك وتعيش حياة بائسة أو تتجاوزها بالحد الأدنى من ما يطلبك به الشرع والدين ضمن حدود التكليف، وهذه رسالة للشباب.

ورسالة أخيرة لكل الآباء والأمهات: اتقوا الله في أطفالكم.
التربية شيء والرعاية شيء آخر؛ الرعاية يقوم بها الحيوانات بمختلف الأنواع، بينما التربية تتجسّد بالوعي وتتطلّب منكم الاجتهاد.
يجب أن تفهموا مقولة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: "لا تربوا أبناءكم على زمانكم فقد ولدوا لزمان غير زمانكم"
وأنتم في سبيل ذلك وأعني التربية إما ستكافأون على ذلك في الدنيا والآخرة أو ستصيبكم لعنات مبطنة ودعوات احتساب ظاهرة؛ فاختاروا ما يناسبكم.

شكراً لك على الدعوة، أرجو أن أكون قد وفّقت في هذه المقابلة!

السبت، 22 يناير 2022

الكتابة الحرة

 تشير الساعة إلى التاسعة والنصف تماماً.
استيقظ في الصباح الباكر.
كعادتي اليومية.
إلا أن الفارق شيئان أحدهما استيقاظي بدون منبه، والآخر أنه يوم السبت.
أعود إلى النوم في محاولة جادة لكسر الروتين، في محاولة استعادة طاقة مهدرة خلال الأسبوع.
لكن الحقيقة أعود إلى النوم حتى لا أفكر بشكل مفرط.
مؤخراً؛ أصبحت أفكر بطريقة مزعجة، بأسلوب مؤذي لعقلي وجسدي دون أن أجد ما يطفىئ شعلة النشاط بل العذاب التي اجتاحتني فجأة واقتحمت أفكاري بغتة ولا أفعل معها شيء. 

بعض تلك الأفكار تستوطن العقل ولا تلبث أن ترحل أبداً؛ هاجس من المخاوف، من التساؤلات المربكة للمستقبل، وبعضها مثل هبوب الرياح الباردة في فصل الشتاء تمر مرور الكرام ولكنها تعصف بك وأحياناً تترك أثراً ثم ترحل.

وجدت فكرة الكتابة؛ فكرة جيدة قابلة لأن افعلها بشكل متكرر.
البوح عن المشاعر دون فائدة.
التفرغ من الأفكار دون نتيجة.
أن ابدأ بجملة ولا اعلم إلى أين النهاية.
بالمناسبة. هذا أسلوب فريد في الكتابة يتبعه عظماء الأدب والرواية.
يعرف هذا الأسلوب " بالكتابة الحرة "

و
هي تقنية من التقنيات المستخدمة للتغلّب على النقد الذاتي، دون مراعاة للإملاء وقواعد النحو؛ المهم أن تكتب، من المهم أن تعبّر عن داخلك بكل أريحية سيما أنك لا تحتاج إلى أحد يسمعك.

الكتابة تأخذ أسلوباً علاجياً للنفس المكبوتة، المتعبة والمرهقة.
طريقة تداوي للتفريغ عن المواقف الساذجة أو حتى للموضوعات الفلسفية والنخبوية.
يكفي أن تأخذ مسار واحد للكتابة؛ وهو أن تكتب لنفسك ودون أن تراعي مفرداتك أو أخطاءك اللغوية والنحوية.
بهذه الطريقة أن تعبّر عن مكنوناتك الداخلية بمختلف الحالات من استياء وامتعاض وكذلك في تحسين لغتك العربية عبر فعل الممارسة والكتابة.

ومن منطلق التعبير والشكوى؛ اقتبس تلك الأبيات للشاعر كريم العراقي يقول فيه:
لا تشكُ للناس جرحًا أنت صاحبه
لا يؤلم الجرح إلا من به ألم
شكواك للناس يا ابن الناس منقصة
ومن من الناس صاح ما به سقم
فالهم كالسيل والأحزان زاخرة
حمر الدلائل مهما أهلها كتموا
فإن شكوت لمن طاب الزمان له
عيناك تغلى ومن تشكو له صنم
وإذا شكوت لمن شكواك تسعده
أضفت جرحًا لجرحك اسمه الندم
 

الأربعاء، 19 يناير 2022

الكسل الذهني

 حدث لي مؤخراً موقفاً استدعى مني التفكير للأمر من زاوية مغايرة.
من سلبية محبطة إلى محايدة بطريقة تستدعي التفهم.
الموقف باختصار: حالة التبلد التي تصيب البعض جرّاء عمل مكثّف تجعله يعقّد مختلف المسائل حتى لا يكون هو في الصورة أو أن يعمل لأجلها من باب المساعدة أو المسؤولية.
أو ربما هو كسل ذهني يجعله يأخذ الخيارات الأسهل لينأى نفسه عن المسؤولية.

بمعنى أبسط وأسهل.
أحياناً تطلب من أحدهم مساعدة في أمر ما.
هذا الأمر وهذه المساعدة بطبيعة الحال هو قادر على فعلها وضمن استطاعته ولكنه بدلاً من فعلها في الحال أو أن يقوم بتفويضها لشخص آخر؛ تجده يخبرك بخيارات صعبة، خيارات فيها من التبلد الشيء الكثير حتى لا يقوم بها.
مثال على ذلك:
سألت صديق لديه خبرة في كتابة المحتوى عن مهمة قد أوكلت إليه ولا يستطيع هو فعلها. قلت له: لدي وصف منتجات ولا أستطيع كتابتها أو وصفها بشكل جيد.
الآن الخيارات المتاحة هي كالتالي:
- إن كانت المهمة بسيطة وسلسة ولا تطلب وقت كثير فيمكنك فعلها لأجله.
- أو إرشاده إلى بعض المواقع المتخصصة في تعليم وصف المنتجات؛ وبهذا أنت اختصرت عليه عناء البحث.
- والخيار الأخير هو تفويضه لشخص آخر بمقابل مادي بسيط.
لكن الذي لا ينوي المساعدة سيجعل من الحبة قبة.
سيطيل الحديث دون فائدة مرجوة والمشكلة إذا كان يعتقد بأن معلوماته مهمة؛ بالتالي سينظّر عليك ويسرد قصص وتفاصيل بديهية ومضيعة للوقت مثل: هناك فرق بين وصف المنتجات، المنتجات الطبية تختلف عن المنتجات الغذائية.
المنتجات الطبية يجب أن تراعي فيها التفاصيل الطبية بدقة مع معايير وزارة الصحة بينما المنتجات الغذائية تراعي فيها القيم الغذائية والسعرات الحرارية.
وسلسلة طويلة من المعلومات ربما لا أعيها بحكم التخصص ولكنها أيضاً غير مفيدة
والقصد من هذا بأني أنا كغير متخصص لا يهمني تلك التفاصيل المهمة و الهامشية، أرغب بإنجاز المهمة بأسرع وأسهل طريقة وشكراً لك.
ساعدني لذلك أو اعتذر بلطف.
تجده أيضاً يستعين بكلمات مثل: يفضل، ممكن، احتمال وارد والخيارات لا تنتهي من الاحتمالات!
يبتعد عن الكلمات المباشرة والتي تستلزم اتخاذ قرار مباشر؛ افعل ذلك على ضمانتي لأني مجرب.

هذه الطريقة في التعامل بغض النظر عن سببها؛ مجهد بالعمل أو لديه صفة التكاسل يعتبر تعامل بجودة منخفضة؛ لأنه يبحث عن أبسط الحلول للخروج من المأزق الذي هو فيه بأقل الخسائر، لا يستطيع أن يقول لا بصرامة أو أن يجيبك بوضوح تام.

ما الذي جعلني أفكر بهذا الأمر أو أن أكتب مثل هذه الكتابة!
أنها أصبحت رائجة في الآونة الأخيرة.
يتخذ هذا المخرج الساذج حتى يحبطك عن طلب مساعدته.
فإن قابلت مثل هؤلاء؛ فالزم الصبر وحاول أن تستغني عن سؤالهم وطلب مشورتهم؛ لأنه يستنزف وقتك في الحديث ولا تخرج منه بفائدة وللأسف.


بوح شخصي

اشعر باختناق مؤلم.
الرياض تخنقني.
عبّرت عن هذا الاختناق وهذا الشعور بوضوح لكن دون معين.
دون أن يعي ودون أن يدرك أحد هذا الوجع الرهيب.
أدركت لاحقاً بأن الإنسان حرّ نفسه؛ 
بقراراته واختياراته.

الكل يعتقد بأنه يرغب الأفضل لك.
ينصحك، يرشدك لكن لا أحد ينبغي أن يملي عليك ما يجب فعله ولو من باب النصيحة.
حيث المعطيات مختلفة، والظروف ليست واحدة.
يكفي أن تسمع لها وتستمع إليها فحسب.
وافعل ما شئت حيث أنت لوحدك في هذه الحياة الدنيا والآخرة.

راودتني نفسي على إيذاء نفسي تارة.
وراودتني للرحيل والارتحال تارة أخرى.
أفكاري كثيرة وطموحاتي لا تنتهي.
وأنا حيث أقبع هنا لا أكاد أجد لها حيّزاً للاحتواء.
فقررت التريّث علّي أكافئ على هذا الصبر.
نعم الوقت يمضي، والعمر كذلك.

والاستعجال في هكذا قرارات ناجم عن عدم بصيرة بل حماقة.
وأكثر ما يزعجني في هذه الفترة؛ هو الصبر دون خارطة طريق واضحة.
يكفي أن نصبر ونصطبر ونتصابر ونستشعر جميع معاني الصبر.
ستكون النهاية سعيدة بإذن الله.
ستكون الخاتمة استثنائية بإرادة الله.
تفاءل فحسب.


وفي ختام القول أقول..
نحن نتاج أفعالنا.
نحن نتيجة ممارسات وجهود متراكمة لا يعلم بها أحد.
لنبذل الأسباب الحسية والمعنوية؛ الدعاء وقرع الأبواب.
لا تعوّل على أحدٍ من البشر مطلقاً؛ لا تثق بهم أبداً.
فلتثق بالله فهو خير سند وخير معين.

فراشة الأدب ومأزق الحب

 من عجائب النفس البشرية هي تلك حكاية الحب التي سطّرتها مي زيادة.
مي الفاتنة والجميلة.
مي المثقفة والمتمردة.
مي فراشة الحب والأدب.


بصالونها المعتاد الذي جمع النخب من العقول كل يوم ثلاثاء.
حيث تبنّت الفكرة النسوية؛ وناضلت لأجلها.
أحبّها العقاد والرافعي، وكتبوا إليها ما تختلج به مشاعرهم.
وشوقي وصبري شعروا لها الأشعار على النوع الآخر من الأدب.
وبدل أن تبادلهم المحبة، أن تشاطرهم أحاسيسهم المرهفة.
أحبّت شخصاً آخر.
لم تلتقي به مطلقاً.
سوى بالرسائل والنصوص.
كيف يعقل أن تقع هذه الذكية في هذا المأزق من الحب غير المحسوس،
غير الملموس سوى بالجمل والحروف!
غريب هو أمر هذا الحب.


بدأت الحكاية برسالة محاباة كانت قد كتبتها لجبران إثر قصيدة قد نشرها في الصحيفة.
رسالة تلو رسالة، ومشاعر متراكمة.
حتى تجاوزت الثلاثين من العمر؛ تجرأت على أن تبوح بمشاعرها الدفينة.
برسالة تقول فيها:
" ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب. أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير. الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري.
الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كنت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولا اختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى حتى الكتابة ألوم نفسي عليها، لأني بها حرة كل هذه الحرية.. أتذكر قول القدماء من الشرقيين: إن خير للبنت أن لا تقرأ ولا تكتب "

ثم يرد عليها ضمن رسائله:
" أنت تعلمين أن القلب البشري لا يخضع إلى نواميس القياسات والمسافات، وأنّ أعمق وأقوى عاطفة في القلب البشري تلك التي نستسلم إليها، ونجد في الاستسلام لذة وراحة وطمأنينة مع أننا مهما حاولنا لا نستطيع تفسيرها أو تحليلها، يكفي أنها عاطفة عميقة قوية قدسية
؛ لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة.
أنا أعلم أنّ القليل في الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير، نحن نريد كل شيء، نحن نريد الكمال "


وقعت حينها بالحب؛ وقعت في حقيقة الأمر بالأسر!
تعلّقت به كثيراً دون أن تنفك عنه إلا أن تلك العلاقة أصابها نوع من الخلل لحين إصابة جبران بالمرض.
الأمر الذي جعلها تقف بجانبه ولم تتركه في محنته بل أحاطته بمزيد من عواطف الحب تارة وحنان الأمومة تارة أخرى!

أهملت المحبوبين جميعهم الشعراء والمفكرين إلا جبران.
انتكست عندما علمت بموت محبوبها البعيد،
وتجرعت محن ومصائب من القريب والبعيد.
حتى أنها أرسلت رسالة لابن عمها في لبنان تقول له:
"منذ مدة طويلة لم أعد اكتب. وكلما حاولت ذلك شعرت بشيء غريب يجمّد يدي ووثبة الفكر لدي، إني أتعذب شديد العذاب يا جوزيف ولا أدري السبب، فأنا أكثر من مريضة، وينبغي خلق تعبير جديد لتفسير ما أحسّه فيّ وحولي. إني لم أتألم في حياتي كما أتألم اليوم، ولم أقرأ في كتاب من الكتب أن في طاقة بشري أن يتحمل ما أتحمله. وددت لو علمت السبب على الأقل. ولكنني لم أسأل أحداً إلا وكان جوابه: لا شيء إنه وهم تمكّن مني..."

وما كانت تلك الرسائل إلا ميثاق حب عذري بين كاتبين سطّرا أعجوبة الحب دون أن يحدث لقاء أو اجتماع بينهم يتيم أو وحيد.